توتر وتصعيد في العاصمة طرابلس: تمهيد لنسف الاستحقاق الانتخابي في ليبيا؟

29 أكتوبر 2021
شهدت العاصمة طرابلس ومحيطها خلال الأيام الأخيرة توترات أمنية عدة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

في وقت بدأ فيه العد التنازلي لموعد الانتخابات الليبية المقررة أولى جولاتها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، يبدو من التطورات على الأرض أن جملة من المفاجآت ستسيطر على المشهد خلال الأسابيع المقبلة لخلط أوراق ملفات عدة، ما قد يتسبب في توقف المسار الانتخابي، الذي يعاني أصلاً من عراقيل قانونية وسياسية.

وشهدت العاصمة طرابلس ومحيطها، خلال الأيام الأخيرة، توترات عدة جراء اشتباكات متقطعة بين مختلف الفصائل، وآخرها اقتحام مجموعة مسلحة، أمس الخميس، لمقر وزارة الرياضة والشباب، لم يتبيّن لمن تتبع ولا أسباب اقتحامها للمقر.

وتزامن ذلك مع اقتحام فصيل تابع للكتيبة 444، التابعة لوزارة الداخلية، لمنزل آمر المنطقة العسكرية في طرابلس، اللواء عبد الباسط مروان، الذي اتهم المجلس الرئاسي والحكومة بالصمت حيال "هذا التجاوز والاختراق للصلاحيات العسكرية"، وفق بيان له ليل أمس الخميس.

كما شهدت مدينة الزاوية، غربي العاصمة طرابلس، اشتباكات مسلحة، ليل الثلاثاء الماضي، بين فصائل متنافسة في المدينة، للسيطرة على مجمع الزاوية النفطي. وتسببت الاشتباكات بوقوع أضرار في "13 خزاناً" للمنتجات النفطية، بحسب بيان للمؤسسة الوطنية للنفط. وتزامن ذلك أيضاً مع تبادل لإطلاق النار لساعات عدة في منطقة الفرناج بطرابلس، بين فصيلين اختلفا على مواقع الحراسة والحواجز الأمنية في المنطقة.

مساعٍ من شخصيات مقربة من الحكومة للتوسط بين مختلف المجموعات المسلحة غرب طرابلس

وفي مقابل الصمت المطبق من جانب المجلس الرئاسي والحكومة حيال هذه التوترات، كشفت مصادر ليبية متطابقة، لـ"العربي الجديد"، عن مساعٍ من شخصيات مقربة من الحكومة للتوسط بين مختلف المجموعات المسلحة غرب طرابلس، والتي تسود حالة من التوتر بينها منذ أيام عدة، خصوصاً بعد محاولة اغتيال تعرض لها معمر الضاوي، آمر السرية 55 مشاة التابعة لوزارة الدفاع بالحكومة، أمس الخميس، بحسب بيان للسرية.

وتحدثت المصادر عن "عِلم السلطات في طرابلس بسيناريو محتمل لرفع حالة التصعيد وزيادة حدة الاشتباكات داخل العاصمة وعلى أطرافها، للتشكيك في قدرة السلطات الحالية على رعاية العملية الانتخابية وتأمين ظروفها".

وأوضحت المصادر أن "كثافة أصوات إطلاق النيران في أحياء عدة بطرابلس خلال الليلتين الأخيرتين، على علاقة بسيناريو محتمل قد تدفع إليه أطراف معينة ضمن مساعي عرقلة إجراء الانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ومن بين هذه الأطراف معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي قد يتحجج بما يجري للمطالبة بإتمام تنفيذ بنود الاتفاق السياسي أولاً، ومن بينها تحديد المجموعات المسلحة والعمل على دمجها في المؤسسة العسكرية".

وسبق أن تداولت وسائل إعلام محلية صورة لمرَاسلة أثارت جدلاً واسعاً، كانت قد وجهتها لجنة "5+5" العسكرية المشتركة (تضم 5 مسؤولين عسكريين عن مليشيات حفتر و5 مسؤولين آخرين عن حكومة الوفاق السابقة) إلى المجلس الرئاسي، بصفته يتولى مهام القائد الأعلى للجيش، في أغسطس/آب الماضي، وطالبته فيها بـ"ضرورة دمج ثماني مجموعات مسلحة" في طرابلس، متهمةً المجاميع المسلحة في العاصمة بـ"زعزعة وإضعاف أداء المؤسسة العسكرية والأمنية لدورها"، من دون أن تتحدث عن ممارسات مليشيات حفتر في شرق البلاد.

ووفقاً لمعلومات المصادر، فإنّ جهوداً تُبذل لتصدير ملف المجموعات المسلحة إلى الواجهة، بهدف إظهار السلطات في طرابلس ضعيفة أمام قوة هذه المجموعات وغير قادرة على السيطرة عليها، وبالتالي عدم ضمان قبول الأطراف المختلفة بنتائج الانتخابات في ظلّ السلطات الحالية، لا بل ورفض إجرائها أيضاً.

وفي أولى المؤشرات على هذه المساعي، طالب النائب الأول لرئيس الحكومة حسين القطراني رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بضرورة فتح تحقيق في حادثة اقتحام مقر وزارة الرياضة، مستنكراً صمته حيال الأمر.

واعتبر القطراني، الذي سبق له أن أصدر بياناً خلق حالة من الانقسام داخل الحكومة، أن الحادثة دليل على "صحة مطالب إقليم برقة"، وأن الاقتحام "جاء عقب اصطفاف وزير الرياضة مع مطالب مسؤولي إقليم برقة"، ولمّح إلى أن استمرار حركة المجموعات المسلحة "الخارجة عن سيطرة الحكومة دليل على عدم قدرة الأخيرة على تأمين أي استحقاق"، في إشارة إلى الاستحقاق الانتخابي.

سيناريو محتمل لرفع حالة التصعيد وزيادة حدة الاشتباكات داخل العاصمة وعلى أطرافها، للتشكيك في قدرة السلطات الحالية على رعاية العملية الانتخابية وتأمين ظروفها

وكان القطراني قد أصدر بياناً في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حمل توقيع "مسؤولي برقة بحكومة الوحدة الوطنية"، قال فيه إن "رئاسة حكومة الوحدة الوطنية لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق السياسي والمبادئ الحاكمة لخريطة الطريق، من توحيد للمؤسسات، والتوزيع العادل للمقدرات بالطرق القانونية الصحيحة بين الأقاليم"، ملوحاً باتخاذ "إجراءات تصعيدية يتحمل رئيس الحكومة مسؤولية تبعاتها الخطيرة أمام الشعب الليبي ووحدته، وأمام المجتمع الدولي".

من جهته، هدد عضو مجلس النواب الموالي لمعسكر حفتر الهادي الصغير بـ"الحرب"، في تعليق له على بيان لعدد من عمداء البلديات بشأن إمكانية عدم إجراء الانتخابات في بعض الدوائر الانتخابية، في حال استمرار اعتماد مفوضية الانتخابات للقوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب لإجراء هذا الاستحقاق.

وقال الصغير، عبر منشور على حسابه بموقع "فسبوك": "امنعوا الانتخابات، لكن لا أحد يبكي من نتائج منعها"، متابعاً "تذكروا بأن من يشعل الحرب هو من يمنع الحل، وليس من يطلق الرصاصة الأولى".

ولم تحسم المفوضية العليا للانتخابات أمرها بشأن الخطة الانتخابية بعدما قدمت مقترحين بشأن زمن إجراء الانتخابات، على الرغم من إعلانها عن بدء فتح الباب للترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال النصف الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وحدد رئيس المفوضية عماد السائح، خلال مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، مقترحين بشأن زمن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ينص الأول على إجراء الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر، على أن تتم الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بعد 30 يوماً من إعلان نتائج الجولة الأولى. فيما ينص المقترح الثاني على إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر، وتعقبها الجولة الرئاسية الثانية مع الانتخابات البرلمانية بعد شهر من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية.

جهود تُبذل لتصدير ملف المجموعات المسلحة إلى الواجهة

وحتى الآن، أعلن مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، وسفير ليبيا السابق لدى دولة الإمارات العارف النايض، وفتحي بن شتوان، أحد المسؤولين البارزين في النظام السابق، عن ترشحهم للانتخابات الرئاسية.

كما أعلن الممثل الكوميدي حاتم الكور عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهو ما أحدث موجة من الجدل، إذ اتخذ معارضو إجراء الانتخابات من الخطوة فرصة للتقليل من أهمية الانتخابات، والقول إن الكور "أظهر الوجه الصحيح لمسرحية الانتخابات الكوميدية"، على حد وصف أحد المدونين.

في المقابل، دافع نشطاء آخرون عن حق الكور في الترشح، مشيرين إلى تولي شخصيات من عالم الفن والتمثيل مناصب رئاسية، مثل الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان.

من جهتها، عبرت الناشطة السياسية الليبية مروة الفاخري عن خشيتها من انهيار العملية الانتخابية، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "غياب شخصيات كان من المتوقع أن تعلن عن دخولها السباق الانتخابي إلى الآن، مثل حفتر، يرفع من مستوى الشكوك حول إجراء هذا الاستحقاق".

الفاخري: غياب شخصيات كان من المتوقع أن تعلن عن دخولها السباق الانتخابي إلى الآن، مثل حفتر، يرفع من مستوى الشكوك حول إجراء هذا الاستحقاق

ورجحت الفاخري أن تكون وراء غياب العديد من الشخصيات "أسباب تتعلق بعرقلة إجراء الانتخابات"، قائلةً "عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة، كلهم من الشخصيات الطامحة للترشح، لكن أيا منهم لم يترك منصبه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، كما اشترط قانون الانتخابات الرئاسية".
ورأت الفاخري أن "الأمور باتت تنحصر في اتجاهين؛ إما اتجاه الجميع للدفع بالانتخابات نحو الانهيار الكامل، أو أن هناك مقترحات لتأجيل الانتخابات وإعادة النظر في مضمون القوانين الانتخابية وشروطها"، مشيرةً إلى أن "الخلاف لم يعد حول شرعية القوانين الانتخابية، بعدما تبيّن لكل هذه الشخصيات أن حظوظها منخفضة جداً في الفوز".

وبشأن عمليات توتير الأوضاع الأمنية في طرابلس، اعتبرت الفاخري أن ذلك "محاولة لخلط أوراق ملف الانتخابات بأوراق الملف العسكري، وتعقيد الأوضاع الأمنية اللازمة لإجراء الانتخابات، والهدف الأخير من دون شك هو عرقلتها أو تأجيلها".