حمل خطاب المبعوث الأممي الى ليبيا، عبد الله باتيلي، تغيراً في الآونة الأخيرة تجاه قادة جميع الأطراف الليبية، فبعدما سمّى بشكل صريح شروط القادة الأساسيين المستهدفين من مبادرته للحوار الخماسي، في إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن الخميس الماضي، وأظهرها في شكل عرقلة للعملية السياسية، عاد في تصريحات تلفزيونية، السبت الماضي، ليحصر سبب المشكلة السياسية في ليبيا بحكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب، واعتبرهما سبباً مباشراً في استمرار التردي السياسي والاقتصادي.
وعلى الرغم من إشارة باتيلي إلى أن جميع المؤسسات الليبية "لا تتمتع بالشرعية"، إلا أنه ركّز الحل في ضرورة "تشكيل حكومة جديدة موحدة" للمضي نحو إجراء الانتخابات المؤجلة منذ نهاية عام 2021. وعلى الرغم من الانتقاد الواضح لمواقف القادة الخمسة من مبادرته، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، إلا أنه أكد أن مبادرته "لم تفشل حتى الآن".
يبدو أن من نافل القول إن جملة التضارب في خطاب باتيلي، بين تصريحاته وإحاطته، تعكس حالة الارتباك في طريقة تقويمه وفهمه لتناقضات الحالة الليبية. فكثيراً ما ظهر ذلك في تصريحات المبعوث الأممي ومواقفه، خصوصاً التي أظهر فيها ميلاً لحكومة الوحدة الوطنية في بعض الأحيان وأخرى إلى جانب مجلس النواب، لكنها تعكس في الواقع ما تحمله كواليس ودواليب التحركات الإقليمية والدولية في الملف الليبي.
صحيح أن مشروع باتيلي منذ أن ظهر في شكل لجنة رفيعة المستوى إلى أن وصل إلى شكل حوار خماسي، بناه في الأساس على جمع الفرقاء للحوار، لكن تصريحاته الأخيرة حول ضرورة تشكيل حكومة جديدة هي الأولى من نوعها، وتأتي تزامناً مع حديث مؤكد حول مشروع دمج الحكومتين في إطار مبادرة أفرزها التقارب التركي المصري أخيراً، مقابل حراك فرنسي حثيث يضغط في اتجاه دعم خيار حكومة جديدة وإبعاد الحكومتين الحاليتين، ما يشير إلى تأثير فرنسي على باتيلي الذي حملت تصريحاته الأخيرة هجوماً مباشراً على الحكومتين معاً.
وقد تقود هذه القراءة إلى إمكانية قبول باتيلي بعرض قدّمه حفتر، وأشار إليه صالح، كشف عنه خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، ويتمثل في استبعاد الحكومتين من طاولة الحوار، خصوصاً أن السياسات الفرنسية في الملف الليبي لا تزال تميل لصالح معسكر شرق ليبيا. وقد يدعمه هذا الطرح كثرة اللقاءات أخيراً بين باتيلي والمبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا، بول سولير.
ومع ما يمكن تكهنه حول مستقبل العملية السياسية، فكل ما يمكن قوله هو إمكانية رجوع فرنسا كطرف فاعل في خريطة الفاعلين الدوليين في الملف الليبي، وإلا فتقاطع الرؤية الفرنسية، إن صحّ، مع مضمون التقارب المصري التركي، لن يفيد في تقدم العملية السياسية، بل سينقلها من حالة الجمود الحالي إلى حالة المراوحة فقط.