تصعيد شرقي الفرات: قياديو "قسد" أهداف للطيران التركي المسيّر

23 اغسطس 2021
تسيطر "قسد" على الشمال الشرقي من سورية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

توعدت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) الجانب التركي بالرد على هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت قياديين في هذه القوات في منطقة نهر الفرات السورية، وهو ما يفتح الباب في حال حدوثه لتصعيد عسكري واسع النطاق، ربما يفضي إلى عملية من قبل الجيش التركي في عمق الأراضي السورية. وأعلنت "قوات سورية الديمقراطية"، في بيان الجمعة الماضي، أنها "لن تظل صامتة" إزاء الهجمات المتكررة من قبل الجيش التركي على مواقع تابعة لها في شرقي الفرات وغربه، تؤدي إلى مقتل قياديين فيها، بعضهم ليسوا سوريين. وبحسب هذه القوات، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، فإن حساب "المحتل التركي سيكون عسيراً"، مشيرة إلى أن "المنطقة دخلت، بضمان أميركي ــ روسي، مرحلة وقف إطلاق النار، لكن الدولة التركية لم تلتزم أبداً بوقف إطلاق النار هذا، وواصلت هجماتها بكافة الوسائل".

أعلنت "قسد" أنها "لن تظل صامتة" على الهجمات التركية

وكان الجيش التركي قد قصف، الخميس الماضي، بطائرة مسيرة، مقراً للمجلس العسكري، التابع إلى "قسد"، في بلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ما أدى إلى مقتل عدد من قياديي هذا المجلس. كذلك قتلت طائرة مسيّرة تركية منذ عدة أيام، قيادياً بارزاً في "قسد" يحمل الجنسية الإيرانية، هو ريناس روج. وقالت "قوات سورية الديمقراطية"، في بيانها، إنه كان أحد قادتها، وكان "عضواً في مجلس وحدات حماية الشعب وينحدر من شرقي كردستان".
وتنظر أنقرة إلى "قوات سورية الديمقراطية" على أنها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يضم مسلحين أكراداً من تركيا وإيران وسورية والعراق، ويتخذ من جبال قنديل، على الحدود العراقية التركية، مقراً رئيسياً لقيادته. وتؤكد مصادر مطلعة في شرق نهر الفرات أن قياديين لا يحملون الجنسية السورية يتولون أهم مفاصل القرار الأمني والعسكري والاقتصادي في المنطقة التي يُنظر إليها على أنها "سورية المفيدة"، بسبب غناها بالثروات، وخاصة النفط، فضلاً عن موقعها الجغرافي المهم. وتعتبر تركيا هذا الحزب تهديداً مباشراً لأمنها القومي، لذا تلجأ بين فترة وأخرى إلى استهداف قياديين فيه، وخاصة في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ"شرق الفرات" الذي تسيطر "قسد" عليه بشكل شبه كامل، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي أقامت العديد من القواعد العسكرية بالقرب من حقول وآبار البترول الرئيسية في ريفي الحسكة الجنوبي والشرقي، حيث حقول رميلان والشدادي، وفي ريف دير الزور الشرقي حيث حقل العمر الذي يعد الأكبر في سورية، وحقل كونيكو للغاز.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكان الجيش التركي شن عملية عسكرية أواخر عام 2019 شرقي الفرات، انتهت بعد أيام بسيطرته على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وبعمق 33 كيلومتراً، لتبديد مخاوف الأتراك من "قوات سورية الديمقراطية" وحماية جانب كبير من حدودهم الجنوبية مع سورية، والبالغة 440 كيلومتراً في منطقة شرقي الفرات وحدها. ولم تجد "قسد" بُدّاً من اللجوء إلى الجانب الروسي لإيقاف العملية التركية، عبر السماح بدخول قوات روسية إلى منطقة شرق نهر الفرات، ونشر عناصر من قوات النظام على الحدود السورية التركية في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اتفق الجانبان التركي والروسي، في قمة رئاسية، على خروج مقاتلي "قسد" من "المنطقة الآمنة" التي رسمتها أنقرة، مع تسيير دوريات عسكرية تركية - روسية مشتركة بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود، باستثناء المنطقة التي سيطر عليها الأتراك ما بين تل أبيض ورأس العين. وعلى الرغم من تغيير العملية التركية لمعادلة السيطرة في شرق الفرات، إلا أن هذه المنطقة لم تشهد استقراراً عسكرياً وأمنياً منذ ذلك الحين، حيث يحاول الجيش توسيع نطاق سيطرته على حساب "قسد"، وخاصة في ريف الرقة الشمالي وريف الحسكة الشمالي الغربي.

رياض درار: الأمور ليست ذاهبة باتجاه احتلال جديد

من جانبه، وصف رياض درار، وهو الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطي" (الجناح السياسي لقسد)، الهجمات التركية على "قوات سورية الديمقراطية" بـ"الاعتداء السافر والمستمر". واستبعد درار، في حديث مع "العربي الجديد"، قيام الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني السوري" المعارض، بعملية واسعة النطاق في شرق الفرات، شبيهة بتلك التي قام بها في أكتوبر 2019. وقال: "هذه الاعتداءات مستمرة، لكن الأمور ليست ذاهبة باتجاه احتلال جديد، أو توسيع في حدة المعارك. ربما تحدث متغيرات في المستقبل".
كما استبعد الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو اتساع دائرة المواجهات في منطقة شرق نهر الفرات في الوقت الراهن "بسبب انشغال تركيا بالتطورات الجارية في أفغانستان". وقال، في حديث مع "العربي الجديد": يمكن القول إن التصعيد الأخير بين تركيا و"قوات سورية الديمقراطية" هو نتيجة التوتر الذي حصل إثر الهجمات التركية الأخيرة ضد عناصر "قسد"، وأسفرت عن مقتل بعض قيادييها، ومنها استهداف سيارة قيادي في "وحدات حماية الشعب" الكردية. غير أن عودة أوغلو أشار إلى أن "التصعيد الأخير في الشمال الشرقي من سورية بين أنقرة وقسد يمثل الوجه الآخر للمواجهة التركية الروسية الباردة في المنطقة والإقليم بشكل عام، على الرغم من التعاون الظاهري"، متوقعاً عودة الهدوء إلى الجبهات في شرقي الفرات "مع احتمال استمرار الانتهاكات من قبل عناصر قسد ضد القوات السورية المدعومة من أنقرة في المناطق المحررة".
وكان "مجلس سورية الديمقراطي"، المعروف اختصاراً بـ"مسد"، قد حاول استمالة الائتلاف الوطني السوري، المدعوم من الجانب التركي، لحوار ثنائي، للتباحث في مستقبل العلاقة بين الجانبين، إلا أن "الائتلاف" اشترط طرد عناصر حزب العمال الكردستاني من سورية قبل الجلوس حول أي طاولة حوار. وفي السياق، أفشل حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعد "الوحدات الكردية" ذراعه العسكرية، الحوار مع المجلس الوطني الكردي لتشكيل مرجعية سياسية سورية كردية واحدة والشراكة في صنع القرار في شمال شرقي سورية، بسبب رفضه فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني.

المساهمون