اختتم المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (البرلمان الصيني)، أول من أمس الاثنين، اجتماعه السنوي في العاصمة بكين، باتخاذ حزمة قرارات جديدة من شأنها أن تعزز سلطة ونفوذ رئيس البلاد شي جين بينغ. وشارك في الاجتماعات التي استمرت أسبوعاً كاملاً نحو 3 آلاف مندوب عن عدة أقاليم ومحافظات صينية.
وحسب بيان نشرته وسائل إعلام رسمية صينية، تمت الموافقة على 7 قرارات بالأغلبية الساحقة، من بينها: تقرير عمل الحكومة الذي يستهدف النمو الاقتصادي هذا العام بنحو 5 في المائة، بالإضافة إلى اعتماد الميزانية التي تتضمن زيادة بنسبة 7.2 في المائة في بند الإنفاق الدفاعي.
كما وافق المجلس على مراجعة القانون الأساسي لمجلس الوزراء، الذي تضمن دعوة الحكومة إلى التمسك بالمبادئ التوجيهية لشي، وضمان استمرار قيادة الحزب الشيوعي. كما تم اعتماد قوانين أمنية معدلة، وذلك ضمن خطة تهدف إلى الحفاظ على سيادة وأمن البلاد، ومنح صلاحيات أوسع للحزب من أجل التصدي للتهديدات الداخلية والخارجية.
وكان لافتاً في هذه الدورة، إلغاء المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء لي تشيانغ، إذ دأب رؤساء الوزراء السابقون على مدار ثلاثة عقود على عقد مؤتمر صحافي في ختام الاجتماعات السنوية، لتقديم إحاطة بشأن أبرز القرارات. واعتبر مراقبون أن ذلك يشير إلى مزيد من التراجع في نفوذ رئيس الوزراء، الذي يعتبر الرجل الثاني بعد الرئيس وأعلى مسؤول في أجهزة ومؤسسات الدولة.
إخضاع رئاسة الوزراء
حول أبرز القرارات التي اتخذها المشرعون في تعديلات البرلمان الصيني قال الباحث في معهد "وان تشاي" للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث لـ"العربي الجديد" إن ما يمكن أن نقف عنده في هذه الدورة، إقرار البرلمان الصيني تعديلات على القانون الأساسي لمجلس الوزراء، تضمنت فقرات تنص على أن المجلس يجب أن يدعم قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، ويحمي القيادة المركزية للجنة المركزية للحزب بقيادة الرئيس شي. وهذا إلزام صريح، حسب قوله، لكافة مؤسسات الدولة التي يديرها مجلس الوزراء بالانصياع لرغبة الحزب وقيادته، بمعنى آخر أصبحت رئاسة الوزراء مجرد أداة تنفيذية لسياسات الحزب وخططه الاستراتيجية سواء ما يتعلق بالشأن الداخلي أو الخارجي.
ليو مينغ: أصبحت رئاسة الوزراء مجرد أداة تنفيذية لسياسات الحزب
وهذا يفسر أيضاً، وفق ليو، قرار الحزب بإلغاء مؤتمر رئيس الوزراء السنوي، الذي كان يعتبر نافذة نادرة للرجل الثاني في الدولة لمخاطبة وسائل الإعلام الأجنبية. فحتى هذه المساحة تم حرمان رئيس الوزراء منها، الأمر الذي يؤكد تشديد شي قبضته على عصب الحزب والدولة معاً وفي آن واحد.
ولفت ليو إلى أن هذا القرار يأتي تتويجاً لسلسلة من الإجراءات التي اتخذها الحزب، منذ تمديد ولاية الرئيس شي لفترة ثالثة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وقال إن الحزب عمد خلال العامين الماضيين إلى إعادة هيكلة البنية الحكومية، التي تركزت حول تقليص مؤسسات الدولة مقابل توسيع صلاحيات الحزب للاستفراد بالقرارات التنفيذية ولتكون جميعها في قبضة شي.
وتوقع ليو أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من تقليص الصلاحيات الحكومية، وربط هذا التوجه بإقالة العديد من المسؤولين الكبار في الدولة من دون تقديم تفسيرات للرأي العام الصيني. وأعاد التذكير بإقالة تسعة مسؤولين كبار في نهاية العام الماضي، من بينهم أربعة جنرالات من الوحدة المسؤولة عن الصواريخ الاستراتيجية، وذلك في أعقاب إقالة وزير الدفاع الصيني السابق لي شانغ فو.
الاقتداء بماو تسي تونغ
في تعليقه على توسيع صلاحيات الحزب الشيوعي على حساب الدولة، قال أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن شي يسير على خطى الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، من خلال إعادة إحياء القيادة الفردية وحصر السلطات في قبضته، وهي حقبة لم تنته إلا بموت ماو في عام 1976.
وأشار إلى أنه في تلك الفترة لم يكن لمنصب رئيس الدولة أهمية في اتخاذ القرارات، مشيراً إلى انه بين عامي 1959 و1968 كان ليو شاو تشي رئيساً للدولة، بينما كان ماو تسي تونغ رئيساً للحزب، ومع ذلك شهدت البلاد محطات تاريخية نتيجة قرارات اتخذها بشكل منفرد ماو، من بينها ما يعرف بـ"الثورة الثقافية" (بين عامي 1966 و1976).
واعتبر جين أنه لم تحدث انفراجة في تركيز السلطات إلا في عهد الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ، الذي أطلق في أواخر السبعينيات سياسة الإصلاح والانفتاح، وشملت مسارين سياسيا واقتصاديا. ومنذ ذلك الحين برز منصب رئيس الوزراء كواجهة قوية للتعبير عن سلطة الدولة، ولعل ون جيا باو الذي تقلد المنصب عام 2003 واحد من بين أبرز رؤساء الوزراء الصينيين الذين مثلوا الصين في المحافل الدولية.
ولفت جين إلى أن تعديلات البرلمان الصيني التي تهدف في المقام الأول، حسب رأيه، إلى تعزيز سلطة شي، من شأنها أيضاً أن تأتي بنتائج عكسية تعيق عجلة الاقتصاد والتنمية وتضر بالمصالح الحيوية للصين. وأوضح أن تركيز السلطة في شخص الرئيس وعودة القيادة الفردية إلى الواجهة، سيؤديان بطبيعة الحال إلى بطء اتخاذ القرارات، لأن كل شيء يجب أن يمر أو يصدر عبر قنوات شي الخاصة.
ولا يعقل، حسب قوله، أن تدار دولة بحجم الصين في قطاع المؤسسات والحركة الاقتصادية والتجارية بسلطة فرد مهما علا شأنه، فضلاً عن أن ذلك سيؤثر على ثقة المستثمرين والشركات الأجنبية العاملة في البلاد. وأضاف أن ذلك سيخلق تداخلاً مربكاً بين الاقتصاد والأمن والسياسة.
تعديلات البرلمان الصيني والسيادة الوطنية
من جهته، رأى أستاذ الدراسات السياسية في جامعة جينان الصينية، شياو لونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تعديلات البرلمان الصيني تهدف إلى حماية سيادة الدولة ومصالحها الأمنية، وتأتي في إطار تعميق إصلاح مؤسسات الحزب والدولة بموجب التعديلات التي شهدها دستور البلاد في عام 2018، التي تنص على تأكيد قيادة وسلطة الحزب الشيوعي للجمهورية الشعبية.
شياو لونغ: الإجراءات الجديدة مرتبطة بقانون حماية أسرار الدولة ومكافحة قضايا التجسس
وأضاف شياو أن مثل هذه الإجراءات لا تحتمل التأويل السياسي، لأنها منسجمة مع روح الدستور وجاءت بإجماع المشرعين، لافتاً إلى أن أي حديث عن صراع داخل السلطة أو خلافات بين الحزب والحكومة، مجرد روايات تنسجها قوى غربية تهدف إلى النيل من صعود الصين وبروزها كقوة رائدة ومسؤولة على الساحة الدولية.
وأشار إلى أن تعديلات البرلمان الصيني ليست وليدة اللحظة، إذ شهد عام 1982 أول تعديل على القانون الأساسي لمجلس الوزراء، وهدف التعديل إلى توسيع صلاحيات الحزب في أعقاب إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية آنذاك. ولفت إلى أنه بموجب الدستور الصيني، يشرف رئيس الوزراء بصورة مباشرة على 21 وزارة حكومية في البلاد، بالإضافة إلى ممارسة الرقابة على عمل الحكومات المحلية في الأقاليم والمحافظات المختلفة.
وعن التعديلات الأمنية، أوضح شياو أن جميع الإجراءات الجديدة مرتبطة بقانون حماية أسرار الدولة ومكافحة قضايا التجسس والقرصنة، منوّهاً إلى أن أحد البنود الأمنية، تعزيز قانون مكافحة التجسس، ومنح الحزب المزيد من الصلاحيات في تقييد الوصول إلى المعلومات حتى بالنسبة لبعض الإدارات الحكومية الرئيسية.
وقال إن ذلك ينسجم مع جهود بكين لتوسيع نطاق الأمن القومي، منذ وصول شي جين بينغ إلى سدة الحكم قبل أكثر من عقد من الزمن، كما يعكس محاولات الحزب والدولة للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.
يذكر أن مجلس الدولة، أو ما يعرف برئاسة الوزراء، هو الجهاز التنفيذى للهيئة العليا لسلطة الدولة. وهو أيضاً الهيئة العليا لإدارة الجمهورية الشعبية، ويخضع لرئاسة الوزراء ديوان المجلس و29 وزارة ولجنة ومصلحة حكومية، من بينها: المكتب الإعلامي الذي يدير وسائل الإعلام في البلاد، وجهاز التدقيق والرقابة والهيئات العامة التابعة له.
ولكن خلال السنوات العشر الماضية سُحبت العديد من صلاحيات المجلس لصالح الحزب الشيوعي، ولعل أبرز الهيئات التي انضمت للحزب، جهاز التدقيق والرقابة الذي يخضع مباشرة لشي، ويعتبر هذا الجهاز الذراع التي يقود بها الرئيس الصيني حملته لمكافحة الفساد داخل الحزب والدولة.