توترات درعا مستمرة: لماذا يواصل النظام العبث بالمحافظة؟

26 سبتمبر 2020
تحاول قوات النظام إعادة درعا لبيت الطاعة(يوسف كرواشان/فرانس برس)
+ الخط -

لا تخرج محافظة درعا جنوبي سورية من أزمة حتى تدخل في أخرى، في ظل حالة من الفوضى وتصاعد عمليات الاغتيال والخطف، بالتزامن مع سوء الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية. ويعتقد كثير من المتابعين أن الاضطرابات المتواصلة في المحافظة هي من تدبير النظام السوري وأجهزته الأمنية، و"حزب الله" اللبناني، وسط تحذيرات من تدحرج الأوضاع إلى مستويات أعلى، تعيد التظاهرات على نطاق واسع، وتزيد الاستهداف لقوات النظام والمليشيات المتعاونة معه.
وشهدت المحافظة تظاهرات واحتجاجات، أمس الجمعة، ضد الوجود الإيراني فيها والفلتان الأمني المتصاعد. وشارك العشرات من أبناء حي طريق السد، أحد أحياء درعا البلد، في تظاهرة في ساحة جامع سيدنا الحسين، وحملوا لافتات رفضت أعمال "الإرهاب والتشبيح والوجود الإيراني بالمنطقة، وعمليات الخطف والاغتيال". وندد المتظاهرون بعمليات "الإرهاب التي تمارسها قوات النظام المتمثلة باللواء حسام لوقا"، (رئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام في محافظة درعا) وطالبوا برفع القبضة الأمنية عن المحافظة.

شهدت المحافظة تظاهرات واحتجاجات ضد الوجود الإيراني فيها والفلتان الأمني المتصاعد

وهذه ليست الوقفة الاحتجاجية الأولى التي تشهدها محافظة درعا خلال سبتمبر/ أيلول الحالي، إذ سبقها تنظيم "اللجنة المركزية بدرعا البلد" في 18 الشهر الحالي، وقفة احتجاجية ضد تشكيل النظام لمليشيات من أبناء عشائر درعا. وطالب القيادي السابق في الجيش السوري الحر أدهم الكراد، خلال الوقفة، قوات النظام بالانسحاب من درعا حسب اتفاقية التسوية المبرمة في يوليو/ تموز 2018، معتبراً أن النظام وروسيا كذبا عليه، إذ إن الاتفاق شمل "خروج قوات النظام بعد أسبوعين من تاريخ التسوية" حسب قوله. كما طالب بحل اللجان التابعة للنظام، المشكلة من أبناء العشائر، لتجنب مواجهة بينهم وبين أهالي المحافظة. وهدد بتصعيد التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في حال لم يستجب النظام لمطلب حل اللجان المشكلة من أبناء العشائر.

وفي سياق هذه الاحتجاجات الموجهة ضد النظام، عُثر ليلة الخميس الماضي على كتابات، على الجدران في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي، تضامناً مع أهالي بلدة كناكر بريف دمشق الغربي، التي شهدت توترات أمنية بعد اعتقال قوات النظام ثلاث سيدات وطفلة، يوم الإثنين الماضي على أحد الحواجز في الطريق للعاصمة دمشق. وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً صوراً لكتابات على جدران إحدى المدارس في مدينة جاسم شمالي محافظة درعا، تضامناً مع كناكر، وتدعم مطالب أهلها بالإفراج عن المعتقلات.

تزامن ذلك مع تواصل عمليات الاغتيال في درعا التي باتت شبه يومية، وتستهدف أشخاصاً من انتماءات مختلفة. لكن الاعتقاد السائد أن معظمها من تدبير النظام السوري وأجهزته الأمنية، بهدف العبث بالمحافظة، وجرها مجدداً إلى بيت الطاعة، فضلاً عن الانتقام من أبنائها، كما يعتقد بعض الناشطين، بسبب دورها في انطلاقة شرارة الاحتجاجات ضد النظام في عام 2011. وفي هذا الإطار، أطلق مجهولون الرصاص، أمس الجمعة، على شخص في منطقة الشياح جنوب شرق درعا البلد، ما أدى لمقتله على الفور. كما أطلق مسلحون مجهولون النار على أحد المدنيين في العالية غربي مدينة جاسم في الريف الشمالي من محافظة درعا. وقال مصدر محلي، لـ"العربي الجديد"، إن الحادثة جرت بعد ظهر الخميس الماضي، واستهدفت شخصاً يعمل لصالح أحد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وقد أصيب نتيجة استهدافه، بجروح نُفل على أثرها إلى أحد المستشفيات.

قتل مجهولون بالرصاص شخصاً في منطقة الشياح جنوب شرق درعا البلد

وذكر موقع "درعا 24" المحلي أن التحقيقات في عمليات الاغتيال والاستهداف الأخيرة لقادة في اللواء الثامن التابع لـ"الفيلق الخامس" في محافظة درعا توصلت إلى أن هناك شخصين اعترفا بالمشاركة في بعض هذه العمليات، بالتنسيق مع شخصية تعمل مع "حزب الله" اللبناني، وعلى علاقة مع جهاز الأمن العسكري. وحسب الموقع فان الشخص الذي تم الاعتراف عليه أثناء التحقيق من مدينة بصرى الشام، وكان يعمل على تسوية أوضاع الشباب من أبناء المنطقة، لصالح جهاز الأمن العسكري، ويعيش في دمشق منذ سنوات. ويتشكل اللواء الثامن التابع لـ"الفيلق الخامس" في محافظة درعا، في الأصل من فصائل محلية مسلحة، بقيادة أحمد العودة. وبعد اتفاقية التسوية والمصالحة عام 2018 أصبحت ضمن مجموعات تابعة لـ"الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا. ومنذ تشكيل هذا اللواء، لم تتوقف أجهزة النظام الأمنية عن محاولاتها لإضعافه، ومجمل القوى التي اختارت مواصلة البقاء في درعا وعدم المغادرة إلى الشمال السوري، ولم تلتحق بالأجهزة الأمنية للنظام، إذ احتفظ هؤلاء بأسلحتهم الفردية والمتوسطة في مناطقهم، واستمروا بالتالي بالتمتع بهامش من السلطة فيها، فيما احتفظ اللواء الثامن بقوامه التنظيمي، ومعظم الأسلحة التي كانت بحوزته قبل عام 2018.

واستهدفت أجهزة النظام بعمليات الاغتيال والخطف والاعتقال المعارضين المدنيين والعسكريين، من القادة والعناصر، فيما تمتع اللواء الثامن، خلال السنتين الماضيتين، بهامش حركة، وبات يسعى إلى توسيع مجال نفوذه، المتمركز حالياً بريف درعا الشرقي، إلى الريف الغربي، وبقية أنحاء المحافظة، من خلال عمليات التجنيد المستمرة التي يقوم بها، وذلك بفضل الحماية الروسية لقوات العودة التي مكنتها من مواجهة قوات النظام في العديد من المرات.
وفي هذا السياق، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن اجتماع عقد في حي الصحاري في مدينة درعا مطلع الشهر الحالي ضم القيادي في "حزب الله" الحاج هاشم و رئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي، ووسيم المسالمة، الذي يعتبر يد إيران في منطقة حوران، إضافة إلى عماد أبوزريق، القيادي السابق في فصائل المعارضة والذي عاد من الأردن العام الماضي ضمن صفقة مع الأمن العسكري التابع للنظام السوري. ويعتقد أن الأخير يستخدمه لاختراق اللواء الثامن، والانقلاب على قائده أحمد العودة.
وحسب ما تم تداوله، فإنه تم خلال الاجتماع الاتفاق على متابعة تنفيذ خطة محكمة لإنهاك اللواء الثامن وصولاً إلى الإطاحة بالعودة كلياً، ليستلم قيادته عماد أبو زريق، على أن تبدأ العمليات بسلسلة اغتيالات تستهدف قيادات الصف الأول الموالية بشكل مطلق لأحمد العودة. وحسب المصدر، فإن هذه الخطط ليست وليدة الاجتماع المذكور، بل بدأ تنفيذها فعلياً في وقت سابق، عندما تم استهداف حافلة تقل عناصر من اللواء الثامن قرب بلدة كحيل قتل فيها 12 من عناصره وأصيب 25 آخرون في 20 يونيو/ حزيران الماضي. وبغض النظر عن مدى دقة هذه التسربات، إلا أن المعطيات على الأرض تدعمها، إذ تزداد عمليات الاستهداف لقادة وعناصر اللواء الثامن وسط امتعاض غير خاف من النظام وأجهزته من نمو نفوذه في عموم محافظة درعا.

المساهمون