تركيا والاتحاد الأوروبي: محاولة لتحريك العلاقات الجامدة

01 سبتمبر 2024
جوزيب بوريل وهاكان فيدان في بروكسل، 29 أغسطس 2024 (آردا كوشوكايا/الأناضول)
+ الخط -

بعد خمس سنوات من تعليق المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لأسباب عديدة أهمها العلاقة السلبية لتركيا مع اليونان، وفي محاولة لتحريك المياه الراكدة في علاقات الطرفين، شارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الاتحاد الذي عقد في بروكسل الخميس الماضي. وتأتي هذه المشاركة في محاولة من الطرفين للحوار بهدف إزالة أسباب الخلافات، خصوصاً أن تركيا تنهج منذ سنوات سياسة إعادة التطبيع وتحسين العلاقات مع دول الجوار ومن بينها اليونان والاتحاد الأوروبي، فيما مواقف أنقرة المتعلقة بأبرز المواقف الخلافية مع الاتحاد الأوروبي، وهو الملف القبرصي، لا تزال على حالها، ما يطرح تساؤلات عن إمكانية أن تؤدي هذه اللقاءات إلى تحقيق تقدم في العلاقات.

تعهدات لم تنفذ بين تركيا والاتحاد الأوروبي

وقال مصدر تركي دبلوماسي مطلع لـ"العربي الجديد"، عن هذه اللقاءات، إنها تأتي عقب تعهدات حصلت عليها أنقرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي، لتحريك مسار الحوار وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، من ضمن مطالب عدة، مقابل مواقفها الإيجابية المتعلقة بقبولها عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لافتاً إلى أن أنقرة تأمل بتنفيذ هذه التعهدات.

غونغور يافوز أصلان: إعلان تركيا أخيراً عن القبة الفولاذية، أدى إلى تطورات إيجابية من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه أنقرة

وأضاف المصدر أن تركيا تأمل في أن تساهم التوترات الدولية في تقريب وجهات النظر، في ظلّ حاجة الأطراف للتعاون في ما بينها. ويرتبط ذلك خصوصاً بالحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة، والعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، والتوترات في الشرق الأوسط، والخشية من حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل واندلاع حرب إقليمية، وهذه المشاكل الدولية والإقليمية ربما تدفع إلى مزيد من التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي ودوله، خصوصاً أن أنقرة وبروكسل تلتقيان في حلف ناتو أيضاً.

وتأمل تركيا، بحسب المصدر، في القريب العاجل، بتحقيق تقدم في مسألة رفع تأشيرات الدخول، وهو الأمر الملحّ حالياً من قبل أنقرة، وتضغط في اتجاهه، ومن ثم تحديث الاتفاق الجمركي، وصولاً إلى الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. ورغم إيجابية الأجواء بين تركيا والاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، إلا أن هذه القضايا ستحتاج إلى وقت، وبالتالي يمكن وصف هذه اللقاءات ومخرجاتها بالتفاؤل الحذر، وفق المصدر.

وكان مصدر من وزارة الخارجية التركية قد أفاد وكالة رويترز بأن الوزير فيدان يأمل في إحراز تقدّم في تحسين العلاقات المتوترة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بحضوره الخميس الماضي اجتماع وزراء خارجية دول التكتل في بروكسل، وذلك للمرة الأولى منذ خمس سنوات. وتوقف مسعى تركيا الذي استمر عقدين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسبب قلق التكتل من سجلّها في حقوق الإنسان ونزاعات سياسية في شرق البحر المتوسط وأخرى تتعلق بقبرص، لكن الاتحاد الأوروبي يعتمد في الوقت نفسه على مساعدة تركيا، العضو في "ناتو"، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الهجرة.

وأدى التوتر بين تركيا واليونان، العضو في الاتحاد الأوروبي أيضاً، في عام 2019، إلى تهديد بروكسل بفرض عقوبات على أنقرة وقطع بعض قنوات الحوار. وتحسنت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ عام 2021 مع استئناف محادثات رفيعة المستوى. وذكر المصدر الذي تحدث لـ"رويترز"، أن تركيا اعتبرت دعوة الاتحاد الأوروبي لوزير خارجيتها محاولة للحوار، وأضاف أن توطيد العلاقات "بمفهوم أن تركيا دولة مرشحة" للانضمام للاتحاد الأوروبي سيعود بالنفع على الجانبين. وأشار المصدر إلى أن فيدان نقل توقعات تركيا بضرورة "إظهار الإرادة اللازمة واتخاذ خطوات ملموسة" لتعزيز العلاقات.

وتسعى أنقرة وحلفاؤها القبارصة الأتراك في الجزيرة إلى إقامة دولتين كحلّ للمشكلة المستمرة منذ عقود، لكن الاتحاد الأوروبي واليونان والإدارة القبرصية اليونانية المعترف بها دولياً، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، يرفضون هذا الاقتراح، فيما قال وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس إنه يتطلع إلى إجراء محادثات "صريحة ومفتوحة" مع أنقرة في القضايا الخلافية وسبل المضي قدماً.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية اليونانية، إن الوزير جيورجوس جيرابتريتيس أكد لفيدان في بروكسل، خلال الاجتماع، أن هناك حاجة لاستئناف الحوار بشأن قبرص، في إطار قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والاستفادة من الفرصة التي أتاحها تحسّن العلاقات التركية اليونانية. ونقل المسؤول عن جيرابتريتيس قوله إن أثينا تدعم فرص تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، لكن "يجب احترام سيادة وحقوق جميع الدول الأعضاء والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد".

وشارك وزير الخارجية التركي في الاجتماع غير الرسمي لنظرائه لدى دول الاتحاد الأوروبي "غيمنيش"، في بروكسل، وأوضحت مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية التركية لوكالة الأناضول التركية، أن الاجتماع الذي استغرق ساعتين، تناول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وعدداً من الملفات الإقليمية. وأضافت المصادر أن فيدان عقد على هامش الاجتماع لقاءات مع عدد من نظرائه الأوروبيين، حيث التقى على هامش الاجتماع مع نظرائه اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس، والإسباني خوسيه مانويل ألباريس، والبلجيكية حاجة لحبيب، ومن لوكسمبورغ كزافييه بيتيل.

وعقب الاجتماع، أدلى فيدان بتصريحات لوكالة الأناضول، أكد فيها أن بلاده تهدف إلى إحراز تقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي من خلال أجندة إيجابية، وأن اجتماع الخميس الماضي كان مهماً لإحياء العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث إن الجانب الأوروبي لم يكن يدعو تركيا لهذه الاجتماعات منذ فترة، واصفاً دعوة أنقرة إلى الاجتماع بأنها "تطور إيجابي". وذكر أن الاجتماع ناقش بالتفصيل كيفية دفع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى الأمام، ونوع التعاون الذي يمكن تطويره بين الجانبين حول القضايا الإقليمية والدولية. وتابع: "أكد جميع نظرائي في الاتحاد الأوروبي أن الحوار والمشاورات المنتظمة مع تركيا يجب أن تستمر في جميع المجالات، خصوصاً السياسة الخارجية والسياسات الأمنية والدفاعية، وقالوا أيضاً إن تركيا لعبت دوراً مهماً في الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب في غزة وسورية والعراق والشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب القوقاز".

وزير الخارجية التركي أشار في اجتماع بروكسل إلى إحدى القضايا ذات الأولوية بالنسبة لتركيا، هي تحرير تأشيرات الدخول إلى الاتحاد

وأضاف الوزير التركي: "كما تطرّقوا إلى أهمية التشاور بين تركيا والاتحاد الأوروبي الوثيق والعميق، وخلق سياسة مشتركة"، مشدداً على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة من أجل تسريع العلاقات بين الطرفين خلال الفترة المقبلة. واستطرد: "قبل كل شيء يجب إعادة تشغيل آليات الحوار التي تمّ تعليقها في عام 2019. وتطلعاتنا بشأن تحديث الاتحاد الجمركي ما زالت قائمة".

وأشار فيدان إلى أن إحدى القضايا ذات الأولوية بالنسبة لتركيا، هي تحرير تأشيرات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. وأوضح في هذا الصدد أنه تمّ استيفاء 66 معياراً متعلقاً بتحرير التأشيرات، وأن تركيا تعمل مع المؤسسات ذات الصلة لاستكمال المعايير الـ6 المتبقية، و"نواصل العمل على إزالة الصعوبات والعقبات التي يواجهها مواطنونا في عملية طلب تأشيرة شنغن". وأعرب عن اعتقاد بلاده بأن "تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي يصب في مصلحة الجميع، لكننا أكدنا أن ربط العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالقضية القبرصية ليس طريقة صحية ولن يسفر عن أي نتائج".

آمال ضئيلة من لقاءات فيدان

وعن أهمية هذه اللقاءات لوزير الخارجية التركي والمأمول منها، رأى الكاتب والصحافي التركي غونغور يافوز أصلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد الحرب في أوكرانيا، برزت مخاوف أمنية جادة في الاتحاد الأوروبي الذي قدّم السلاح لأوكرانيا، وتركيا في إطار ناتو بدأت تكون أكثر فاعلية في أمن الاتحاد الأوروبي كدرع يحمي أنظمة الدفاع الجوي الأوروبي". واعتبر أن "إعلان تركيا أخيراً عن القبة الفولاذية، أدى إلى تطورات إيجابية من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، ولكن هناك مواضيع مستعصية، منها الحظر المفروض على السلاح غير المعلن على تركيا، وعدم الإيفاء بالتعهدات المرتبطة بتأشيرات السفر، وهناك مشاكل يعاني منه عالم الأعمال، وبالتالي هناك لقاءات في هذا الإطار، وتركيا ستضع مطالبها على طاولة الحوار، ونتوقع أن تكون هناك تطورات إيجابية في هذا الإطار".

إبراهيم آباك: العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تشبه الطعام البارد الموضوع على الرفّ بسبب المطالب الأوروبية والتعقيدات التي لا تنتهي

من جهته، قال الصحافي إبراهيم آباك، لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تشبه الطعام البارد الموضوع على الرفّ بسبب المطالب الأوروبية والتعقيدات التي لا تنتهي، وبسبب انسداد الملف وتوقف اللقاءات ولأسباب السياسة الداخلية التركية والأولويات، ونظراً للتطورات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا وأزمة الغذاء وجائحة كورونا، فإن الحوار كان على رف الانتظار". وبرأيه، فإن "دعوة فيدان إلى الاجتماع ستُظهر مدى رغبة الطرفين في العودة إلى الحوار مجدداً، ومن المؤكد أن الدعوة إيجابية، ولكن لا أعتقد أن تركيا تعوّل كثيراً على هذا اللقاء، لأن الوضع الاقتصادي الداخلي التركي ليس جيداً، ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن العلاقات المعقّدة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي لم تعد جذّابة لتركيا كما في السابق، حيث لا تقدم هذه التجاذبات أي عرض جيد لتركيا".

وأعرب آباك أخيراً عن اعتقاده بأن هذا اللقاء سيتيح الفرصة لأنقرة وبروكسل لمعرفة ما هي المواضيع التي تحتاج إلى تطوير، والخطوات التي سيقدمون عليها للتقدم للأمام، وبعدها سيرسمون خريطة طريق جديدة". وبرأيه، فإن دعوة تركيا إلى الاجتماع لا تعني "بأن الاتحاد الأوروبي سيتراجع خطوات عن مواقفه السابقة"، مستبعداً لهذا السبب أن تكون تركيا بصدد عقد آمال كبيرة على مثل هذا اللقاء. 

المساهمون