يطغى الغموض والانتظار على المشهد السياسي التونسي، بسبب عدم وضوح معالم المرحلة القادمة بعد مضي 18 يوماً من فترة ثلاثين يوماً أقرها الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو/ تموز الماضي.
وعلى الرغم من تأكيدات سعيّد لمحدثيه، خصوصاً من المسؤولين الغربيين، أنه سيعلن قريباً عن خطوات؛ فإن كثيرين باتوا يتوقعون أنه سيمدد "الإجراءات الاستثنائية" مهلة الشهر.
وأكد سعيّد، أمس الأربعاء، أن المؤسسات والإدارات التونسية تعمل بشكل عادي بفضل الكفاءات الموجودة فيها، بما يعني أنه ليس هناك من دافع لاستعجال الإعلان عن رئيس الحكومة.
ويطالب سياسيون ومنظمات بضرورة التعجيل بوضع خارطة طريق تحدد ملامح المرحلة القادمة، وتساعد على الخروج من المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، مؤكدين أنه "لا يجب التفرد بالحكم، بل تطبيق الدستور واحترام القانون وتعزيز المسار الديمقراطي".
وأكد النائب المستقل حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "خارطة الطريق مهمة على العديد من المستويات، ومنها احترام مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام الحقوق والحريات، كما أنها تبين مدى التزام رئيس الجمهورية باحترام الدستور"، مؤكداً أنه "على المستوى المؤسساتي، وعندما يحصل اضطراب على مستوى القيادة؛ فإن المؤسسات لا يمكنها التصرف، وبالتالي فمن الضروري وضع خارطة طريق، لأنها ستحدد المرحلة القادمة".
وأفاد المليكي بأن "خارطة الطريق مهمة بالنسبة للالتزامات المالية والخارجية، فهناك مستثمرون أجانب وهناك دول لديها تعاملات ومصالح مع تونس، وجلها تريد أن تعرف إلى أين تسير البلاد، وفي أي اتجاه"، مؤكداً أن "التفاوض مع الشركاء الأجانب في ما يتعلق بالاقتراض يفرض وجود خارطة طريق، وبالتالي هي ضرورية لتتمكن تونس من استرجاع عملها الطبيعي، كما أن خارطة الطريق مهمة من الناحية الدستورية للاطمئنان على الحقوق والحريات، وعلى مستوى العلاقات الخارجية".
وبيّن المتحدث أنه "من الضروري النقاش حول طبيعة خارطة الطريق، بمعنى هل ستعتمد التشاركية وتطرح للنقاش؟ وهل ستكون خارطة طريق على المدى القصير أو الطويل؟ وجلها مسائل مطروحة للنقاش، ما يستوجب وضع توجه واضح يحدد ملامح المرحلة القادمة".
ويرى الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أنه "رغم مرور أكثر من أسبوعين منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية؛ فإن لا أحد يعلم إلى أين نسير، وما هي الخطوات الموالية"، مضيفاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن جمع السلطات بيد شخص واحد، فبعد أن أقال سعيّد رئيسَ الحكومة وترأس النيابة العمومية فلا بد من التعجيل بوضع خارطة طريق؛ لأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، فلا توجد دولة دون حكومة ودون سلطة تنفيذية"، مبيناً أن "مثل هذا الوضع قد يؤثر على الخدمات وسير المؤسسات".
وأضاف الشابي أن "تونس في حاجة إلى خطوات واضحة، وإلى حكومة إنقاذ وطني للخروج من المأزق، وأن يتم الرجوع للشعب عبر انتخابات مبكرة"، مبيناً أن "خارطة الطريق يجب أن تكون تشاركية بين رئيس الجمهورية وجلّ الأطراف الفاعلة من أحزاب ومنظمات للخروج من الأزمة".
وقال النائب عن حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، إن "خارطة الطريق مهمة لأنها بمثابة رسائل طمأنة لجميع الأطراف، وهي بمثابة التعهد على احترام الدستور"، مؤكداً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الجمهورية كان قد وعد جل المنظمات والفاعلين باحترام الحقوق والحريات، وسيساعد تحديد خارطة الطريق في رسم ملامح المرحلة القادمة، وسيكون بمثابة الطمأنة".
وبيّن عويدات أن "رئاسة الجمهورية هي المعنية بوضع خارطة الطريق، ولكن يمكن لها أن تستشير الأحزاب والمنظمات حولها".
ويرى رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس حمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن التعجيل بخارطة الطريق ضروري، وهو مطلب العديد من المنظمات والفاعلين والقوى الوطنية، فـ"كلما عجلنا بوضع خارطة طريق كان ذلك أفضل؛ لأن المطلوب اليوم حماية الحريات وتعزيز المكاسب"، مؤكداً أنه "لا بد من إنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية وتحديد الخطوات القادمة، واستئناف المسار الديمقراطي؛ لأنه الكفيل بحماية الحقوق والحريات للسير العادي لمؤسسات الدولة في إطار خيارات وطنية تشارك فيها جميع القوى الوطنية المدنية".
وأضاف حمادي أنه "لا بد من ضمان تطبيق القانون والمحافظة على استقلالية القضاء وإنجاح التجربة الديمقراطية التونسية".
وأفاد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "تاريخ 25 يوليو/تموز كان يوماً فارقاً في تونس وفي التاريخ السياسي وفي المرحلة الانتقالية عموماً"، مؤكداً أنه "حصلت تغيرات عميقة على المستوى المؤسساتي، وفي العمل السياسي"، مشيراً إلى أن "هذه التغيرات العميقة لا يمكن أن تبقى دون رؤية توضح الطريق وتفسر للناس والأطراف الفاعلة ما يمكن القيام به من أجل المضي قدماً في تحقيق بقية المطالب".
ولفت إلى أن "العديد من المطالب لا تزال عالقة، وتهم تحقيق الكرامة والشغل وتحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بالحياة السياسية ووضع حد للفساد"، مبيناً أن "جل هذه المطالب يجب أن تصحبها خارطة طريق لتحديد الرؤية وآليات تحقيق هذه المطالب، كما تحدد أدوار الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني".
وتابع أن "هناك مطالب لا يمكن أن ننساها، وتتعلق بإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي، وكمثال لا بد من إرساء المحكمة الدستورية، وكذلك القيام بالإصلاحات الكبرى، إصلاح التعليم والصحة والبنية التحتية، وكل هذا يجب أن يكون ضمن رؤية واضحة تشارك فيها مختلف الأطراف، من أجل تحويل إجراءات 25 يوليو/تموز إلى تصوّر واضح ومتكامل، ومن أجل عمل جماعي مشترك وبناء جديد".
وبين أن "كل مرحلة من مراحل الانتقال لا بد أن ترافقها خارطة طريق، فهي ضرورية لرفع الضبابية"، مؤكداً: "إننا نعيش في أزمة متواصلة، ونحن اليوم في مرحلة جديدة حاولت القطع مع مرحلة متأزمة، ما يتطلب تصورات واضحة، تساعد على بعث أجواء من الطمأنة وتضع تونس على طريق البناء".