تركيا تنتقد بيان مجلس الأمن بشأن الاعتداء على البعثة الأممية في قبرص

22 اغسطس 2023
شهدت المنطقة العازلة بين شطري الجزيرة الاعتداء على البعثة الأممية (أسوشييتد برس، Getty)
+ الخط -

تعود القضية القبرصية إلى الواجهة مجدداً، بعد حادثة الاعتداء على قوات بعثة حفظ السلام الأممية في المنطقة العازلة بين شطري الجزيرة، إذ انتقدت تركيا، اليوم الثلاثاء، بيان مجلس الأمن الدولي، بشأن الحادثة، ووصفته وزارة خارجيتها بأنه "يحرّف الحقائق ويعكس ما جرى بشكل مضلل".

وكانت قوات الأمم المتحدة قد حاولت منع قبرص التركية، يوم الجمعة الماضي، من شق طريق في المنطقة العازلة، التي توجد فيها قوات الأمم المتحدة، وتفصل بين جمهورية قبرص المعترف بها دولياً وبين الشطر القبرصي التركي شمالاً، باتجاه قرية "بيله"، ما أدى إلى صدامات بين الطرفين. وتُعتبر هذه القرية الوحيدة التي يعيش فيها القبارصة اليونانيون والأتراك جنباً إلى جنب، في المنطقة العازلة.

استدعت الحادثة ردود فعل إقليمية ودولية، ودفعت الأمم المتحدة لتحذير السلطات القبرصية التركية من القيام بأنشطة بناء "غير مرخص" في المنطقة العازلة. وانتقد مجلس الأمن الدولي، يوم أمس الاثنين، تصرف سلطات قبرص التركية، معتبراً محاولتها شقّ طريق في المنطقة العازلة بين شطري الجزيرة "انتهاكاً للوضع القائم".

وقال المجلس في بيان صدر عقب جلسة مغلقة، إنّ "الهجمات على عناصر حفظ السلام يمكن أن تشكّل جرائم بموجب القانون الدولي".

ورحّب مجلس الأمن بوقف أعمال شقّ الطريق، ودعا جميع الأطراف إلى تجنّب أيّ عمل آخر أحادي الجانب أو تصعيدي من شأنه أن يزيد التوتّرات ويهدّد فرص التوصّل إلى اتفاق".

وقالت الخارجية التركية إن بيان مجلس الأمن الدولي "منفصل تماماً عن الحقائق على الأرض"، ولا يقدم أي مساهمة إيجابية، بل على العكس "يُعقد الموضوع"، وأكدت أن طريق بيله - يغيتلر "مشروع إنساني" يهدف لتسهيل وصول القبارصة الأتراك القاطنين في قرية بيله بشكل مباشر إلى موطنهم.

وشددت الخارجية التركية في بيانها على أنه رغم أن الإخطار بشأن أعمال الطريق قد تم قبل فترة طويلة، فإن "تدخل جنود قوة حفظ السلام الأممية لعرقلة أعمال تشييد الطريق تسبب في التوتر".

وأشارت الخارجية إلى أن المشروع يعود لنحو 25 عاماً مضت، وأن مسؤولي قبرص التركية "اتخذوا موقفاً بناء دوماً، ووجهوا دعوات للتعاون بشأن تنفيذه، وأكدت أن الانتقادات الموجهة لشق الطريق من قبل الأطراف المعنية، وخاصة الأمم المتحدة، "ذات مدلول كبير".

وأضافت أن الوضع في بيان مجلس الأمن "مشوه تماماً، كما هي الحال في بيان قوة حفظ السلام الأممية، وبعض الأطراف"، وأوضح أن المهمة الرئيسية لقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجزيرة تتمثل في توفير "الأمن والهدوء، لكنها رغم ذلك اتبعت موقفاً استفزازياً، في 18 أغسطس/ آب، حين حاولت منع تنفيذ مشروع الطريق الذي يجري شقه لأغراض إنسانية فقط، ولا يتضمن أهدافاً عسكرية".

من جانبها، انتقدت سلطات قبرص التركية، الثلاثاء، البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وقالت وزارة الخارجية القبرصية، في بيان، إن "مجلس الأمن أصدر بياناً مؤسفاً حول مشروع طريق بيله – يغيتلر، الذي يجري بناؤه لأغراض إنسانية بحتة بهدف تسهيل وصول مواطنيها من قرية بيله إلى شمال قبرص التركية".

وكانت مصر قد دعت، الأحد الماضي، إلى التهدئة ووقف أية إجراءات من شأنها تأجيج التوتر بين شطري جزيرة قبرص.

أخبار
التحديثات الحية

وأمس الاثنين، حثّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعثة السلام للأمم المتحدة على توفير الاحتياجات الإنسانية في جزيرة قبرص بدلاً من زعزعة الاستقرار في الجزيرة.

وقال الرئيس أردوغان، في خطاب متلفز عقب ترؤسه للاجتماع الأسبوعي للحكومة: "لا يمكن القبول أبداً بتدخل جنود قوات حفظ السلام الأممية في أراض خاضعة لسيادة شمال قبرص، ولا بتدخل بعثة السلام الأممية ضد القرويين ثم الإدلاء بتصريحات مؤسفة، أخلّت بحيادها وألحقت الضرر بسمعتها".

جذورالمشكلة القبرصية

تعود جذور المشكلة القبرصية إلى ما قبل عام 1974، وتعتقد تركيا، وفق ما ينشره موقع وزارة الخارجية التركية، أن المجتمع التركي في قبرص تعرض اعتباراً من 21 ديسمبر/كانون الأول من عام 1963 لهجمات ممنهجة، وأنهم أبعدوا عن مؤسسات الدولة، وبُذلت جهود خلال حملة "نويل الأسود" للتطهير العرقي في الجزيرة، أسفرت عن هجر 30 ألف تركي لـ103 قرى، وحصارهم في مناطق ضيقة.

تبع ذلك، بحسب الموقع، إلغاء الدستور من قبل قبرص بالقوة في العام ذاته، وتم تشكيل قوة سلام من الدول الضامنة، ورسم الخط الأخضر في 30 ديسمبر من نفس العام، والذي قسّم العاصمة نيقوسيا إلى قسمين، ومنها عرفت الحدود بالخط الأخضر. واتخذ مجلس الأمن القرار 186 في العام 1964، لنشر قوة سلام، وعبرها دخلت قوة يونانية وصل عددها إلى 20 ألفا ساهمت في سيطرة الجانب اليوناني لقبرص على مقاليد الحكم في الجزيرة.

ومع الانقلاب العسكري اليوناني في العام 1967، طالبت اليونان بالسيطرة على قرى ومدن إضافية في قبرص، ومع رفض الجانب التركي حصلت هجمات مسلحة بمشاركة عسكرية يونانية، لتعود اليونان وتسحب قواتها إثر تهديدات تركية، ولتبدأ مفاوضات بين الطرفين استغرقت 47 عاماً.

وفي العام 1974، شهدت اليونان انقلاباً كان من أهدافه إلحاق قبرص باليونان، وبعدها بأيام أقدمت تركيا على عملية عسكرية في الجزيرة منعاً لإلحاق الجزيرة باليونان بحسب أنقرة.

وفي العام التالي، تم توقيع اتفاقية بين الطرفين لتبادل المواطنين، بإشراف أممي، فعبر نحو 120 ألف شخص الشطر الجنوبي، و65 ألفاً الشطر الشمالي، وتمّ رسم خط فاصل طوله 180 كيلومتراً، ويتراوح عرضه بين 5-7 كيلومترات.

حالياً، يبلغ عدد سكان الشطر الشمالي من قبرص قرابة 290 ألفاً، فيما الجانب الجنوبي يبلغ عدد سكانه 800 ألف. وتبعد الجزيرة عن تركيا 71 كيلومتراً، وعن اليونان 900 كيلومتر، وتبلغ مساحة الجزيرة الكلية 9251 كيلومتراً مربعاً، تسيطر السلطات الشمالية فيها على أكثر من 35 في المائة من أراضيها.

مرحلة السلام الأممية بدأت قبل دخول القوات التركية، وبعدها تبنى طرفا الصراع "الفيدرالية وفق الحقائق على الأرض"، وفشلت كل الجهود منذ عام 1975 حتى 1997، رغم تبني القرار الأممي 367 في العام 1975 (أدان القرار الانفرادي الذي يعلن جزءاً من جمهورية قبرص دولة فيدرالية تركية). وفي العام 1977 تم التوافق على إنشاء الفيدرالية بين الطرفين، وتم تأكيده عام 1979.

ورغم كل الجهود والمساعي الأممية، إلا أن المحاولات لم تنفع للتوصل إلى توافقات، وبدأت مرحلة دخول قبرص للاتحاد الأوروبي واصطدم ذلك بالموقف الشمالي المتوافق مع الجانب التركي، ومحاورة الاتحاد الأوروبي للجانب الجنوبي، إذ طالبت تركيا بحلّ فيدرالي في قبرص، وكانت تشكك بمساعي الضمّ للاتحاد الأوروبي في ظل الوضع القائم.

وبدأت عام 2002 مفاوضات مباشرة، ووضع الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان خطته المعروفة أيضاً ب‍خطة إعادة توحيد قبرص، كاقتراح أممي لحل النزاع القبرصي، حاول أن يأخذ بعين الاعتبار الحجج التي ساقها كل طرف، وطرح إعادة هيكلة جمهورية قبرص لتصبح "جمهورية قبرص المتحدة"، بوصفها اتحاداً يضم دولتين، وقد تم تنقيح الفكرة مرات عدة قبل طرحها على شعب قبرص في استفتاء عام 2004، وأيدها 65 في المائة من القبارصة الأتراك، مقابل تأييد 24 في المائة فقط من القبارصة اليونانيين، ففشلت الخطة.

ومع دخول قبرص للاتحاد الأوروبي وتعثر انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أيضاً، مع حصول قبرص على حق الفيتو، تعقدت المسألة القبرصية بشكل كامل. وفي الوقت الحالي، ترى الحكومة التركية أن الحل الوحيد في قبرص هو إنشاء دولتين، أي إنشاء دولة في الشطر الشمالي معترف فيها، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي، فيما تسعى أنقرة للحصول على اعتراف من بعض الدول بشرعية قبرص التركية، وفتح ممثليات لها فيها.

افتتحت روسيا أخيراً ممثلية لها في الشطر الشمالي من الجزيرة، في ظل مناكفة منها للغرب.

لا تزال تركيا تتمسك بحل الدولتين في قبرص، وهو ما أصبح واحداً من خطوط حمراء يؤثر في مسار موقف تركيا من الاتحاد الأوروبي، وانضمامها له، كما يتصل بأي ترتيبات في شرقي المتوسط.

وتصريح الرئيس أردوغان، أمس الاثنين، يعكس المحددات والشروط التركية في هذا السياق، إذ أكد الرئيس التركي أن "تركيا كدولة ضامنة لن توافق على فرض أمر واقع وغير قانوني في قبرص، وخصوصاً في المنطقة العازلة".

وأضاف أردوغان: "لن نترك أشقاءنا القبارصة الأتراك وحدهم أمام الموقف المتصلب للقبارصة الروم، الرامي لفرض مطالب أحادية وظالمة"، مؤكداً أن "هناك دولا تستعد لفتح ممثليات لها في جمهورية شمال قبرص التركية"، من دون ذكرها.

وأوضح أردوغان أن تركيا "ستواصل نضالها إلى أن يقبل العالم بمساواة السيادة والمكانة الدولية لجمهورية شمال قبرص التركية في الجزيرة".