تقلب غير مسبوق في مزاج الناخبين بالدنمارك قبل أيام من الانتخابات المبكرة

22 أكتوبر 2022
تجرى الانتخابات المبكرة في الدنمارك في الأول من نوفمبر المقبل (Getty)
+ الخط -

خلال أسبوعين من الحملات الانتخابية في الدنمارك، بعد دعوة رئيسة الحكومة ميتا فرديركسن (يسار الوسط)، في الخامس من الشهر الحالي، إلى انتخابات مبكرة، تبدو الطبقة السياسية على مستوى الأحزاب التقليدية (14 حزبا من شتى الاتجاهات) في مواجهة حالة من تقلب المزاج غير المسبوق في الشارع.

وقبل 10 أيام تقريباً من انتخابات برلمان كوبنهاغن يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، تحسم استطلاعات الرأي الخسارة التي تنتظر معسكر اليمين المحافظ والمتشدد، مع بروز مفاجئ لرئيس حكومة يمين الوسط السابق لارس لوكا راسموسن.

وكان الرجل أسس حزبه الجديد صيف العام الحالي، بعد خروجه من حزب "فينسترا" الليبرالي العريق (تأسس منذ أكثر من 170 سنة)، تحت مسمى "المعتدلين"، متراجعا عن أفكار وسياسات التشدد والانغلاق التي فُرضت عليه نتيجة حاجته البرلمانية سابقا لحزب اليمين الشعبوي "حزب الشعب الدنماركي". فمن نحو 3.4 في المائة في استطلاعات بداية أكتوبر/تشرين الأول، قفز راسموسن بحزبه إلى نحو 10 في المائة، ليحتل المرتبة الثالثة بعد كل من "الاجتماعي الديمقراطي" وحزبه السابق "فينسترا".

انقلاب في مزاج الناخبين بالدانمارك قبل انطلاق الانتخابات التشريعية المبكرة (العربي الجديد)

الاستطلاعات المتواصلة خلال الأسبوعين الأخيرين بحضور "كاريزمي" للرجل، كما يفسر مراقبو التغيرات الانتخابية في كوبنهاغن، عززت موقعه بين الناخبين، الذين لم يستبعد بعضهم التصويت له رئيساً للحكومة، لو أتيح لهم. هذا التقدم الذي يمنحه 18 نائبا من أصل 179 يضع كلا من معسكري يسار ويمين الوسط في مواجهة استرضاء "المعتدلين" لتسمية رئيس الحكومة القادم.

وعلى مستوى يمين الوسط، في أحزاب "التحالف الليبرالي" و"فينسترا" و"المحافظ" (دي كونسرفاتيف)، والجناح اليميني المتشدد في "البرجوازية الجديدة" و"الشعب الدنماركي"، يبدو هذا التطور بمثابة خسارة مبكرة لهم للانتخابات القادمة، بحسب ما ذهبت تصريحات تلفزيونية صباح اليوم السبت لزعيم حزب الليبراليين (محسوب على يمين الوسط) أليكس فانسبلاغ. 

ويعود ذلك إلى أن حزب راسموسن الجديد (المعتدلين) يرفض المشاركة في دعم حكومة من معسكر يمين الوسط، الذي تتراجع فيه مؤشرات تأمينه بالأغلبية التي يحتاجها، (90 مقعدا)، إذ تمنحه الاستطلاعات 73 مقعدا، مقابل 85 لصالح اليسار ويسار الوسط. ويشكل هذا التقدم ضربة لـ"ديمقراطيي الدنمارك" برئاسة الوزيرة المتشددة السابقة للهجرة إنغا ستويبرغ، لمصلحة تقدم رئيسها السابق راسموسن.

واللافت في الاستطلاعات أنه ليس فقط الحزب الشعبوي "الشعب الدنماركي" (الذي كان يوما ثالث الأحزاب البرلمانية) انكمش مهرولا عند عتبة نسبة الحسم المطلوبة لدخول البرلمان (2 في المائة)، بل إن حزب المحافظين، الذي رشح زعيمه سورن بابي بولسن لرئاسة الحكومة، ينكمش من 16.7 في المائة إلى 7 في المائة، وهي ذات نسبة حزب اليسار الماركسي "اللائحة الموحدة"، ما يصعب كثيرا تأمين معسكر يمين الوسط الأغلبية المطلوبة.

في المقابل، تبدو النتائج الأخيرة في مصلحة "الكتلة الحمراء"، المكونة من "الاجتماعي الديمقراطي" و"الشعب الاشتراكي" و"اللائحة الموحدة" و"راديكال فينسترا" والبديل (الخضر)، حيث تتقدم على المحافظين والليبراليين حاصدة 83 مقعدا. لكن هذه المقاعد ليست كافية لتحقيق الأغلبية، وستحتاج إلى حزب راسموسن، لكي تواصل مرشحة يسار الوسط ورئيسة الحكومة الحالية فريدركسن تشكيل الحكومة الجديدة الشهر القادم.

الجديد في السياسة الدنماركية، وعلى وقع أزمات أسعار الطاقة وارتفاع تكاليف المعيشة وانخراط الدنمارك بصورة نشطة في جهود الغربيين بدعم وتدريب الجيش الأوكراني، بروز "صانع الملوك"، كما بات يطلق على راسمسون المخضرم بعد عقود من العمل السياسي.

الجديد في السياسة الدنماركية بروز "صانع الملوك"، كما بات يطلق على راسمسون المخضرم بعد عقود من العمل السياسي

 فلم يغير هذا السياسي فقط من خطاب سلبي تجاه المهاجرين، بل بات يرشح على قائمته أحد الشبان من أصول أفغانية، ويضم حزبه عديد الشبان من أصول مهاجرة، ويعتبر أنه "حان الوقت لكي نجري التغيير المطلوب لإشعار مواطنينا أنهم جزء من حياتنا"، كما كرر راسموسن لحظة تأسيس حزبه في مايو/أيار الماضي. الخطاب إياه دفع عمليا بالنقاش المتطرف حول المهاجرين إلى مرتبة أدنى في لائحة الحملات الانتخابية.

عملياً، تفرض الاستطلاعات واقعا مختلفا إذا صمدت حتى يوم الانتخابات، فإصرار لارس لوكا راسمسون على رفض العودة إلى حكومات الكتل ودعوته الاجتماعي الديمقراطي، الذي يحقق نحو 24 في المائة، لتشكيل حكومة "وسط"، يعنيان عمليا إقصاء حزبه السابق "فينسترا" (12.7 في المائة) عن أحلامه بتشكيل حكومة يمين وسط برئاسة ياكوب إلمان ينسن (نجل وزير الخارجية الراحل قبل أشهر أوفه إلمان ينسن)، بالتحالف مع المحافظين والاستعانة بأصوات التشدد القومي. 

في كل الأحوال، وبانتظار يوم الحسم في الأول من الشهر القادم، وعلى وقع أزمات متعددة، ومنها ما يتعلق بفضائح داخل أجهزة المخابرات واستمرار معدلات التضخم بالارتفاع، فإن كل تغير في مزاج ورأس الناخبين سيفرض وقائع سياسية وانتخابية غير التي جرت في 2019، وبالتالي، ستكون الكواليس مفتوحة أمام المساومات التي فرضها الصعود الصاروخي لحزب "المعتدلين" بعد أقل من 5 أشهر على تشكيله.

المساهمون