كشفت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، عن بعض تفاصيل لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنظيره القبرصي نيكوس أنستاسيادس، في القاهرة الأسبوع الماضي، وطبيعة العلاقات مع تركيا خلال الفترة المقبلة، وهي القضية التي يبدو أنها شغلت حيزاً كبيراً من النقاشات بينهما، رغم عدم الإشارة إليها من قريب أو بعيد في البيانات الرسمية الصادرة عن اللقاء.
وبحسب المصادر، فإن الرئيس القبرصي وجّه لنظيره المصري تساؤلات عدة حول طبيعة التقارب الحالي مع تركيا، قبيل انعقاد جولة المباحثات الاستكشافية الثانية بين البلدين، والتي أجريت بالفعل على مدار اليومين الماضيين في أنقرة، مبدياً قلق بلاده، وكذلك اليونان، من أن يكون التقارب على حسابهما، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وكذلك على صعيد التعاون بين دول منتدى شرق البحر المتوسط في سوق إنتاج وتداول الغاز.
أكد السيسي أن التنسيق مع تركيا لن يكون يوماً موجهاً ضد قبرص واليونان
وأوضحت المصادر أن السيسي طمأن أنستاسيادس بعبارات واضحة بأن المباحثات مع تركيا لا تزال في طور البحث عن نقاط للالتقاء يمكن البناء عليها مستقبلاً، وأن التنسيق لن يكون يوماً ما موجهاً ضد قبرص واليونان. وبحسب المصادر نفسها، فإنّ السيسي أكد أن مصر وضعت حزمة شروط طلبت تحققها، تتضمن عدم المساس بالسيادة القبرصية، والابتعاد عن التصرفات الاستفزازية في المناطق المتنازع عليها، والالتزام بقواعد القانون الدولي، والابتعاد عن فرض ترسيم الحدود البحرية من طرف واحد كأمر واقع.
وذكرت المصادر أن السيسي طلب من أنستاسيادس، في المقابل، أن تستمر قبرص في دورها الداعم للنظام المصري من خلال الاتحاد الأوروبي، من الناحيتين السياسية والمالية، ومواجهة محاولات الضغط على القاهرة، أو وقف التعامل معها، أو فرض بعض العقوبات على خلفية الملفات الحقوقية والسياسية، والملاحظات الأوروبية العديدة التي تسجل على أداء القاهرة، والتركيز على سبل تطوير العلاقات بين البلدين.
من جهته، تعهّد أنستاسيادس باستمرار جهود التقريب بين مفوضية الاتحاد الأوروبي ومصر، ودعوة الأخيرة إلى الفعاليات المختلفة التي تنظم في نيقوسيا لمسؤولي الاتحاد، كجزء من الترويج للنظام المصري بين المسؤولين الجدد للهيئات الأوروبية المختلفة. ووفقاً للمصادر، فقد اتفق السيسي وأنستاسيادس على تعميق التعاون مع اليونان وفرنسا في الملفات العسكرية والأمنية والاستخبارية، الأمر الذي لا يُقرأ إلا كامتداد لحملة الدول الأربع المستمرة منذ سنوات ضد أنقرة، والتي تبدو القاهرة وباريس أقل حماساً للانخراط فيها حالياً، في ظل رغبتهما في تحسين ظروف العلاقة مع حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتعليقاً على هذه المعلومات، قال مصدر دبلوماسي مصري مطلع إن الأولوية في حزمة الشروط المصرية في الحوار مع تركيا تتعلق بالأوضاع في ليبيا والمشاكل السياسية بين البلدين، ولا تشغل اليونان وقبرص حيزاً كبيراً فيها، لأن البلدين اتفقا، خلال المباحثات الاستكشافية الأولى في مايو/أيار الماضي، على تجنيب علاقات تركيا معهما عن طاولة التفاوض، وبحيث تحتفظ كل منهما بحقها في التعبير عن مواقفها إزاءها بالصورة التي تناسبها، وفقاً لسياساتها وخريطة علاقاتها الإقليمية، ولكن من دون تطرّف أو مغالاة تؤثر سلباً على التقارب.
الأولوية في حوار مصر مع تركيا تتعلق بالأوضاع في ليبيا والمشاكل السياسية بين البلدين
وشهد لقاء السيسي وأنستاسيادس الإعلان رسمياً عن الربط بين حقل غاز "أفروديت" القبرصي ووحدتي الإسالة المصريتين في إدكو ودمياط، أسوة بما تم سلفاً مع حقل "لفيتان" المملوك لإسرائيل، الأمر الذي قد يساهم في طبيعة ملكية شبكة الأنابيب المقامة بين مصر ودولة الاحتلال، والمملوكة حالياً لشركة جديدة أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، والمقترح توسيعها حالياً لتشمل قبرص، وربما دولاً أخرى.
وسبق أن قالت مصادر مصرية إن استئناف الاتصالات بين القاهرة وأنقرة مرتبط أيضاً بالترتيبات الأميركية الجديدة في المنطقة، والتي ترحب بالتقارب بين مصر وتركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والإسراع في تنفيذ مقاربة جديدة في سوق الغاز بالمنطقة للتصدي للأطماع الروسية، فضلاً عن خفوت الانتقادات الفرنسية لأنقرة في الآونة الأخيرة واضطرار الجانبين للعمل سوياً في عدة ملفات، وتوجيه باريس دعوة رسمية للرئيس التركي للمشاركة في مؤتمر دول الجوار في بغداد. وبحسبها، فقد ركزت الجولة الثانية من المباحثات على ملف الانتخابات الليبية والتواجد العسكري، الذي يمثل حساسية خاصة بالنسبة لمصر، حتى مع تحسن العلاقات الواضح مع الحكومة الليبية في طرابلس.