توتير العلاقات الجزائرية التركية: استهداف فرنسي؟

20 ابريل 2021
خلال زيارة أردوغان إلى الجزائر، يناير 2020 (مراد كولا/الأناضول)
+ الخط -

سارعت الجزائر وتركيا إلى احتواء سياسي وإعلامي لتقارير صحافية تحدثت أخيراً عن علاقة أنقرة بحركة "رشاد" الجزائرية المعارضة، للحد من أي تداعيات لهذه التسريبات الصحافية المنشورة في الجزائر، والتي يُعتقد أنها مدفوعة من جهات محلية وإقليمية منزعجة من تطور العلاقات بين البلدين، خصوصاً باريس التي أُزيحت من قبل أنقرة من لائحة أول مستثمر في الجزائر، في حين وصفت بعض التحليلات هذه التقارير بأنها ذات بُعد سياسي له علاقة بالسعي للتأثير على حظوظ الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل.

وعملت المراكز الدبلوماسية في كل من الجزائر وأنقرة، وفي توقيت متزامن، على نسف سريع وصدٍ سياسي لما يعتقد أنها بداية لحملة إعلامية لا تُعرف الأطراف التي تقف وراءها، تستهدف التشويش على المسار الإيجابي للعلاقات بين الجزائر وتركيا، بعد نشر كبرى الصحف الجزائرية "الخبر" تقريراً يوم الخميس الماضي، زعم احتضان تركيا لقاءات بين ناشطين في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة مع مسؤولين أتراك في إسطنبول وأنطاليا. ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة قولها إنّ "هذه اللقاءات قد تؤدي إلى توتر في العلاقات"، واتهمت أنقرة "بالسعي لتحريك الخلايا النائمة لهذا التنظيم"، الذي تعتبره السلطات الجزائرية "حركة مارقة تقف وراء استهداف جهاز المخابرات والجيش" في تظاهرات الحراك الشعبي الأخيرة، ووصفها آخر بيان لمجلس الأمن القومي في الجزائر بأنها "قريبة من مرجعية الإرهاب".

دبلوماسيون جزائريون يعملون في أنقرة، عبّروا عن انزعاج بالغ من نشر التقارير

وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن دبلوماسيين جزائريين يعملون في أنقرة، عبّروا عن انزعاج بالغ واستياء كبير من نشر هذه التقارير في الجزائر، والتي وصفوها بـ"المضللة ولا تخدم مصالح الجزائر تحديداً"، خصوصاً أن مسار العلاقات بين البلدين والنتائج المحققة على صعيد التعاون السياسي والاقتصادي والأمني تسير بصورة جيدة وفي اتجاه مناقض تماماً لما زعمته تلك التقارير.

كما خرج سفير الجزائر في أنقرة، مراد عجابي، رسمياً في تصريحات صحافية يوم الجمعة الماضي، ليصف العلاقات الجزائرية التركية بأنها "رائعة، في انتظار زيارات من أجل تعزيزها أكثر"، مضيفاً أنّ "الفرص كبيرة وإرادتنا أيضاً كبيرة، وإن شاء الله سننجز معاً أعمالاً كبيرة بطريقة مفيدة وقوية أكثر في الفترة المقبلة"، وهو ما سمح لتركيا بأن تصبح الدولة الثانية في لائحة الشركاء التجاريين للجزائر. كما دعا المزيد من رجال الأعمال والشركات التركية للاستثمار في الجزائر.

وعلى المنوال نفسه، أصدرت السفارة التركية في الجزائر موقفاً مماثلاً، ونشرت بياناً أول من أمس الأحد، اعتبرت فيه أن "الادعاءات بأن تركيا تحاول التدخل في المشهد الجزائري، وأنها تصرفت لصالح عناصر معينة، لا تعكس الحقيقة، وهي ادعاءات تسعى لتقويض العلاقات بين البلدين الصديقين". واعتبرت السفارة أن غرض هذه المزاعم هو استهداف العلاقات بين الدولتين، وقالت: "من الواضح أنّ ناشري هذه الدعاية الكاذبة وهذه الشائعات التي تهدف إلى المساس بالتطور الإيجابي للعلاقات الحميمية والودية بين الجزائر وتركيا، لا تأخذ بعين الاعتبار عمق الروابط الأخوية بين البلدين"، مشيرة إلى أنّ "هذه العلاقات الثنائية التي تتطور في جميع المجالات، ستتغلب على جميع المبادرات السلبية التي تحاول إلحاق الضرر بها". وباتت تركيا أكثر الدول استثماراً في الجزائر بأكثر من 4.5 مليارات دولار أميركي. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وتركيا أكثر من أربعة مليارات دولار أميركي عام 2020.

لا تريد فرنسا أن تتقاسم المصالح في الجزائر مع تركيا

وعن الأطراف التي يمكن أن تستهدف العلاقات بين الجزائر وأنقرة، قال رئيس "مركز العلاقات الجزائرية التركية" في إسطنبول، محمد واعراب، إن هناك أكثر من طرف قد يكون خلف هذا الدس الإعلامي للتشويش على العلاقات الجزائرية التركية. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "الطرف الأول هي فرنسا التي تعتبر الجزائر حديقة خلفية لا تقبل أن يشارك فيها غيرها، وترى في تركيا عدواً تاريخياً، خاضت وتخوض معه صراعاً في ساحات كثيرة سابقاً والآن. والجزائر إحدى تلك الساحات التي لا تريد فرنسا أن تتقاسمها مع تركيا، خصوصاً أن الأخيرة التي تتوغل أيضاً بصمت في دول أفريقية كثيرة مستفيدة من الروابط المشتركة الكثيرة، كالدين والتاريخ المشترك، تسعى إلى الوصول إلى شاطئ المتوسط عن طريق الجزائر".

وأشار واعراب إلى أنّ "الطرف الثاني المزعج من التطور الهائل للعلاقات الجزائرية التركية، هو محور القاهرة-الرياض-أبوظبي، وهو مستعد للذهاب بعيداً لمنع مزيد من التقارب الجزائري التركي قد يفرمل مشاريعهم في المنطقة، خصوصاً أنّ تركيا تعتبر حاضنة لحركات الإسلام السياسي المضطهدة، ومثلها الجزائر تعتبر الإسلاميين جزءاً أصيلاً في المشهد وتسمح لهم بالعمل الجمعوي والسياسي".

وتشير مثل هذه التحليلات، إلى أنّ جناحاً في مستوى ما من السلطة الجزائرية قد يكون منزعجاً من الحضور التركي في الجزائر، وهو جناح كان يعبّر عنه بصراحة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى الموجود في السجن، إضافة إلى مجموعات المصالح السياسية والمالية الموالية لباريس، والتي لها نفوذ لافت في وسائل الإعلام في الجزائر.

ويتقاطع هذا مع تقديرات سياسية تذهب في اتجاه مغاير، وتعتمد على عامل وحدث محلي لتفسير مثل هذه التسريبات الإعلامية، وتربط الأمر بتوقيت الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في 12 يونيو المقبل. ويعتبر أصحاب هذه التقديرات، أن ما نشر وسينشر في وقت لاحق في هذا السياق، جزء من مسعى لتشويه صورة الإسلاميين واستهداف حضورهم السياسي والانتخابي في الجزائر، خصوصاً من قِبل جناح في السلطة والأجهزة المؤثرة في الشأن السياسي في الجزائر، والتي تنظر بعين الريبة إلى الإسلاميين وترفض أي احتمال لنجاح هذا التيار في البلاد، وهو ما يمكن أن يكون قد دفعها إلى إثارة مزاعم بوجود ارتباطات بين "رشاد" وتركيا، والتي ينظر إليها على أنها الداعم الرئيس للقوى الإسلامية في الجزائر، خصوصاً أن المشهد الانتخابي في الأخيرة اعتاد على مثل هذا التشويش على الإسلاميين، وإثارة قضايا تخصهم عشية كل موعد انتخابي لإعطاب تقدمهم.

المشهد الانتخابي في الجزائر اعتاد على التشويش على الإسلاميين

من جهته، أشار الباحث المتخصص في الشأن السياسي، علي لخضاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "على الرغم من أن قيادات حركة رشاد تتمركز في فرنسا ولندن وسويسرا وألمانيا وإسبانيا، وتحصل على دعم واضح من أجهزة رسمية في هذه الدول، فإنّ التسريبات اكتفت بتوجيه اتهامات إلى أنقرة، ولم تشر إلى تلك الدول، باعتبارها طرفاً في محاولات زعزعة استقرار الجزائر". وأضاف "هذا ما يعزز فرضية وجود دس سياسي وإعلامي واضح في القضية، خصوصاً أنّ تركيا ليست لها أي مصلحة في التعامل مع تنظيم مثل رشاد، كما أنها سلمت قبل فترة إلى الجزائر مطلوبين كانوا على أراضيها، إضافةً إلى أنّ أنقرة لا يمكن أن تغامر بعلاقاتها الحيوية مع الجزائر، خصوصاً في وقت تتجه فيه إلى مراجعة علاقاتها مع دول كانت على خصومة سياسية معها مثل مصر".

المساهمون