توقيفات تونس تمتد إلى "جبهة الخلاص": هل انزعجت السلطة من تقارب المعارضة؟

24 فبراير 2023
تشنّ السلطات التونسية حملة توقيفات واسعة (Getty)
+ الخط -

يتابع التونسيون أخبار توقيف قيادات المعارضة ونشطاء سياسيين وأمنيين ورجال أعمال في حملة توقيفات واسعة يجهل الجميع مداها، وسط إدانات حزبية وسياسية.

واستفاق التونسيون، صباح اليوم الجمعة، على نبأ اعتقال عضو قيادة "جبهة الخلاص" جوهر بن مبارك، بعد توقيف والده عز الدين الحزقي، أمس الخميس، للتحقيق معه قبل إطلاق سراحه، وكذلك اعتقال كل من زميلته في قيادة المبادرة شيماء عيسى، وقبلهما الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، الأربعاء، في سياق الحملة الواسعة التي انطلقت منذ 11 فبراير/ شباط الماضي، بتوقيف رجل الأعمال كمال اللطيف، المعروف بعلاقاته السياسية الممتدة، وكذلك الناشط السياسي خيام التركي.

وبيّن نائب الأمين العام لـ"حزب العمل والإنجاز" أحمد النفاتي أن "الاعتقالات الأخيرة تأتي في سياق وضع سياسي يتسم بالحكم الفردي الذي فرضه انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، في ظل تشتت الأحزاب السياسية، وارتباك المجتمع المدني، ممّا جعل الطريق سالكاً أمام الانقلاب".

وأشار، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أنه "وبعد أن تكشّف فشل الرئيس في كل الملفات الحارقة، وأساساً الاقتصادية والاجتماعية، استشعرت المعارضة ضرورة بناء جسور حوار لصياغة مبادرة لإنقاذ البلد، خاصة بعدما تبين توحّد موقفها في عيد الثورة يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2023، الذي اعتبره المحللون محطة فارقة في مسار مواجهة الانقلاب، حيث توحد موقف المعارضة (بمن فيهم من تراجع عن دعم مسار 25 يوليو) حول ضرورة مواجهة الانقلاب، وإنقاذ تونس من الانحراف الذي يهدّد وحدة الدولة ومكاسب الجمهورية".

وشدد النفاتي على أن "الفترة الأخيرة شهدت ديناميكية سياسية لتقريب وجهات النظر، وجهداً محترماً للبحث عن مخرج يجمع كل الطيف السياسي حول خريطة طريق وطنية لمجابهة الانقلاب". وأكّد أن "هذا التقارب أزعج السلطة القائمة، واعتبرته تهديداً لكيانها، فتحركت لتعطيل هذا التقارب وهذه الديناميكية، وذلك بإيقاف رموز المعارضة والمجتمع المدني والإعلاميين من كلّ الطيف السياسيين".

وبيّن أن "حزب "العمل والإنجاز" عبّر عن موقفه الرافض لهذه الاعتقالات، ودعا كل العائلات السياسية والمنظمات الوطنية لتجاوز خلافاتها وتوحيد جهودها لمجابهة الانقلاب. ولقد ذكّر الحزب باستفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتغافل السلطة عنها، وتركيزها على تحركات المعارضة للتغطية عن عجزها وتثبيت أركان الحكم الفردي".

من جهته، قال القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس التونسي قيس سعيّد "يقول عن الموقوفين إنهم مجرمون، وانقلابيون، وفاسدون، ويخططون للاغتيال، غير أن المحامين لا يجدون شيئاً من هذه التهم أو القرائن في الملفات، وبالتالي إذا كانت التوقيفات غير مطابقة للتهم فتصبح التوقيفات سياسية، وبالتالي من قام بتوقيفهم؟ ولصالح من يتم توقيفهم؟ ولفائدة أي جناح من السلطة يتم توقيفهم؟ كل هذا يجعل الأمر مربكاً".

وفسّر الغيلوفي تعدد المستهدفين بالتوقيفات واختلاف مرجعياتهم إلى تعدد المعارضات، لافتاً إلى أن "معارضة الانقلاب أصبحت اليوم تمتد إلى طيف واسع، من مواطنين ضد الانقلاب إلى حدود نقابيي الاتحاد، مع أهمية فهم اختلاف موقفهم بين من كانوا منذ البداية ضد الانقلاب وينادون بالعودة للشرعية ومجلس النواب والدستور، بينما كان هناك طيف ثانٍ ساند سعيّد، ولكنه لم يحقق له ما يريده، ليتحول إلى مضاد للانقلاب تحت سقف 25 يوليو، في مقابل ترحيبه بالقضاء على "النهضة".

وفي تفسيره، قال الغيلوفي إن "الوضع معقد ومركب، تتداخل فيه أطراف كثيرة، سواء داخلية أو خارجية، من منظومة قديمة ولوبيات وأجهزة السلطة مع تحالفات خارجية وإقليمية"، مشيراً إلى أن "هذا يجعل ما يحدث أمراً غامضاً أمام العقل السياسي الذي يحاول فهم وتفسير من يفعل ماذا؟ بداية من التوقيفات التي طاولت مجموعات سياسية، تتبعها توقيفات لمجموعات أخرى، ما يجعل الأمر يبدو وكأن فيه نشازاً، فتبدو هناك أجهزة تنكل بغرمائها القدامى أو تريد خلط الأوراق من جديد".

بدوره، أكد عضو "جبهة الخلاص"، والقيادي في شورى "النهضة" محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حملة التوقيفات تأتي في إطار التغطية على فشل الانقلاب في معالجة القضايا الحقيقية للتونسيين، وصرف أنظارهم عن الأوضاع المتفاقمة على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". وأضاف أنه "كلما أخفق الانقلاب في محطة انتخابية أو استحقاق، إلا وعمد إلى ذلك. وهذه هي سياسة الهروب إلى الأمام".

وأفاد بأن "الانقلاب يعيش اليوم عزلة كاملة. فالجميع، دون استثناء، يحمّلون الرئيس مسؤولية الانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي. وبدلاً من أن يبادر رئيس الدولة إلى جمع كل القوى والفاعلين لإجراء حوار شامل، فإنه لا يستمع إلى أحد ويواصل في سياسة الإنكار".

وبيّن السوداني أن "تونس على حافة الإفلاس، والتونسيون يشعرون بالإحباط، ولا يرون أفقاً واضحاً للخروج من هذا النفق"، لافتاً إلى أنه "ليس من سبيل إلى وضع حدّ للأزمة سوى بإجراء حوار وطني شامل، يوحّد التونسيين، ويبعث برسالة إيجابية إلى الخارج تعيد لتونس صورتها الجاذبة كبلد مستقر يشجع على الاستثمار والسياحة".

عزلة دولية إضافية

وفي السياق عينه، اعتبر القيادي بحزب "ائتلاف الكرامة" منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما تقوم به غرفة عمليات 25 يوليو هو سلوك كلاسيكي، واجترار لسلوكيات كل أنظمة الاستبداد الفاشلة التي تقوم بحملات اعتقال وهرسلة، وتزج بالناس في السجون لتحقيق أهداف ثلاثة: تلهية الناس بموضوع الاعتقالات، حتى ينسوا الملفات الحياتية و أوضاعهم المزرية؛ ترهيب الجميع، نخبة وعامة حتى ينقادوا لحكم الاستبداد؛ ولعب دور البطل الذي يحارب الفساد حتى يكسب تعاطف بعض المغفلين".

وأفاد بأن "هذا السلوك تلجأ إليه أنظمة الاستبداد كلما فشلت في الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، وفي كل الحالات، فالجميع خاسر، الحاكم والشعب والوطن".

وبيّن بن عطية أن "تبعات هذه التوقيفات ستكون مزيداً من العزلة الدولية، ومزيداً من انهيار تصنيف تونس الائتماني، وفقدان ثقة الشركاء والمستثمرين، وفقدان رصيد تونس المعنوي كشمعة مضيئة للحرية والديمقراطية في منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط".

من جانبه، علّق القيادي بحزب "قلب تونس" أسامة الخليفي، على صفحته في "فيسبوك" قائلاً "جبهة الخلاص تثير له الرعب، توافق المعارضة وتقاربها يسبب له الجنون، وضعهم جميعاً في السجن، سنواصل فوق كل أرض وتحت كل سماء حتى تسقط".

بدورها، طالبت تنسيقية القوى الديمقراطية (تضم حزب التيار الديمقراطي والعمال والقطب والتكتل) بوقف ما وصفته بالحملة القمعية الجديدة التي استهدفت سياسيين ونقابيين وإعلاميين ومدنيين، وإنهاء التتبعات ضدهم.

وطالبت الأحزاب بالإفراج الفوري عن الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري"، وعن سائر الناشطات والناشطين السياسيين، والنقابيين، والمدنيين، والإعلاميين الموقوفين والمحالين بسبب معارضتهم لـ''سلطة الانقلاب''، ووقف التتبعات ضدهم.

النهضة تندد بالاعتقالات العشوائية لرموز المعارضة

إلى ذلك، أصدرت حركة النهضة بيانا، مساء اليوم الجمعة، قالت فيه إنها "تتابع بانشغال كبير التطورات الخطيرة في البلاد بعد توسع سلطة الانقلاب في حملة الاعتقالات العشوائية التي طاولت رموزا من المعارضة السياسية للانقلاب وتزايد الضغوط المسلطة على القضاء من أجل توظيفه في معركة تصفية الحق في المعارضة السلمية وإجهاض الحق النقابي وضرب حرية التعبير والإعلام".

ونددت النهضة بـ"توسع حملة الاعتقالات العشوائية ضد رموز المعارضة والنقابيين والإعلاميين ورجال الأعمال وتصاعدها على خلفية تهم ملفقة وكيدية مبنية على وشايات مغرضة وتقارير أمنية مغلوطة، كما حال القضية الأخيرة ضد الأستاذ راشد الغنوشي". 

وطالبت "بإطلاق سراح كل المعتقلين والكف عن محاولة تحويل البلاد إلى حالة أمنية تمهيدا لعودة الدكتاتورية عبر ضرب الحقوق المشروعة في المعارضة والإضراب وحرية التعبير والصحافة". 

وأكدت النهضة أن "سياسة التستر بشعارات محاربة الفساد والاحتكار وتنظيم حملات شعبوية قائمة على مغالطات بيّنة لا تعدو كونها سوى محاولة فاشلة لمخادعة الشعب والتنصل من المسؤولية والإلقاء بها على عاتق المعارضة تمهيدا لتصفية كل الأصوات الحرة التي تداعت لإنقاذ البلاد من الإفلاس والفوضى فلفّقت لها سلطة الانقلاب زورا وبهتانا تهمة التآمر على أمن الدولة".

وحملت الحركة الرئيس قيس سعيد وحكومته مسؤولية "السلامة الجسدية لكل المعارضين وأهاليهم بعد حملات التشويه والتجريم والمحاكمات الشعبية التي أطلقها أنصار الرئيس الفوضويين".

الخارجية الفرنسية: يجب الحفاظ على مكتسبات تونس الديمقراطية

إلى ذلك، نقلت سفارة فرنسا في تونس مقتطفا من الإحاطة الإعلامية لوزارة الخارجية الفرنسية ليوم 24 فبراير 2023، ذكرت فيه أن "فرنسا تعرب عن قلقها إزاء موجات الاعتقالات الأخيرة في تونس، وتدعو السلطات التونسية إلى ضمان احترام الحريات الفردية والعامة، ولا سيما حرية التعبير".

وقال البيان المقتضب إن "تونس حققت تقدمًا كبيرًا في مجال سيادة القانون والحريات العامة منذ سنة 2011. ويجب الحفاظ على هذه المكتسبات الديمقراطية".

واعتقلت وحدات الأمن التونسية خلال الأسابيع الأخيرة عدداً من النشطاء السياسيين المعارضين، من بينهم القيادي السابق بـ"النهضة" عبد الحميد الجلاصي، ووزير العدل الأسبق ونائب رئيس "النهضة" المحامي نور الدين البحيري، ومدير مكتب رئيس "النهضة" السابق فوزي كمون، والوزير الأسبق المحامي لزهر العكرمي، والمدير العام لإذاعة "موزاييك" المحلية الخاصة نور الدين بوطار، والنائب السابق عن "تحيا تونس" وليد جلاد، والقاضيين البشير العكرمي والطيب راشد، وذلك دون توضيحات من الجهات الرسمية.

وتواترت تأكيدات محامي الموقوفين خلال الأيام الأخيرة بوصف الملفات بالفارغة وبالوشايات، فيما أكدوا أيضاً أن التوقيفات تتعلق بشبهة التآمر على أمن الدولة، في قضية تبدو مترابطة لتزامن التوقيفات وغموضها، بينما لم يتضح بعد ما إذا كانت التوقيفات الأخيرة على علاقة بالقضية نفسها.

إلى ذلك، يقبع أيضاً في السجن كل من نائب رئيس حركة "النهضة" ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، وقيادات من حزب "ائتلاف الكرامة" في قضايا عسكرية مختلفة، وفي مقدمتهم سيف الدين مخلوف، والنائب راشد الخياري والمحامي مهدي زقروبة.