لم يبقَ أمام البرلمان التونسي من حلول لإرساء المحكمة الدستورية، سوى التوافق قبل جلسة الخميس، بعدما قطع الرئيس التونسي قيس سعيّد الطريق بردّه تعديل قانون المحكمة الدستورية الذي يمكّن من خفض الأغلبية لاختيار المرشحين.
ويُقبل البرلمان على امتحانٍ جديدٍ وتحدٍّ كبيرٍ، بعد امتناع سعيّد عن ختم تعديلات قانون المحكمة الدستورية، التي كانت بمثابة المخرج الذي وجده البرلمان لتجاوز عقبة الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها، بعدما عجز عن تمرير المرشحين بشرط تصويت الثلثين (145 صوتاً) على الأقل.
وينتظر البرلمان اختبار انتخاب 3 أعضاء من أصل 4، بعدما نجح في انتخاب مرشح وحيد خلال المدة الماضية، وستُعرض ملفات 7 مرشحين اقترحتهم الكتل على الجلسة الانتخابية، منهم خمسةُ مختصين في القانون واثنان من غير المختصين.
وأكدت النائبة عن حزب "النهضة" يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن كتلة "النهضة" عقدت أياماً برلمانية، أكدت خلالها ضرورة وأهمية استكمال إرساء المحكمة الدستورية، من خلال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين، وبذل الجهود لتقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق مع بقية الكتل.
وبيّنت الزغلامي ضرورة تعبيد الطريق أمام الجلسة الانتخابية، من خلال وضع الخلافات والاختلافات جانباً، وإعلاء المصلحة الوطنية التي تقتضي إرساء المحكمة الدستورية التي تمثل ضمانة وحارس الديمقراطية.
وأشارت الزغلامي إلى أن المسؤولية مشتركة بين جميع الكتل والأحزاب، وأن إرساء المحكمة الدستورية في مقدَّم مهام البرلمان والنواب.
يُقبل البرلمان على امتحانٍ جديدٍ وتحدٍّ كبيرٍ، بعد امتناع سعيّد عن ختم تعديلات قانون المحكمة الدستورية
ويزداد الوضع البرلماني والسياسي تعقيداً وتشرذماً برفع الرئيس الفيتو في وجه القانون المعدَّل من البرلمان، في وقت ترفض الكتل المعارضة مرشحي الكتل الحاكمة وسط دفع من الدستوري الحر للتشكيك في المرشحين والعملية الانتخابية.
وفي تعليقه على رفض سعيّد ختم تعديلات المحكمة الدستورية، قال القيادي بحزب "النهضة" رفيق عبد السلام على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، إن "قيس سعيّد قطع الشك باليقين برفضه المطلق لتكوين المحكمة الدستورية جملة وتفصيلاً، وبما أنه يرى أن إرساءها اليوم أو غداً يقع خارج إطار الشرعية والدستور، فإنه مصمّم على احتكار تأويل الدستور بألاعيب قانونية وتقعّر لغوي وتفَيْقه مصطنع، علماً بأن تجاوز الآجال الزمنية يسري هنا على هيئات دستورية أخرى منتصبة، سبق أن فتح لها أبواب قصر قرطاج".
وتُعدّ مهمة البرلمان صعبة، نظراً للخلافات السياسية الدائرة والقطيعة الواضحة بين عدد من الكتل، ما صعّب عقد جلسات للحوار والتوافق ببن رؤساء الكتل.
ويصعب تجميع الثلثين لانتخاب بقية مرشحي المحكمة الدستورية بعد غد الخميس، بسبب الخلافات والصراعات القائمة بين الأحزاب والكتل، بحسب ما فسرته خبيرة القانون الدستوري منى كريم الدريدي.
وأضافت كريم لـ"العربي الجديد"، أن الكتل البرلمانية أمام امتحان جديد الخميس، في كيفية جمع 145 صوتاً، ما يقتضي توافقاً بين الكتل الحاكمة والمعارضة، مشيرة إلى أن الائتلاف الحكومي لا يمتلك هذه الأغلبية حالياً.
وبيّنت أن انعكاس الوضع السياسي العام، وتصاعد وتيرة الخلافات بين السلطات في تونس على مسار انتخاب المحكمة الدستورية، يأتيان في وقت ازدادت الحلول صعوبة بعد ردّ الرئيس للتعديلات.
سعيّد: يريدون محكمة دستورية لتصفية الحسابات
في غضون ذلك، هاجم سعيّد، اليوم الثلاثاء، منتقديه بشأن المحكمة الدستورية، بعد رفضه للتعديلات التي أدخلها البرلمان على قانونها، معتبراً أن من سمّاهم بـ"هم"، يريدون محكمة لتصفية الحسابات.
وقال، في كلمة ألقاها اليوم، بمناسبة إحياء الذكرى الـ21 لرحيل الرئيس الحبيب بورقيبة، في المنستير وسط تونس: "إننا بحاجة إلى محاكم وعدالة حقيقية وإلى محكمة محاسبات، ولكن لسنا بحاجة ولن نقبل أبداً بمحكمة لتصفية الحسابات".
وأشار سعيّد إلى أن "هناك قراءات مختلفة ومحطات يمكن أن نختلف فيها أو اختيارات يمكن أن نتعارض في قراءتها، لكنّ هناك نصوصاً قانونية يجب أن تكون أعلى من كلّ الأشخاص، ولا يجب أن توظَّف لخدمة شخص أو لخدمة جهة معينة".
ووجّه سعيّد رسائل متعددة لمن يسمّيهم بـ"هم"، مذكراً بأنهم "وضعوا الدستور (2014) وقالوا إنه سيتم إرساء المحكمة الدستورية في غضون سنة (2015)، ووضعوا النص ولم يرسوها، ولما أحسّوا بالخطر اليوم أو استشعروا بعض الخطر، بدأوا الحديث عن إرساء المحكمة الدستورية. هل ستكون بالفعل محكمة أم ملكية لتصفية الحسابات الدستورية؟ لن أدخل معهم هذه المجالات والنقاشات".
وتابع: "الدستور مكّنني من أن أعترض ولو لأسباب سياسية على ختم نصّ قانوني، وهذا موجود في العديد من دول العالم. حق الرد وحق الاعتراض أو حق الفيتو كما هو معروف بالأنظمة الرئاسية. هم خارج الآجال، ومن خرق الدستور لا يمكن أن يجرّني إلى أن أخرقه. من خرقه فليتحمّل مسؤوليته، وهم وضعوا أنفسهم في وضع مستحيل".