ليست مشاهد إذلال "الأخ المواطن" بجديدة على من عرف بروباغندا أنظمة وأحزاب "الممانعة"، على وجه التحديد. ولعقود من التزييف ظل يرُد عبرها تردي الأحوال إلى "الحصار"، وفي روايات أخرى إلى "الحسد" والطمع بمقدرات البلاد. وعليه يصير لزاماً على المواطن، السوري أو العراقي أو اللبناني، وغيرهم في أنظمة تفسير الانهيارات بالمؤامرات، أن يشد من أزر حاكمه وحاشيته بمزيد من "الصبر والصمود".
على سبيل المثال، في تسطيح أسباب الفشل في سورية تُقدم صورة وردية عما "قبل الأزمة"، و"المؤامرة" بعدها على التجربة "التقدمية" و"النظام القومي العربي"، كما تلطى الحُكم دوماً خلف شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي. وفي السياق ذاته يُمنن المواطن بمجانية العلاج والتعليم، وتخفيض أسعار، ودعم خدمات بديهية أصلاً، في سياق كذبة كبرى، تلغي حقيقة تمويل جيوب الناس أنفسهم للخدمات، تزامناً مع انخفاض مداخيلهم إلى أدنى المستويات.
من عاش ويعيش في الشام يعرف المعنى الدقيق لبروباغندا أن سورية أفضل حالاً من "الغرب الإمبريالي". ولم يخترع الناس من فراغ تسمية مشافيهم المجانية بـ"مسالخ بشرية"، وهي تسمية أصبحت حرفية بعد الكشف عن جرائم تعذيب معتقلين شارك فيها أطباء وممرضون، كما كشفت تقارير حقوقية وملاحقات لبعضهم في أوروبا.
وإذ يصير "الصمود" طوابير هائلة لاستخراج جواز سفر، أيضاً في لبنان، بحثاً عن لجوء، هرباً من تحول البلاد كلها إلى مسالخ، يدرك أهل العراق النفطي ولبنان "سويسرا الشرق" وسورية "الممانعة" حجم النفاق والأكاذيب التي يسوّقها منظرو تلك الممانعة عن ذلك الغرب. ففيما هم مقلدوه معيشياً، فإنهم يحجون إليه، بأولادهم وأقاربهم، استشفاء وولادة وتعليماً وتبييض أموال منهوبة من البلاد، وكسباً لجنسيته، رغم صراخهم على الشاشات وشتمهم إياه لتآمره وحصاره.
عموماً، فإن التلذذ بإذلال "الإخوة المواطنين" يبدو سياسة القاسم المشترك بين ممتهنيها، لأجل مزيد من إغراق الناس في لعبة اللهث وراء رغيف الخبز والبقاء على قيد الحياة. وبين ملهاة وأخرى لا ضير من لعبة تنفيس الاحتقان من حاشية الحكم، من دون الاقتراب من أسس العفن والتفسخ في النظام نفسه أو رأسه، بل بالتصويب على وزير هنا ومسؤول هناك، تزامناً مع شعارات "الانتصار وهزيمة المؤامرة"... وبمزيد من تحويل البلد والناس إلى شبه أوطان وأشباه مواطنين، وإن ظلوا يخاطبون عواطفه في بكائيات الشكوى من طمع الغرباء.