توجه هولندا لمقاضاة النظام السوري: خطوة رمزية

20 سبتمبر 2020
اهتم بلوك بالملف السوري في مجلس الأمن (الأناضول)
+ الخط -

لم تلقَ نوايا هولندا برفع دعوى ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية، ترحيب حقوقيين وناشطين سوريين مختصين بتوثيق جرائم النظام ومتابعتها في المنظمات والمحاكم حول العالم. ويرجع الحقوقيون موقفهم إلى اختصاص تلك المحكمة، التي من شأنها مقاضاة الدول والحكومات وليس الأفراد، خلافاً للمحكمة الجنائية الدولية. ويشدّد الحقوقيون السوريون على أن أي دعوى ضد النظام يجب أن تكون أمام المحكمة الجنائية الدولية وليس محكمة العدل، فالأولى تعني بمحاسبة الأفراد المتورطين بجرائم الحرب السورية، أما الثانية فمن اختصاصها محاسبة الحكومات وذلك لا ينطبق على الوضع في سورية، حيث تقوم مجموعة من المجرمين بإعطاء الأوامر بعمليات القتل والاعتقال والقصف وتنفيذ العمليات العسكرية.


أعلنت هولندا قرارها تحميل سورية المسؤولية عن التعذيب

في موازاة ذلك، رفض النظام على لسان مصدر في وزارة خارجيته إعلان هولندا نيتها رفع الدعوى. ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عنه قوله إن "الحكومة الهولندية التي ارتضت لنفسها دور التابع الذليل للولايات المتحدة، تصرّ على استخدام محكمة العدل الدولية في لاهاي لخدمة أجندات سيدها الأميركي السياسية". وكان وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، قد أُبلغ، أول من أمس الجمعة، برلمان بلاده عزم الحكومة تقديم دعوى ضد حكومة بشار الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب واستخدام الأسلحة الكيميائية. وقال لأعضاء البرلمان الهولندي في رسالة وجهها لهم: "أعلنت هولندا قرارها تحميل سورية المسؤولية بموجب القانون الدولي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب على وجه الخصوص". واستشهد الوزير بالتزام سورية بدعم اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي صادقت عليها دمشق عام 2004. وألمحت هولندا بأنها قررت اتخاذ هذا الإجراء بعد أن أحبطت روسيا جهوداً متعددة في مجلس الأمن الدولي، لإحالة قضية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تحاكم الأفراد على جرائم الحرب ومقرها لاهاي. كما أشارت رسالة الوزير الهولندي إلى أنه "يجب أن تكون هناك عواقب، فأعداد كبيرة من السوريين تعرّضوا للتعذيب والقتل والاختفاء القسري، وتعرّضوا لهجمات بالغازات السامة، أو فقدوا كل شيء، يفرّون للنجاة بحياتهم".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي أول تعليق على المسعى الهولندي، اعتبر الحقوقي السوري أنور البني، عبر صفحته على "فيسبوك" أن "قرار الحكومة الهولندية بتقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية بشأن سورية وإفادة وزير خارجيتها أمام البرلمان، لا يرقيان بأي حال من الأحوال لمطالب الشعب السوري ولا بالعدالة للضحايا، وهو مجرد ذر رماد في العيون وستر عورة الدول التي تسكت عن جرائم النظام السوري منذ عشر سنوات". وأوضح أن "لا اختصاص لمحكمة العدل الدولية بالنظر بقضايا التعذيب، وإحالة القضية لها هو اعتراف كامل بالنظام السوري بأنه دولة وليس عصابة مجرمين. وكان الأحرى لدولة تستضيف المحكمة الجنائية الدولية أن تتقدم بشكوى لها ضد النظام السوري المجرم، لأن وجود ضحايا هذه الجرائم على الأراضي الهولندية يمنحها الصلاحية لمثل هذا الطلب، كما هو الحال في حالة ميانمار وبنغلادش، لا أن تتحفنا بشكوى لمحكمة العدل الدولية التي لا صلاحية ولا جدوى من أي طلب يقدم لها". ولفت البني إلى أن "خطوة الحكومة الهولندية هي إعادة تفعيل دور النظام دولياً كحكومة وليست عصابة إجرام منظمة"، موضحاً بأن اتفاقية منع التعذيب تنصّ على أن "الدول ملزمة بداية بمحاولة التوصل إلى حل مشترك، عبر إقرار الدولة الخصم ما أو عبر مفاوضات مشتركة. وفي حال فشل هذه المفاوضات، يحق للدولة المشتكية الذهاب إلى التحكيم الدولي. أما في حال فشل التحكيم الدولي، فيحق للدولة التقدم بطلب أمام محكمة العدل الدولية (التي تنظر في المنازعات بين الدول) للحصول على قرار بهذا الصدد. وما حصل اليوم هو إرسال الحكومة الهولندية مذكرة دبلوماسية للحكومة السورية تطلب منها البدء بمفاوضات حول جريمة التعذيب". وأشار البني إلى أن الحكومة الهولندية ستطلب من الحكومة السورية بضع نقاط، مثل الإقرار بالمسؤولية عن الانتهاكات والتعذيب، وإيقاف هذا الانتهاك، وتقديم ضمانات مناسبة للحكومة الهولندية حول عدم تكرار هذه الانتهاكات، وتقديم تعويضات للضحايا، منبهاً إلى أن المفاوضات إلزامية بموجب المادة 30 من اتفاقية مناهضة التعذيب. بدوره، أوضح الحقوقي السوري ميشال شماس عبر "فيسبوك" الفرق بين المحكمتين، بالإشارة إلى أن "محكمة العدل الدولية تختص بالفصل في النزاعات الدولية، أي بين دول وليس أفراد، كالمنازعات على الحدود، أو مخالفة اتفاقية دولية، وهي تحاكم دولا وليس أفراداً، وتصدر أحكاماً بالتعويض للدولة الشاكية أو تترك أمر التعويض للاتفاق بين الدولة الشاكية والمشتكى عليها، وهي لا تصدر أحكاماً جزائية مثل التوقيف أو السجن، وهي أقرب للمحاكم المدنية. وإذا لم تنفذ الدولة حكم المحكمة تستطيع الدولة المحكوم لها طلب تنفيذه من مجلس الأمن، وهنا الطلب مرهون بموافقة تسعة أعضاء وعدم استخدام الفيتو". أما المحكمة الجنائية الدولية، بحسب شماس، فهي "تختص بمحاكمة مرتكبي أشد الجرائم المحتملة جسامة بمقتضى القانون الدولي، أي جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، والمدعي العام فيها يملك سلطة إصدار مذكرة توقيف دولية، والمحكمة تحكم بالسجن على الأفراد كما تحكم بالتعويض للضحايا". ووصف شماس الخطوة الهولندية برفع الدعوى بأنها "خطوة رمزية لن توقف التعذيب في سورية، وحتى تصل الشكوى الى محكمة العدل الدولية وتصبح قضية قد يحتاج الأمر إلى ما يقارب خمس سنوات. بالإضافة إلى ذلك لن تستطيع المحكمة اتخاذ إجراءات كالكشف على أماكن الاعتقال والتوقيف في سورية، على اعتبار أن سورية قد تحفظت على المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تتيح إمكانية القيام بجولات تفتيشية مفاجئة لمراكز الاحتجاز والسجون". وأبدى أمله في "أن نستطيع الضغط على الحكومة الهولندية وغيرها من الحكومات الأوروبية، لإتاحة المجال للضحايا لإقامة قضايا استناداً لمبدأ الصلاحية العالمية، على غرار ما هو حاصل في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج".


لا اختصاص لمحكمة العدل الدولية في النظر بقضايا التعذيب

من جهته، رحب "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بالخطوة الهولندية، مؤكداً "أهميتها الخطوة التي اتخذتها الحكومة الهولندية في العمل على محاسبة المسؤولين عن التعذيب في سورية". وكانت وكالة "رويترز" قد ذكرت بأن هولندا سترفع الدعوى ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية، إذا فشلت تسوية النزاع. وربما يشير هذا الربط إلى دخول هولندا على خط الضغوط والجهود الغربية لإجبار النظام بالجلوس على طاولة التفاوض، والدخول جدياً في المسارات السياسية تحت غطاء الأمم المتحدة. وتقود الولايات المتحدة تلك الجهود، التي باتت تعلن عنها أكثر من قبل مستخدمةً أساليب الترغيب والترهيب في وجه النظام. وجاء الكشف عن المسعى الهولندي بالتزامن مع إعلان المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، خلال جلسة لمجلس الأمن مساء أول من أمس الجمعة، بأن مفاوضات الجولة الماضية من أعمال اللجنة الدستورية، لم تسفر عن الاتفاق بشأن جدول أعمال الجولة القادمة. وطالب روسيا والولايات المتحدة بالضغط لتشجيع الأطراف المشاركة في اجتماعات جنيف للجنة الدستورية.

المساهمون