صدر القانون الانتخابي الجديد في تونس، والمتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو 2014، وتم نشره بالجريدة الرسمية، مساء الخميس.
وأقرّ القانون الجديد (المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022) أن "العدد الجملي للمقاعد بمجلس نواب الشعب مائة وواحد وستّون (161 مقعدا)، وحدّد العدد الجملي للدوائر الانتخابية بمائة وواحد وستّين (161 دائرة)".
وحدد عدد المقاعد المخصّصة للدوائر الانتخابية في الداخل بـ151 مقعدا، و10 مقاعد للدوائر الانتخابية بالنّسبة إلى الخارج.
وجاء في القانون أن "التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد"، وأنه "إذا تقدم إلى الانتخابات مترشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يصرح بفوزه منذ الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها".
وجاء في القانون أنه "إذا تحصّل أحد المترشحين في الدائرة الانتخابية على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول، فإنّه يصرح بفوزه بالمقعد".
وأشار القانون الجديد كذلك إلى أنه "يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح".
وكان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أعلن مساء الخميس أنه يسعى إلى احترام موعد الانتخابات التشريعية المقررة يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول، وأنه أصدر المرسوم المتعلق بالانتخابات، والأمر المتعلق بدعوة الناخبين لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان).
وجاء إعلان سعيّد خلال كلمة ألقاها، لدى إشرافه اليوم بقصر قرطاج على أشغال اجتماع لمجلس الوزراء خصص للتداول في مشروع المرسوم وأمر دعوة الناخبين.
وقال سعيّد إنه ستتم في المدة القادمة إضافة جزء جديد للقانون الأساسي المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الجهات والأقاليم، ووضع نص ينظم العلاقات بين المجلسين.
وفي سياق متصل، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، اليوم الخميس، تلقيها من رئاسة الجمهورية "مشروع المرسوم المنظم للانتخابات التشريعية"، المزمعة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وأفاد المتحدث باسم الهيئة، محمد المنصري، بأن "مجلس هيئة الانتخابات بصدد دراسة المشروع، باعتبارها (الهيئة) جهةً استشارية يفرض القانون الأساسي المنظم لعملها استشارتها".
خبيرة تتوقع تهميش الأحزاب
قالت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني، منى كريم الدريدي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، إن "أهم "التحولات بين النظام الانتخابي القديم والجديد هو المرور من نظام الاقتراع على القائمات بنظام النسبية مع أكبر البقايا في دورة وحيدة، إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين مع تحديد الدوائر الانتخابية وإعادة تقسيمها على حساب النظام الجديد، وتقليص عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161 مقعدا".
وأضافت الدريدي "لنتفق أولا أنه ليس هناك أي نظام اقتراع مثالي، فكل نظام انتخابي له مزاياه ومساوئه، فعندما تم الاختيار على نظام الاقتراع على القائمات (نظام الاقتراع النسبي مع أكبر البقايا) من أجل إيجاد مجلس بتمثيلية متنوعة يمكّن من التنظم داخل المجلس في كتل منسجمة ويسهل العمل الحكومي عند التواصل بين الحكومة والبرلمان، أما الذهاب في خيار نظام الاقتراع على الأفراد فسيتسبب في تهميش دور البرلمان رغم اعتماده في عديد الدول".
وأوضحت أن "إشكال هذا النظام يؤدي إلى برلمان مشتت يصعب فيه التنظم وبالتالي سيكون العمل التشريعي صعبا وليس بالسهولة المرجوة. وبالعودة إلى النظام السياسي في الدستور الجديد والاختصاصات والصلاحيات الممنوحة للسلطة التشريعية، نلاحظ تحقيرا لدور البرلمان وبالتالي نفهم سبب اختيار نظام الاقتراع على الأفراد لأنه لم تعد هناك ضرورة للتكتل وأن يكون للأحزاب دور في المشهد السياسي".
وبينت الدريدي أن هذا النظام "يقتضي معرفة خاصة بين الناخبين والمترشح، وهو ما سيفتح المجال أمام عدة مخاطر، فالمال السياسي سيلعب دورا كبيرا في اختيار كثير من النواب، خصوصا في غياب التمويل العمومي الذي كان معمولا به مقابل التمويل الحر والخاص للحملة الانتخابية".
وقالت كذلك إنه "سيؤدي إلى إقصاء المرأة في مجتمع ذكوري لن يكون للمرأة فيه مكانة هامة داخل البرلمان حيث يتم في المجتمع تبجيل الرجال على النساء وبشكل أكبر في المناطق الداخلية".
وقالت إن "هذا النظام في الدوائر الانتخابية التي تقلصت من 217 مقعدا إلى 161 مقعدا في تقسيم جديد يضم عمادات ومعتمديات إلى بعضها، سيغذي خطر الجهويات والعروشية (القبلية)".
وأضافت أن "هذا النظام سيخلق برلمانا غير مستقر"، محذرة من أن "الأخطر هو عدم استقرار المشهد وتشتت العمل البرلماني وصعوبة إيجاد أغلبية منسجمة َمريحة، وهو مفهوم بالعودة إلى طبيعة النظام الرئاسوي الذي تم تكريسه في دستور 2022".
"وكالة آمرة"
وبينت أن "اللافت في هذا المرسوم هو تكريس وكالة آمرة أي أن النائب خاضع للناخبين يأتمر لهم، وحسب طريقة سحب الوكالة لم يعد النائب ممثلا للشعب بأسره ونائبا للأمة، بل أصبح نائبا ممثلا لمن انتخبه وتحت إمرته".
وتابعت "لن نرى مجددا الحرية التي كانت عند نواب البرلمان سابقا، فلن يعبّر مستقبلا أو يتصرف بنفس الحرية، وسيصبح تحت الضغط وتحت رحمة سيف سحب الوكالة المسلط على رقبته ولن يعمل في أريحية كاملة".
وأشارت إلى أن "شرط التزكية (تزكية المترشحين من ناخبين في دائرته لتقديم ترشحه) الذي تم إقراره ليس واقعيا لصعوبة تطبيقه واستحالة التثبت من تكرار تزكية نفس الناخب لمترشحين مختلفين".
في المقابل، أشارت الدريدي إلى أن "هناك بعض مزايا في المرسوم الجديد والتي لم تكن في القانون الانتخابي وهذه الشروط التي نأمل أن تطبق، وتتعلق بنزاهة النائب كشرط الخلو من السوابق العدلية وتقديم الإقرار الضريبي وإبراء الذمة البلدي ومنع الترشح على مزدوجي الجنسية".