تونس: حرب نقابتَي العمال و"الأعراف" في ذروتها

29 سبتمبر 2015
من تظاهرات اتحاد الشغل في عيد العمال(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تفلح محاولات الأمين العام لاتحاد الشغل في تونس، حسين العباسي، في تلطيف الأجواء وتهدئة الأوضاع بين نقابته ومنظمة رجال الأعمال. وتحولت الحرب الكلامية بينهما إلى صراع مفتوح يهدد بنسف الموقف الاجتماعي برمته في تونس.

وجاء تصاعد البيانات بين الطرفين في الأيام الأخيرة ليحوّل التوتر من ساحة المواجهة بين النقابة العمالية التاريخية في تونس والحكومة من جهة، إلى الصراع بين العمال ورجال الأعمال من جهة ثانية. وعلى الرغم من التفاؤل الذي بدا قبل العيد إثر الاتفاق بين اتحاد الشغل والحكومة حول زيادة أجور العمال في القطاع العام، تدهورت العلاقة بشكل متسارع مع القطاع الخاص، ما ينذر بمواجهة صعبة بين المنظمتين، إذا لم تفلح محاولات الصلح بينهما.


وكان العباسي قد دعا، في لقاء مع "العربي الجديد"، إلى حوارات جدية تتجنب المماطلة وتضييع الوقت، وإلى عدم تحميل نقابته مسؤولية إضرابات تتحمل فيها منظمة رجال الاعمال كامل المسؤولية، لأنها أخلّت بالتزامات مكتوبة جرى الاتفاق عليها منذ مدة. مجدداً رغبته في الحوار، غير أنه بدا غاضباً من توظيف بعض رجال الأعمال وسائل إعلامية محسوبة عليهم، بشكل أصبحت تستهدف النقابة بشكل مباشر وتحملها مسؤولية التوتر في البلاد، مؤكداً أن نقابته لن تتراجع عن حماية حقوق العمال الذين تدهورت قدراتهم الشرائية في السنوات الأخيرة، في حين أن التهرب الجبائي هو سبب الأزمة في تونس، على حد تعبيره.

وتعود أسباب الأزمة بين المنظمتين إلى التصريحات النارية بين مسؤوليهما في الأيام الأخيرة؛ فأمام ما اعتبره اتحاد الشغل "تلكؤ رجال الأعمال في التوصل إلى اتفاق"، هدد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، بلقاسم العياري، بـ"إضراب تاريخي" في القطاع الخاص. لكن منظمة رجال الأعمال ردت ببيان قوي بدورها، رفضت فيه ما سمته "التصريحات الخطيرة واللامسؤولة للأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، والافتراء المغرض، والمغالطات المفضوحة، والمس برئيسة الاتحاد (رجال الأعمال) ورئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والمسؤولين النقابيين لمنظمة الأعراف" (نقابة رجال الأعمال).

واعتبرت المنظمة نفسها أن غاية صاحب هذه التصريحات، هو "استدراج المنظمتين إلى التصادم والقطيعة وتوتير الأجواء"، مشيرةً إلى أن المشاورات حول إعداد مشروع الاتفاق العام حول المفاوضات لم يشهد أي تعثر أو مماطلة من "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية"، بل إن مشروع المنظمة المقترح كان جدياً وواقعياً، وإن وفد اتحاد الشغل أعرب عن موافقته على مضمونه، وطلب خلال جلسة 8 سبتمبر/أيلول، مهلة يومين من أجل عرضه على مكتبه التنفيذي، "لكنه تعمّد التغيب منذ ذلك التاريخ، والتنصل من الحوار، والهروب من المسؤولية، بعد تسجيل عديد التوافقات التي يسعى الآن إلى التراجع عنها"، على حد تعبير بيان نقابة رجال الأعمال.

اقرأ أيضاً: القطاع الخاص التونسي يهدد بالإضراب.. ويدعو إلى اجتماع للتباحث

ورفضت منظمة رجال الأعمال ما سمته "منطق التهديدات والترهيب والابتزاز"، وعبرت عن استعدادها لمواصلة النقاشات حول مضامين المفاوضات التي اقترحتها، والمتعلقة بالسلم الاجتماعي والأجور وتشغيل العاطلين واجتناب وضع المؤسسات في خطر، والإحاطة بالمؤسسات التي تشهد صعوبات، والتطبيق الدقيق للقوانين والاتفاقيات، "على أن هذا الاستعداد يبقى مرتبطا بإصلاح ما أفسده البعض، وتنتظر قرار المكتب التنفيذي الوطني في هذا الشأن"، وفق نصّ البيان.

وسرعان ما ردّ العياري، في تصريح صحافي، على هذا الكلام، لافتاً إلى أن "منظمة الأعراف تنتهج سياسة الهروب إلى الأمام، وما ذُكر في البيان هو مجانبة للحقيقة، واستعمال سياسة الهجوم كأحسن طريقة لعدم تمكين العمال من حقوقهم".


ونشر "اتحاد الشغل" بياناً أوضح فيه أن موقف أي عضو من مكتبه ملزم لكل المنظمة، ما يعني أن الاتحاد يرفض ما ذهبت إليه منظمة أرباب العمل من تحميل المسؤولية لأمينه العام المساعد، وإظهاره في موقف المتسبب في توتير الأجواء، ودعا إلى اجتماع عاجل، حصل بالفعل أمس الإثنين، ودام ساعات طويلة، للنظر في الإجراءات والقرارات التي سيتم اتخاذها للرد على تعطل المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص، مشيراً إلى أنه من المنتظر الإعلان عن "خطة نضالية وتعبوية تهم عمال القطاع الخاص في كافة مناطق البلاد". كلام يعني أن "اتحاد الشغل" عازم على حسم المعركة مع رجال الأعمال، عبر إضراب يمكن أن يشمل حوالى مليون ونصف المليون عامل في القطاع الخاص، أي ضعف العاملين في القطاع العام.

ويتابع الرأي العام في تونس ومن خلفه الحكومة، هذا الصراع بتوجس كبير، خصوصاً أنه ينسف آمال الهدنة التي بدأت بما سمته الحكومة "اتفاقاً تاريخياً مع النقابة"، بعد زيادة أجور القطاع العام، ويبدو أن الخماسي الذي أنشأه الرئيس الباجي قائد السبسي (الذي يجمع اتحاد الشغل والرئاسة ورجال الأعمال والحكومة والبرلمان)، لم يفلح في إطفاء فتيل الأزمة.

واعتبر العباسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التجانس الكبير الذي ميّز علاقة المنظمتين، إبّان تجربة الرباعي الراعي للحوار الوطني، تحقّق بسبب استشعار الخطر العام الذي كان محدقاً بالبلاد وقتها، "ولكن بين المنظمتين هناك دائماً مصالح متناقضة ينبغي حلها بالحوار الحقيقي والجاد وبتحمل للمسؤولية"، مشيراً إلى أن نقابته قدمت تنازلات كبيرة في مفاوضاتها مع الحكومة، لأنها متفهمة لظروف البلاد الصعبة، معتبراً أنه "وجد محاوراً جدياً (الحكومة) يرغب في إيجاد حل للملفات المطروحة، وهو ما ينبغي على منظمة الأعراف أن تحذو حذوه".

اقرأ أيضاً تونس: حكومة الصيد تبحث عن هدنة اجتماعية