توقعات بإعلان ريشي سوناك رئيسا لوزراء بريطانيا اليوم

24 أكتوبر 2022
وعد سوناك خلال حملته الانتخابية الماضية ببرنامج إصلاحات "تاتشرية" (فرانس برس)
+ الخط -

يرتقب أن يعلن، الاثنين، فوز ريشي سوناك وزير المالية السابق، بزعامة حزب المحافظين في بريطانيا، وبالتالي برئاسة الوزراء ليخلف بذلك ليز تراس المستقيلة.وتستند هذه التوقعات إلى كون سوناك الوحيد الذي حصل على أكثر من 100 صوت قبل ساعات من انتهاء المهلة المحددة لحصر قائمة المرشحين لخلافة تراس.

ومساء الأحد، انسحب من السباق رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، بينما لم تحصل رئيسة مجلس العموم بيني موردونت، حتى الآن، إلا على 23 صوتاً من أصل 100 صوت، وهو الحدّ الأدنى المطلوب لدخول السباق.

ويأتي فوز سوناك المرتقب بعد شهر ونصف من خسارته السباق أمام منافسته ليز تراس بفارق ضئيل، وذلك بعد شهرين من المناظرات و"استعراض العضلات" في السياسة وفي الاقتصاد، ما عزّز الانقسامات التي يعيشها حزب المحافظين.

وكان الملف الاقتصادي أبرز النقاط الخلافية بين الحملتين الانتخابيتين لسوناك وتراس، نظراً للفجوة العميقة التي فصلت المرشّحين، والمتعلقة بالخلفية الثقافية والتعليمية والمهنية لكل منهما. ففي حين تفخر تراس بتلقّيها التعليم في المدارس البريطانية العامة، ارتاد سوناك مدرسة وينشستر الداخلية الخاصة، التي لا تستطيع أن تدخلها عادة إلا الشرائح الثرية. ومع أن الإثنين ينحدران من عائلات عاملة ومتوسطة الدخل، إلا أن سوناك المنحدر من أصول هندية دخل عالم المال في سنّ مبكرة عند انضمامه إلى المصرف الشهير "غولدمان ساكس" بعد تخرّجه مباشرة من جامعة أوكسفورد في الاقتصاد والسياسة والفلسفة.

وكانت مواقف تراس المهنية متقلّبة، فقد كانت عضواً في الحزب الديمقراطي الليبرالي، ومعادية للملكية في فترات سابقة، وضدّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين كان سوناك أكثر وضوحاً وإصراراً على مواقفه المحافظة مذ كان طالباً في المدرسة. وقد انعكس هذا الفرق الجوهري بين المرشّحين خلال الحملة الانتخابية وبعدها. بعد فوزها بالمنصب، اضطرت تراس للتراجع تماما عن الاستراتيجية الاقتصادية التي تبنّتها ودافعت عنها بشكل مستميت خلال السباق، وتبنت في آرخر المطاف استراتيجية سوناك التي عارضتها بشدة قبل وصولها إلى "داونينغ ستريت".

كل تلك الانقسامات والخلافات حول الملف الاقتصادي تأتي في لحظة دقيقة تعيشها المملكة المتحدة، في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق، مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة والمواد الغذائية والتضخّم. كما أن تلك التقلّبات وغياب الرؤية والاستراتيجية المناسبة من الأمور التي ساهمت بشكل أساسي في تنحّي تراس، وفي خسارة الحزب مزيداً من شعبيته لمصلحة الأحزاب المعارضة. 

هيمن الخلاف حول الضرائب على الحملتين الانتخابيتين والمناظرات العديدة التي رافقتها. ففي حين يرى سوناك في السيطرة على التضخم أولوية قصوى، أعلنت تراس أن تخفيض الضرائب هو الخطوة الأولى التي ستتخذها إن فازت في السباق. ومع أنها وفت بوعدها بالفعل، إلا أنها اضطرت سريعاً للتراجع عبر إقالة وزير المالية كواسي كوارتنغ وتعيين جيرمي هانت، الذي "مزّق" الاستراتيجية الاقتصادية المعتمدة متبنّياً خططاً أخرى، لكن بعد فوات الأوان.

وقد يُحسب لسوناك قيادته اقتصاد المملكة المتحدة خلال الأزمة الاقتصادية التي سبّبتها جائحة كورونا، والتداعيات المرافقة لها. إذ قدّم ميزانية طارئة بقيمة 330 مليار جنيه إسترليني لدعم الشركات والموظّفين المتأثّرين بالجائحة، وقام بتمديد العمل بهذه الخطة عدة مرات خلال الوباء، كما أن شعبيته ازدهرت مع الخطة التي طرحها لدعم أصحاب المطاعم والمقاهي الذين تضرّرت أعمالهم بسبب الإغلاق وتراجع القدرة الشرائية لزبائنهم. فكانت خطة "Eat out, Help out" التي غطّت الحكومة عبرها 50 بالمائة من الفواتير بحدّ أدنى من الإنفاق يبلغ عشرة جنيهات إسترليني للفرد الواحد. 

إلا أن الحكومة لم تختبر أداءه الفعلي في الملف الاقتصادي خلال الأزمة الأخيرة، فقد استقال نهاية يونيو/حزيران الماضي، عندما لم يكن الحديث عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية في واجهة الاهتمامات. عدا أنه لو فاز الاثنين، فإنه سيكون في مواجهة تراكمات أشهر من الاستراتيجيات الخاطئة، والتضخّم والشلل الحكومي والبرلماني، والحرب الروسية المستمرة، والتراجع الخطير في الخدمات العامة، لاسيما القطاع الصحي، والأهم، أنه سيكون في مواجهة حزب منقسم، يكافح من أجل الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة، بل إنه أيضاً يكافح من أجل تجنّب انتخابات مبكّرة. 

وعد سوناك خلال حملته الانتخابية الماضية، قبل ثلاثة أشهر، ببرنامج إصلاحات "تاتشرية" نسبة إلى رئيس الوزاء الراحلة مارغريت تاتشر، لكنه لم يذكر أي إصلاحات سياسية محددة جديدة. مواقفه معروفة وواضحة في عديد من الملفّات، كتأييده الشرس لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولتمزيق أجزاء مهمة من اتفاقية إيرلندا الشمالية. وأيضاً، موقفه الداعم لخطة رواندا القاضية بترحيل طالبي اللجوء إلى هذا البلد الأفريقي، وتأييده انسحاب بريطانيا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولم ينس الناخبون بعد، الفجوة الهائلة التي تعمّقت خلال السباق بين المرشّحين سوناك وتراس وبين مطالب الناخبين في عموم بريطانيا. إذ غابت عن الحملتين الانتخابيتين قضايا هامة، أبرزها التغير المناخي وغلاء المعيشة والحريات. فهل سيتمكن سوناك، لو حسم السباق مبكرا ووصل إلى "داونينغ ستريت"، من إنقاذ الاقتصاد، وتوحيد الحزب، وتجنيب البلاد انتخابات مبكّرة؟

المساهمون