تظاهرات كولومبيا: تفاقم النفور الشعبي من حكومة دوكي

06 مايو 2021
دخلت التظاهرات في كولومبيا أسبوعها الثاني (خوانشو توريس/Getty)
+ الخط -

على الرغم من التداعيات الخطيرة التي يتركها تفشي وباء كورونا على اقتصاد دول أميركا الجنوبية، لا يمكن الجزم بارتباط التظاهرات الشعبية في هذا البلد، ضد حكومة الرئيس اليميني إيفان دوكي، والتي دخلت أمس الأربعاء، أسبوعها الثاني، فقط بمشروع دوكي للتعديل الضريبي، والهادف إلى احتواء هذه التداعيات. فقد أصبح دوكي، وهو أصغر رئيس كولومبي منذ عقود طويلة، تجسيداً للشخصية السياسية التي ينفر الكولومبيون من كلّ ما تقوله أو تفعله. وعلى الرغم من أن الرجل لا يحمل وحده وزر تاريخ طويل من "سياسة الخوف" في كولومبيا، ومن اللامساواة القياسية في توزيع الثروات، ومن امتزاج الدم بأي حراك ثوري، بل حتى من جنوح المواطنين غالباً نحو اليمين، فإن عهده الذي بدأ في العام 2018، والذي بُني على مرحلة جديدة من "السلام"، أخفق في تحقيق ما كان الكولومبيون يأملون منه، لجهة ردم الهوة بين الطبقات، ليزيد الفساد خلال عهده، وتحكم النخبة المالية والاقتصادية، من قلّة الثقة الشعبية بإمكانية الإصلاح.

تأتي التظاهرات مترافقة مع عنف شرطي وأمني أدى إلى سقوط أكثر من 20 قتيلاً و800 جريح

بناءً على هذه الخلفية، وفي محيط فاقمت توتراته تداعيات كورونا، تجدّدت التظاهرات في كولومبيا، مرة أخرى، منتصف الأسبوع الماضي، ضد السياسة الحكومية لحكومة اليمين بقيادة دوكي، وهي ليست الأولى من نوعها في عهده، الذي شهد تظاهرات سابقة منذ العام 2019، تراوحت مسبباتها بين عمليات القتل التي استهدفت المئات من الناشطين الحقوقيين، واليساريين، ورفضاً لخططه الاقتصادية والمالية غير الشعبية. وتأتي التظاهرات الجديدة، مترافقة مع عنف شرطي وأمني أدى إلى سقوط أكثر من 20 قتيلاً و800 جريح، في أسبوع واحد، مع تأكيد منظمات حقوقية أن عشرات الأشخاص أيضاً أصبحوا في عداد المفقودين. وفيما تبدو النقابات العمالية، التي انضم إليها ذوو الدخل المتوسط والمتدني من السكّان، مصممةً على الاستمرار في حراكها والإضراب العام، تتهم المنظومة السياسية، اليسار الراديكالي، وحركات التمرد (فارك وجيش التحرير الوطني)، بالوقوف وراء الحراك، لا سيما في مدينة كالي، التي تحولت إلى بؤرة عنف وعنف مضاد. وفيما ندّد المجتمع الدولي، بالعنف الممارس ضد المتظاهرين، إلا أن الدعم الأميركي لإيفان دوكي، يبقى الغطاء الذي يصعب إمكانية حدوث تغيير جذري، لجهة استقالته، أو لجهة دخول البلاد في عملية إصلاح شاملة تعالج مشكلة اللامساواة الفاقعة بين الطبقات، وبين وسط كولومبيا وريفها.

ودخلت كولومبيا، أمس الأربعاء، أسبوعها الثاني من التظاهرات والتعبئة النقابية المناهضة للحكومة اليمينية برئاسة دوكي، على الرغم من سحب الأخير يوم الأحد الماضي، مشروعه للتعديل الضريبي، الذي لا يلقى موافقة من غالبية السكان، وكذلك من معظم الأحزاب السياسية التي تتحضر للانتخابات. وتحولت التظاهرات من المطالبة بسحب المشروع، الذي كان بدأ الترويج له منذ منتصف العام الماضي، إلى المطالبة بتغيير السياسات الصحّية والتعليميّة والأمنيّة، ومن أجل إدانة انتهاكات الشرطة. وأسفرت أعمال العنف، عن مقتل 24 شخصاً على الأقلّ، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن هيئة "الدفاع عن الشعب" العامة لحماية الحقوق، كما تحدّثت الهيئة يوم الإثنين الماضي، عن أن هناك 87 مفقوداً. وسقط 846 جريحاً في المحصلة، خلال تظاهرات الأيّام الماضية. لكن منظمات غير حكومية محلّية أعلنت عن أرقام أعلى، خصوصاً منظمة "تمبلوريس" التي أشارت إلى سقوط 37 قتيلاً. وتظاهر الآلاف أمس في العاصمة بوغوتا، بدعوة خصوصاً من لجنة الإضراب الوطني، التي كانت وراء انطلاق الحراك، رافعين شعارات مثل "دوكي استَقِل". وتجمع المتظاهرون في ساحة بوليفار في وسط العاصمة، حيث مقرّ الرئاسة والبرلمان، وحيث دارت اشتباكات بينهم وبين قوات الشرطة التي فرقتهم بالغاز المسيل للدموع أثناء محاولتهم دخول البرلمان، كما توجهت مجموعات متظاهرة إلى منزل الرئيس. ورصدت وكالات الأنباء العالمية، مراكز للشرطة محترقة وعمليات تخريب طاولت محطات للحافلات وفروعاً لمصارف.
وكانت التعبئة العامة ضد مشروع دوكي الضريبي، قد بدأت في 28 إبريل/نيسان الماضي، لكن الرئيس أعلن يوم الجمعة الماضي، موافقته على مراجعة المشروع، ليعود ويسحبه من الكونغرس بعد يومين. ودفع الحراك وزير المال ألبرتو كاراسكيلا، وهو مهندس المشروع، إلى الاستقالة الإثنين الماضي، لاسيما بعدما لاقى إخفاقه في مقابلة صحافية سابقة، في معرفة سعر دزينة البيض، انتقاداً واسعاً.

دفع الحراك وزير المال ألبرتو كاراسكيلا،  إلى الاستقالة يوم الإثنين الماضي

وتضمنت خطة الإصلاح الضريبي غير الشعبية، فرض ضريبة بحدود 19 في المائة على مبيعات الغاز، وتوسعة قاعدة المشمولين بضريبة الدخل، لتشمل الأفراد الذين يتلقون راتباً شهرياً بحدود الـ700 دولار وما فوق، ما رأت فيه النقابات تهديداً للطبقة الوسطى ومزيداً من الإفقار (حوالي نصف السكان اليوم مصنفون فقراء). وقالت الحكومة إنها بحاجة للمال، لتغطية التحسينات الصحية، والاستمرار في تطبيق خطة مساعدة بدأتها مع تفشي وباء كورونا.  
من جهته، ندّد دوكي بـ"التخريب العنيف" الذي يتهم المتظاهرين بممارسته، وبدأ فعلاً حواراً كان دعا إليه، لكن من دون ممثّلين عن الحراك. وفي الأثناء، أعلن وزير الدفاع دييغو مولانو عن إرسال تعزيزات فورية للبلاد، من أكثر من 700 جندي و500 من القوات الخاصة، لمكافحة الشغب، بالإضافة إلى 1800 ضابط شرطة، فيما أكدت الحكومة أن الاضطرابات هي من تدبير مجموعات مسلّحة.
وفي وقت تعصف الموجة الثالثة من فيروس كورونا بكولومبيا، تستمر التظاهرات في الشوارع في مدن بوغوتا وميديلين وبارانكيا ونيفا وغيرها. لكن الحراك في مدينة كالي، جنوب غربي البلاد، ظلّ الأكثر اتساماً بالعنف. وشهدت هذه المدينة أعنف الحوادث المرتبطة بالاضطراب الشعبي، حيث أغلق المتظاهرون معظم الطرق الرئيسية، كما هوجمت العشرات من مراكز الشرطة والمباني الحكومية والتابعة لشركات خاصة. ويقول خبراء في الشأن الكولومبي، إن عوامل عدة ساهمت في تفاقم الوضع في كالي، إذ إن المنطقة ظلّت لعقود متأثرة بالصراعات الدائرة بين الحركات المتمردة والدولة، وكذلك بين الأخيرة وتجار المخدرات، بالإضافة إلى وفرة السلاح المنتشر في المنطقة.
(العربي الجديد)

 

المساهمون