تعيين ريتشارد هيرمر مدعياً عاماً في بريطانيا: استدارة نحو اليسار؟

10 يوليو 2024
المدعي العام ريتشارد هيرمر في لندن، 9 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعيين ريتشارد هيرمر كمدعي عام بريطاني**: تم تعيين المحامي المتخصص في حقوق الإنسان، ريتشارد هيرمر، كمدعي عام بريطاني من قبل رئيس الحكومة كير ستارمر، وسيحصل على لقب اللورد مدى الحياة.

- **مواقف هيرمر القانونية والسياسية**: يعكس تعيينه توجهاً نحو اليسار الناعم، وله تاريخ في محاسبة الشركات متعددة الجنسيات ودعم حقوق الإنسان، مثل انتقاده لمشروع قانون مكافحة المقاطعة.

- **تأثير التعيين على الموقف من إسرائيل وغزة**: يُعتقد أن تعيين هيرمر قد يعزز موقف الحكومة بشأن غزة، وله مواقف صريحة حول الوضع في إسرائيل وغزة، ودعا إلى مراعاة القوانين الدولية.

تناولت وسائل الإعلام البريطانيّة، هذا الأسبوع، باهتمام بالغ خبر تعيين ريتشارد هيرمر في منصب المدّعي العام البريطاني، من قبل رئيس الحكومة الجديدة كير ستارمر، وهو ما سيمنح القدرة على لعب دور محوري في تقديم المشورات القانونيّة في قضايا داخليّة وخارجيّة.

والمحامي ريتشارد هيرمر (55 عاماً) الذي عُيّن بداية الأسبوع الحالي، هو ليس عضواً في البرلمان، وسيُمنح بدلاً من ذلك لقب اللورد مدى الحياة للجلوس في مجلس اللوردات، ليصبح مدعياً عاماً في إنجلترا وويلز، وسيلعب أدواراً متنوعة، أبرزها تقديم المشورة القانونيّة للوزراء، والإشراف على مكتب مكافحة الاحتيال الخطير، وهيئة الادعاء الملكيّة، وقد يُمثل الحكومة في القضايا القضائيّة الأكثر شهرة.

ما الذي يعنيه تعيين ريتشارد هيرمر؟

ويعكس تعيين ريتشارد هيرمر خياراً يميل أكثر نحو اليسار الناعم، كون المحامي المتخصص في حقوق الإنسان، كان له رأياً قانونياً قدّمه في السابق لحزب العمّال، نُشر العام الماضي، بشأن مشروع قانون مكافحة المقاطعة الذي قدمته حكومة المحافظين السابقة، قائلاً إنه سيحد من حرية التعبير. ولم يصبح مشروع القانون، المعروف رسمياً باسم مشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة (المسائل الخارجية)، قانوناً في نهاية المطاف، بعد فشله في إكمال العملية التشريعية قبل حل البرلمان الأخير قبل الانتخابات العامة يوم الخميس الماضي، إلا أن المشروع كان يستهدف بالأساس حركة مقاطعة إسرائيل في بريطانيا، ويمنع المجالس المحليّة ومؤسسات عامّة من مقاطعة دول دون موافقة الحكومة.

وجاء في مداخلة ريتشارد هيرمر في حينها حول القانون، أنه "من المرجح أن يكون لمشروع القانون الذي جرت صياغته بشكل سيء للغاية تأثير ضار على قدرة المملكة المتحدة على حماية وتعزيز حقوق الإنسان في الخارج، وهو لا يتوافق في بعض النواحي مع التزاماتنا بموجب القانون الدولي، وسوف يخنق حريّة التعبير في الداخل من قبل السلطات المحليّة على أيدي وزير الخارجيّة، ومن المرجح أن يؤدي إلى مجموعة من النتائج غير المنطقيّة".

ويرى بعض المراقبين في اختيار ريتشارد هيرمر بدلاً من المحامية إميلي آن ثورنبيري، التي كانت المدعية العامّة في حكومة الظل لستارمر على مدار أربع سنوات، وكان متوقعاً أن يجري اختيارها لهذا المنصب في الحكومة الحاليّة، يمثل استدارة نحو القواعد اليساريّة في الحزب، والتي خسر العمّال قسماً منها خلال الانتخابات الأخيرة.

وتشير الأدوار السابقة لهيرمر، اهتمامه في قضايا محاسبة الشركات متعددة الجنسيات. ففي عام 2021، قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأنه يمكن لآلاف القرويين النيجيريين ملاحقة شركة شل، باعتبارها الشركة الأم بسبب الانسكابات النفطيّة المرتبطة بشركتها التابعة في المنطقة، في قضية قانونية رائدة بقيادة هيرمر.

مهام ريتشارد هيرمر

وستكون إحدى مهام ريتشارد هيرمر الأولى هي تحديد ما إذا كان مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة يمكنه المضي قدماً في توجيه الاتهامات ضد موظفي شركة جلينكور السابقين بشأن الرشوة في أفريقيا، وكانت له تصريحات سابقة تحدث فيها عن عدم شرعيّة مشروع قانون الهجرة في ترحيل اللاجئين إلى رواندا. كما قدم هيرمر قضايا مراجعة قضائيّة نيابة عن الأفغان، مما أدى إلى التحقيق الذي أجرته المملكة المتحدة فيما إذا كانت قوات القوات الخاصّة البريطانيّة قد نفذت جرائم قتل في أفغانستان وتسترت عليها.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، كان هيرمر يمثل المعتقل الفلسطيني السابق في خليج غوانتانامو أبو زبيدة، في قضيته المرفوعة ضد وزارة الخارجية البريطانية. واتهم أبو زبيدة، الذي يقول إنه تعرض للتعذيب الشديد أثناء احتجازه في "المواقع السوداء" التابعة لوكالة المخابرات المركزية، أجهزة الأمن والمخابرات البريطانيّة بالتواطؤ في سوء معاملته من خلال تمرير أسئلة إلى وكالة المخابرات المركزية لطرحها أثناء الاستجواب. وقضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة في 20 ديسمبر/كانون الأول بأن له الحق في رفع دعوى قضائية ضد جهازي الاستخبارات MI5 وMI6 بموجب قوانين إنجلترا وويلز.
وقال مارتين داي، المؤسس المشارك لشركة المحاماة لي داي، التي كلفت هيرمر في عدد من القضايا البارزة، إن "مهارته في المحكمة تعتبر من الدرجة الأولى. قدرته على الإقناع ممتازة"، مضيفاً: "إنه جيد جداً في قياس مكان تموضع القضاة".

ولهيرمر مواقف صريحة بشأن الوضع في إسرائيل وغزة، ففي العام الماضي وقبل أسابيع من بدء حرب إسرائيل ضد غزّة وارتكاب إبادة جماعيّة، اصطحب هيرمر مجموعة من المحامين في رحلة استطلاع إلى المنطقة، وزار المحاكم العسكريّة واجتمع بمستشاري حقوق الإنسان على الأرض، وفقاً لأشخاص كانوا ضمن هذه الرحلة. كما شارك في تأليف فصل في كتاب بعنوان "تواطؤ الشركات في الاحتلال الإسرائيلي: أدلة من جلسة لندن لمحكمة راسل بشأن فلسطين"، الذي شارك في تحريره آسا وينستانلي وفرانك بارات. ويقول الكتاب إنه يهدف إلى "دراسة تورط الشركات في الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينيّة من قبل إسرائيل". كما ذكرت تقارير صحافية أنه تحدث في فعاليات لمحامين من أجل حقوق الإنسان في فلسطين. 

وفي رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة "فاينانشال تايمز"، في أكتوبر/ تشرين الأول، كان ريتشارد هيرمر واحداً من مجموعة من كبار المحامين اليهود الذين دعوا إسرائيل إلى مراعاة القوانين الدوليّة في ردها على هجمات حماس. ووصفت الرسالة عملية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول بأنها "جريمة حرب"، لكنها شددت على أن رد إسرائيل يجب أن يتوافق مع القانون الدولي. والآن، قد يُطلب من هيرمر تقديم المشورة بشأن موقف المملكة المتحدة بشأن طلب المحكمة الجنائيّة الدوليّة إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

وفي مايو/أيار من العام الماضي، كان ريتشارد هيرمر من بين عشرات المحامين الذين شاركوا في التوقيع على رسالة "محامون من أجل حقوق الإنسان الفلسطينية"، التي تدعو حكومة المملكة المتحدة إلى المشاركة بشكل بناء في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية للإجراءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقيّة وقطاع غزّة، في الوقت الذي رفضت فيه المملكة المتحدة، في ظل حكومة المحافظين السابقة تدخل محكمة العدل الدوليّة في هذا الشأن.

وجاء في الرسالة في حينه: "يقود الحكومة الإسرائيلية ائتلاف من الأحزاب اليمينيّة المتطرفة هدفها المشترك هو الضم الرسمي للضفة الغربيّة، وتوسيع واقع الدولة الواحدة المتمثل في الحقوق غير المتساوية لأكثر من خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال". 

ما التأثيرات على الموقف من حرب غزة؟

ويعتقد بعض مسؤولي الحزب أن تعيين ستارمر لهيرمر، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"، يشير إلى أن رئيس الوزراء الجديد قد يكون "مستعداً لتعزيز موقفه" بشأن غزة، وهو الأمر الذي كلف الحزب أصواتاً وخمسة مقاعد على الأقل في الانتخابات. ومع ذلك، أصرّ مسؤولون آخرون على أن التعيين لا يشير إلى أن حزب العمل سيتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه إسرائيل.

وفي مواجهة الانتقادات بشأن موقفه من إسرائيل، أكد هيرمر في وقت سابق بحسب موقع "جويش نيوز"، أن لديه "أفراداً عزيزين من عائلته يخدمون حالياً في الجيش الإسرائيلي". وأضاف أيضاً "أنا أدعم بنشاط مجموعة من المنظمات اليهوديّة والإسرائيليّة".

وعلّق اللورد بيتر جولدسميث، المدعي العام السابق لحزب العمال على هذا التعيين، بالقول: "أستطيع أن أفهم تماماً، سبب رغبة كير ستارمر في الحصول على محام مناسب، محامٍ ذو خبرة كبيرة للقيام بهذه الوظيفة المهمة". وقال اللورد تشارلز فالكونر، مستشار حزب العمال السابق، إن هيرمر كان "شخصاً ذكياً وبصيراً" ولكنه يتمتع أيضاً "بروح الدعابة الجيدة، إنه من كبار المفكرين ومن كبار المحامين، لكنه يتمتع بشعبية كبيرة بين الناس".

المساهمون