وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حلفاء حلف شمال الأطلسي في حيرة من أمرهم، بعدما أصبح شبه محسوم أنّ الدبلوماسية لا فرصة لها دون ردع موثوق لأي غزو محتمل روسي لأوكرانيا، في ظل تساؤلات عما يمكن أن يحققه بوتين في حال أقدم على الخطوة.
وتحاول الدول الأوروبية والغرب بعث إشارات قوة وتضامن فيما بينها، وسط قناعة بأنّ التهديد الروسي المباشر لا يستهدف بأي حال كييف فقط، بل يمكن أن يمتد لخارج الأراضي الأوكرانية، وكان دافعاً لتعزيز وجودها هناك عبر إرسال السفن والطائرات المقاتلة والعديد من الوحدات الإضافية.
وأشار موقع "دويتشلاند فونك" الألماني أخيراً إلى أنّ الرئيس الروسي يستفيد من عدة عوامل مؤاتية؛ أولها يرتبط بالضغوط الشديدة التي يتعرّض لها الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي توازي ما تعرّض له إبان قراره بسحب القوات الأميركية من أفغانستان.
أما ثاني تلك العوامل فيتمثل، وفق المصدر ذاته، في افتقار الحكومة الألمانية الجديدة إلى الخبرة في التعاطي مع الملفات الخارجية مع تقاعد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وصولاً إلى افتقاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبشكل متزايد، لثقة شعبه.
ورجّح الموقع الإخباري أن يكون ذلك هو ما دفع بوتين ليعتبر أنّ الوقت مناسب لهذه الاندفاعة العسكرية باتجاه أوكرانيا، رغم أنّ كييف استحصلت على الدعم العسكري بعد أن ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014.
وفي خضم ذلك، برزت تعليقات وتساؤلات، بينها لماذا يتعيّن على حلف شمال الأطلسي ملاحقة الروس على حدودهم الوطنية، فيما اقترح تقرير "دويتشلاند فونك" ما اعتبره "حلاً بسيطاً" لتجاوز ذلك، ويتمثل في إعلان الدول المجاورة لروسيا مناطق عدم انحياز حرة.
في المقابل، أبرزت "دي تسايت" أنّ بوتين إذا كان يريد حقاً منع دول الجوار من السعي وراء أمنها الوجودي ومستقبلها السياسي في التقارب مع الغرب، كان كل ما عليه فعله هو التوقف عن التشكيك في سيادتها على جميع المستويات والتهديد بالتسلل إليها ومهاجمتها وحتى ضمّها.
ورأت شبكة التحرير الألمانية أنه "من الضروري استيعاب الرئيس الروسي الذي يشعر بالضغوط من جانب حلف شمال الأطلسي ودعمه لكييف". وكان لافتاً في هذا الصدد تصريح لرئيس "الحزب الاجتماعي المسيحي" في بافاريا ماركوس زودر، عندما قال إن "روسيا شريك صعب، وليست عدواً لأوروبا".
من جهته، ذكّر الجنرال الألماني السابق في حلف شمال الأطلسي، آغون رامس، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف) أخيراً، بالخطاب الذي ألقاه بوتين عام 2001 أمام البرلمان الألماني، ولاقى حينها الكثير من الترحيب.
وقال الرئيس الروسي آنذاك إنّ "الآخرين يتخذون قرارات ويطالبون روسيا بالمشاركة في القرار رغم أنها لم تشارك في الإعداد له". وعبّر رامس عن اعتقاده بأنّ بوتين "حكيم بما يكفي لعدم المخاطرة بالحرب"، مضيفاً أنّ حلف شمال الأطلسي تأسس قبل 70 عاماً ليكون حلفاً دفاعياً وقد التزم دائماً بهذه القاعدة، مشدداً على أنّ كل دولة ذات سيادة تقرر بنفسها أيّ نظام أمني تنضم إليه أو من خلاله يمكن أن تحمي نفسها.
وإزاء ذلك، يرى مراقبون أنه رغم توق جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى الديمقراطية الغربية وليس إلى الاستبداد الروسي وقمع الحرية، فإنّ أي خطوات غير محسوبة المخاطر من قبل كييف، قد يستغلّها بوتين كفرصة للغزو وببساطة يتدحرج الوضع وهذا ما يتطلب من الغرب مواجهته.
وللخروج من الأزمة، تطالب روسيا بالتزامات خطّية بعدم ضمّ أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، وبسحب قوات وأسلحة الحلف من دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه بعد عام 1997، ولا سيما من رومانيا وبلغاريا، وهي مطالب لا يقبل بها الغربيون.
ويعتزم الغربيون فرض عقوبات شديدة غير مسبوقة في حال حصول غزو لأوكرانيا، ومن بينها خفض مشتريات الغاز والنفط الروسيين اللذين يشكلان 43% و20% من إمدادات الاتحاد الأوروبي، فيما يعتزم بايدن منع المصارف الروسية من استخدام الدولار، ما قد يوجه ضربة قاسية جداً إلى اقتصاد روسيا.