تتواصل في تونس ما باتت تعرف بأزمة "أداء اليمين" الدستورية منذ تصويت البرلمان على منح الثقة للتعديل الوزاري الذي شمل 11 وزيراً من أصل 25 حقيبة يوم 26 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وحتى حلول اليوم السبت، لم يوجه رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الدعوة للوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه في قصر الرئاسة بقرطاج بحسب ما يفرضه الدستور، مما عطل تعيينهم رسمياً، ونشر ذلك في الجريدة الرسمية كما تقتضيه الإجراءات.
وأكد رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، أنه "لم يتلقَ أي مبرر رسمي من رئيس الجمهورية قيس سعيد لرفضه عدداً من الوزراء الذين شملهم التحوير الوزاري أخيراً ولا أسماء الوزراء المقصودين"، مشيراً إلى أن "المسألة طالت بعض الشيء.. وهذا الوضع تسبب في تعطيل مصالح الدولة".
وشدد المشيشي، في تصريح صحافي، مساء أمس الجمعة، على أنه "راسل رئيس الدولة لتحديد موعد أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية"، نافياً ما تداولته تقارير صحافية بخصوص ترتيب أي لقاء معه.
وقال المشيشي إنّ "عدم استقبال سعيد للوزراء لتأدية اليمين الدستورية عطّل سير دواليب الدولة"، مشيراّ إلى أنه "ليس له أي فكرة عن طبيعة احترازات رئيس الجمهورية بصفة رسمية أو عن أسماء الوزراء المعنيين بالاحترازات".
وفي سياق متصل، لمّح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، إلى "وجود بوادر إيجابية نحو حل الأزمة السياسية التي تخيم على البلاد منذ أزيد من 10 أيام بسبب رفض أي طرف التنازل لتجاوزها".
وقال الطبوبي، في تصريح صحافي، إثر لقائه، أمس الجمعة، المشيشي، إنّ "اللقاء كان إيجابياً في اتجاه إيجاد مخرج لحلحة الأزمة السياسية الراهنة بما يعلي مصداقية الدولة"، مضيفاً أنه "في مثل هذه الأوقات الحرجة التي تعيشها بلادنا تظهر القامات وأن تقديم بعض التنازلات من كل الأطراف يعتبر من شيم الكبار وليس ضعفاً".
وكان سعيد قد حذر، الشهر الماضي، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي بحضور المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، من "مغبة تمرير التعديل الوزاري"؛ بسبب ما وصفها بـ"الخروقات الدستورية وتعلق قضايا أو ملفات تضارب مصالح بعدد من الوزراء" دون تسميتهم، مشيراً إلى عدم علمه بالتعديل الوزاري وموقفه من تمريره إلى البرلمان رغم غياب نص دستوري يدعو لذلك.
وجدّد سعيد، الأربعاء، عند لقائه الطبوبي، تمسّكه بموقفه من التعديل الوزاري الأخير، مشترطاً عدم انتهاك الدستور أو الإخلال بالمبادئ التي أقسم عليها وتعهد بها أمام الشعب، في أي حوار لحل الأزمة.
وتعليقاً على الأزمة، قال المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "السلطات في تونس انتقلت من تنازع الاختصاص وصراع الصلاحيات إلى حرب كسر العظام حيث يخشى كل طرف من حجم خسارة الصورة والمكانة وتبعات الرجوع خطوة إلى الوراء".
وأوضح أنّ "الأزمة السياسية التي تعيشها تونس ثلاثية الأبعاد فسعيد يبحث عن تثبيت مكانته وإعلاء هيبته بفرض العودة له في حالات التعديل الوزاري، والبرلمان يخشى ضرب صورته ومكانته الدستورية في حال التراجع عن الوزراء الذين منحهم الثقة، والوزراء يخشون تثبيت الشبهات والتهم حولهم في حال انسحابهم أو إبعادهم، وكذلك المشيشي يخشى بدوره الخضوع لطلب الرئيس بما يهدد ما بقي من مكانته".
وتابع المؤدب أنّ "تراجع المشيشي سيهز من مشروعية الحكومة كما سيقضي على ما بقي من مصداقيتها وهي بمثابة بداية النهاية السياسية لهذه الحكومة المنهكة، كما يعد في الوقت نفسه ضربة قاصمة للبرلمان وللحزام البرلماني للحكومة"، مضيفاً أنّ "هذه الأزمة الخانقة تتطلب تنازل أحد رأسي السلطة التنفيذية إما سعيد أو المشيشي".
بدورها، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في غياب المحكمة الدستورية فلا وجود لحل دستوري وقانوني يلزم سعيد بدعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية"، مشيرة إلى أن "الكرة في ملعب رئيس الدولة".
ورأت كريم أنّ "المشيشي أمام مسؤولية وطنية تقتضي منه تغليب منطق الدولة وإعلاء المصلحة الوطنية لتجاوز الأزمة من خلال سحب الوزراء المرفوضين من الرئيس والتخلي عنهم وهو أمر ممكن ماداموا لم يباشروا بعد مهامهم بسبب عدم أدائهم اليمين بعد ولم تنشر أسماؤهم في الرائد الرسمي".
واعتبرت كريم أنّ "التنازل من أجل إنقاذ البلاد وتجاوز الأزمة لا يعد خسارة بل ربحاً في الحقيقة".