توترات متصاعدة في "درع الفرات"

26 يوليو 2021
يحتفظ الجيش التركي بوجود واسع في ريف حلب الشمالي (عارف تماوي/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتأخر تركيا في الردّ على مقتل وإصابة جنود أتراك أول من أمس السبت في هجوم يعتقد أنّ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) نفذته في شمال سورية، متوعدة باستمرار العمليات ضد "قسد"، غير أنّ الترجيحات تستبعد قيام أنقرة بعملية واسعة النطاق حالياً، بسبب رفض الولايات المتحدة رفع الغطاء السياسي والعسكري عن "قسد"، وفي ظل خطوط اشتباك متفق عليها بين القوى الإقليمية.

وقُتل جنديان تركيان وجرح آخران، مساء السبت، جراء هجوم يُعتقد أنّ "قسد" تقف وراءه. وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أنّ هجوماً استهدف مركبة عسكرية أثناء توجهها إلى قاعدة في منطقة "درع الفرات" أسفر عن مقتل جنديين وإصابة اثنين آخرين. وأكدت الوزارة تحديد مواقع الإرهابيين في المنطقة وقصفها بشكل فاعل على الفور إثر الهجوم. وأشارت إلى استمرار قصف مواقع الإرهابيين في إطار الرد العقابي. وأضافت: "لم ولن نترك دماء شهدائنا تذهب سدى".

وذكرت مصادر متقاطعة أنّ الهجوم استهدف نقطة عسكرية تركية في قرية حزوان شمال شرقي حلب، في حين شهدت المنطقة عقب الهجوم قصفاً تركياً عنيفاً استهدف مواقع لـ"قسد" في قرى الهوشرية والحصان شمال شرق مدينة منبج، كما قصفت مناطق التماس على جبهة حزوان بريف مدينة الباب شرقي حلب. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنّ القوات التركية ردت بأكثر من 200 قذيفة مدفعية وصاروخية استهدفت مواقع تابعة لـ"قسد".

شدد جاووش أوغلو على "إصرار تركيا على اجتثاث كلّ أشكال الإرهاب من جذورها"

وأكد وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو في تغريدة على "تويتر" أمس الأحد أنّ "دماء الشهداء لم ولن تذهب سدى" مشدداً على "إصرار تركيا على اجتثاث كلّ أشكال الإرهاب من جذورها". وكان رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، قال مساء السبت، إنّه "لا ينبغي لأحد أن يساوره الشك في أن نضالنا سيستمر حتى اجتثاث جذور الإرهاب وتأمين حدودنا". كما تعهد نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، في تغريدة، بألا تذهب دماء الجنود سدى، و"بمحاسبة الإرهابيين".

وأعلنت وزارة الدفاع التركية أمس الأحد عن "تحييد 7 إرهابيين" في إشارة إلى عناصر في "قسد"، مشيرة إلى أنّ استهداف هذه القوات يأتي "في إطار الرد على استشهاد جنديين في منطقة عملية درع الفرات، شمالي سورية". كما أعلنت في بيان استمرار عملياتها ضد تنظيم "وحدات حماية الشعب" الكردية شمالي سورية.

حادث السبت ليس الأول من نوعه في منطقة غرب الفرات، إذ شهد ريف حلب الشمالي تبادل القصف الصاروخي والمدفعي بين "قسد" والقوات التركية والفصائل المعارضة المرتبطة بأنقرة. وكثرت في الآونة الأخيرة عمليات القصف الصاروخي من مناطق سيطرة "قسد" في ريف حلب الشمالي على منطقة عفرين شمال غربي حلب والخاضعة للفصائل التابعة للجيش التركي، إذ قتل وأصيب العشرات منتصف الشهر الماضي بقصف صاروخي استهدف مستشفى في مدينة عفرين.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويحتفظ الجيش التركي بوجود واسع في ريف حلب الشمالي خصوصاً في محيط مدينة الباب، حيث قاعدة جبل "الشيخ عقيل" التي تعد القاعدة التركية الكبرى في شمال سورية. وكان الجيش التركي أطلق في عام 2016 عملية "درع الفرات" التي انتهت مطلع عام 2017 بطرد تنظيم "داعش" من مساحات واسعة في ريف حلب الشمالي تحوّلت بعد ذلك إلى منطقة نفوذ تركي بلا منازع. وتضم "درع الفرات" العديد من المدن والبلدات الكبيرة منها: جرابلس، والراعي، والباب. بينما يسيطر مجلس منبج العسكري التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" على مدينة منبج وبعض ريفها منذ منتصف عام 2016، وانتزع هذا المجلس المدينة من تنظيم "داعش" بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وتبعد مدينة منبج عن مدينة حلب 90 كيلومتراً باتجاه الشمال الشرقي، بينما تبعد عن الحدود التركية 35 كيلومتراً. وترتبط مناطق الفصائل السورية في ريف حلب مع مناطق سيطرة "قسد" من خلال معبر "عون الدادات"، إلا أن انتقال المدنيين بين هذه المناطق ليس ميسّراً بشكل دائم.

وتعليقاً على حادث مقتل الجنديين التركيين، أشار المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الخسائر دائماً تحدث في مناطق النزاع، وعلى الرغم من الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار، لا بد من حدوث خروقات من أطراف النزاع". وبيّن الفرحات أنّ "حادث السبت ضد الجنود الأتراك تكرر وليس جديداً من نوعه، وربما لن يكون الأخير في منطقة تغلي" مستبعداً قيام الجيش التركي بعملية واسعة النطاق ضد "قسد"، مضيفاً: "الرد سيكون عبر الفصائل المتحالفة مع الجيش التركي في شمال سورية، أو عبر المدفعية التركية بشكل مباشر". وتابع بالقول: "لا أعتقد أنّ الأمر سيخرج عن هذا الإطار. خطوط الاشتباك متفق عليها بين القوى الإقليمية، والخروقات أحياناً تتضمن رسائل سياسية بين الأطراف المتنازعة، وأحياناً أخرى تكون لأسباب ميدانية بحتة".

الفرحات: الرد سيكون عبر الفصائل المتحالفة مع الجيش التركي في شمال سورية، أو عبر المدفعية التركية بشكل مباشر

ولطالما حاولت تركيا إقناع الولايات المتحدة برفع الغطاء السياسي والعسكري عن "قسد" في مدينة منبج وغربي الفرات عموماً، إلّا أنّها فشلت، على الرغم من اتفاق الجانبين عام 2018 على "خريطة طريق" حول منبج تتضمن انسحاب هذه القوات، لكنّ الاتفاق لم ينفذ بسبب تعقيدات ميدانية. وتعد منطقة منبج من أهم المناطق في الشمال السوري، إذ تتوسط العديد من المحافظات السورية فضلاً عن قربها من الحدود السورية التركية، وهو ما يجعل أطراف النزاع تتنافس للسيطرة عليها. وترفض الولايات المتحدة حتى اللحظة انتقال السيطرة على مدينة منبج من "قسد" إلى الفصائل المرتبطة بالجانب التركي أو لقوات النظام المدعومة من الجانب الروسي والتي تتمركز جنوب غربي المدينة.

ورأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "تركيا بعد التصعيد الأخير في إدلب أصبحت أكثر حدة في الخطاب منها في العمل". وأضاف: "طوال الأيام السابقة انخرطت أنقرة في تشديد لهجتها تجاه المليشيات الإرهابية في سورية، إلّا أنّ الخطاب التركي يمكن إدراجه في خانة الوعيد أكثر من العمل الحاسم والفعلي على أرض الواقع". وأشار إلى أنّ "الخيار العسكري يكاد يكون مستبعداً من الحسابات التركية على الأقل في الوقت الحالي بسبب التعقيدات الإقليمية، إلّا أنّ أنقرة لن تنسى مقتل جنودها وتتحين الفرصة لرد انتقامي، لكن بعد تهيئة جميع الأجواء الإقليمية والدولية لصالحها".

المساهمون