تكرار اعتداءات الحشد الشعبي على عناصر الأمن يثير جدلاً في العراق

19 مايو 2024
أحد أفراد الشرطة العراقية يقف على نقطة تفتيش في بغداد، 08 يناير 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في العراق، حاولت الشرطة فض اعتصام سائقي شاحنات بين الموصل وأربيل، مما أدى إلى تصاعد التوتر عندما تعرض أفراد الشرطة للضرب من قبل "الحشد الشعبي".
- السلطات العراقية استجابت بفتح تحقيق وإيقاف أربعة من أفراد "الحشد الشعبي"، في محاولة لفرض سيادة القانون واحترام هيبة الدولة.
- الاعتداءات المتكررة تثير قلقاً بشأن استقرار العراق وسيادة القانون، مع دعوات للحكومة لاتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة المعتدين وضمان عدم تكرار هذه الحوادث.

حاولت الشرطة العراقية فض اعتصام لسائقي شاحنات النقل على الطريق الرابط بين الموصل وأربيل، أول أمس الجمعة، فيما قام أفراد من "الحشد الشعبي" بضرب وخلع رتب وشتم عناصر من الشرطة، في حادثة أثارت الكثير من الجدل الداخلي في العراق. وهذه الاعتداءات اللفظية أو الجسدية التي يتعرض لها بين حين وآخر، أفراد بالأمن العراقي على يد عناصر ينتمون لـ"الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً، تلاقي عادة ردات فعل غاضبة من قبل العراقيين الذين يصطفون بطبيعة الحال مع قوات الأمن النظامية، ويرون أن التجاوز عليها يهيئ لتجاوزات أكبر على المدنيين، خاصة في مناطق شمال وغربي ووسط العراق.

ووقعت الحادثة شمال شرقي الموصل، أول من أمس الجمعة، وسط تأكيدات بفتح تحقيق من قبل السلطات بالاعتداء، وإيقاف أربعة من أفراد "الحشد الشعبي"، بتهمة إهانة ضابط ونزع رتبته العسكرية. وتعرّض الضابط الذي يحمل رتبة نقيب في جهاز الشرطة العراقية بمحافظة نينوى وعاصمتها الموصل، إلى الركل والضرب وخلع رتبته العسكرية، وذلك إثر محاولة قوة من الشرطة تفريق اعتصام لسائقي الشاحنات على طريق الموصل المتجه إلى أربيل، احتجاجاً على ما يصفونه بالعراقيل التي تواجههم عند الدخول للمدن.

وأظهر مقطع مصور متداول في منصات التواصل الاجتماعي ضابط شرطة برتبة نقيب وهو يحاول إقناع المحتجين بضرورة فتح الطريق بسبب الضرر الذي أحدثه ذلك، كما يطلب الضابط من المحتجين إرسال وفد من سائقي السيارات للقاء الحكومة المحلية في نينوى، لسماع مطالبهم من أجل حلها وتلبيتها. كما نقلت وسائل إعلام عراقية، عن مصادر في "الحشد الشعبي"، تأكيدها إيقاف المعتدين من عناصرها على ضابط الأمن، وذلك بعد موجة الاستنكار التي شهدها الشارع العراقي اليومين الماضيين.

وبحسب مسؤول أمني في وزارة الداخلية العراقية ببغداد، فإن "رئيس الوزراء أوعز باعتقال أي جهة تتورط بالاعتداء على أفراد الجيش أو الشرطة خلال تأدية مهامهم، بما فيهم عناصر الحشد الشعبي، الذين يتصدرون قائمة الاعتداءات على أفراد الأمن"، معتبراً في اتصال عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، أن "ردات فعل الشارع على حادثة الاعتداء الأخير في الموصل، تؤكد حرص المواطنين على سيادة القانون واحترام قوات الأمن". وقال المسؤول ذاته الذي طالب بعدم الكشف عن هويته كونه غير مخول له التصريح، إنّ "الحوادث تصرفات فردية من عناصر يعملون ضمن الحشد الشعبي"، متحدثاً عن "التشديد على قادة الفصائل بالتنبيه على عناصرهم باحترام القانون وأجهزة الأمن".

استياء عام من اعتداءات الحشد الشعبي

والشهر الماضي، تعرّض شاب إلى اعتداء بالضرب والسحل وسط مدينة الفلوجة، غربي العراق، على يد أفراد من "الحشد الشعبي"، ما أثار موجة غضب شديدة في المدينة، استدعت الشرطة إلى الإعلان عن فتح تحقيق بالاعتداء. وقال عضو مجلس محافظة نينوى هشام الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لجنة تحقيقية في بغداد تشكّلت للوقوف على جريمة الاعتداء الأخيرة على ضابط الأمن".

من جهته، وصف الناشط الحقوقي في مدينة الموصل، أحمد الزبيدي، الاعتداء على الضابط بأنه "إهانة للدولة". وقال الزبيدي لـ "العربي الجديد"، إنّ "استمرار مثل هذه الاعتداءات يشكل خطراً على الاستقرار، ويعزز من صورة هيمنة السلاح على القانون"، مبيناً أن الفترة السابقة كانت تشهد حالات اعتداء على المواطنين من قبل عناصر الفصائل المسلحة بينما الآن تطور الأمر إلى الاعتداء على ضباط الشرطة الذين يمثلون هيبة الدولة، وذلك يؤكد أن سلطة الفصائل أعلى من سلطة الدولة في العراق، حسب تعبيره.

فيما اعتبر عضو التيار المدني العراقي، علي الساعدي، الاعتداء الجديد في الموصل، بأنه "لن يكون الأخير". وأضاف الساعدي، لـ"العربي الجديد"، أن "اعتداء عناصر الحشد على ضباط ومنتسبي الشرطة والجيش العراقي متكرر، وليس في غرب وشمال العراق، بل حتى في مناطق الجنوب، وسجلت البصرة وميسان وبابل اعتداءات مماثلة، دون أن تُتخذ أي إجراءات لمحاسبة المعتدين، مبيناً أن عناصر الفصائل اعتدوا أيضاً في أوقات سابقة على أطباء وموظفين خدميين خلال الواجب الوظيفي.

واعتبر الخبير الأمني، محمد فوزي اللامي، أن هذه الحادثة "نابعة من فكر وثقافة الحشد الشعبي، وتتكرر في مدن مختلفة من العراق بين وقت وآخر"، وقال اللامي لـ"العربي الجديد": "إنّ الحكومة مطالبة بموقف إزاء تكرار الاعتداءات من قبل أفراد بالحشد. نزع الرتبة العسكرية لأحد الضباط وإهانته بهذه الطريقة يعد جرماً"، معرباً عن عدم تفاؤله بالإعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق بالاعتداء.

وأوضح الخبير بالقانون العراقي، داود العكيدي، أن القانون العراقي يحاسب على مثل هذه الاعتداءات بالسجن مدة تتراوح ما بين 3 – 5 سنوات. وقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "القانون فرض عقوبات على المعتدين على موظف الدولة (المدني والعسكري) أثناء عمله الرسمي بالحبس سنتين إذا كان الموظف مدنياً، و3 سنوات إذا كان الموظف عسكرياً، وبين أن عقوبة الاعتداء على الموظف في حالة الظرف المشدد تصل إلى الحبس 5 سنوات".

وأضاف أن "ما حصل في الاعتداء على نقيب الشرطة يدخل ضمن حالة الظرف المشدد، على اعتبار أن الاعتداء وقع من قبل أكثر من 4 مسلحين، كما أنهم كانوا يحملون أسلحة أثناء الاعتداء، فضلاً عن وجود سبق الإصرار في الاعتداء على الضابط"، مبيناً أن هذه الاعتبارات تدفع لفرض عقوبة الحبس 5 سنوات، على اعتبار أنها تبقى في إطار الجنحة، إلا إذا كان الاعتداء قد نتج عنه حالة وفاة أو إصابة بالغة أو إعاقة فيدخل في إطار الجناية.

المساهمون