ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا: شهادات عن الطرد والمعاناة

06 اغسطس 2023
سوريون في شانلي أورفا استعداداً للعودة إلى سورية، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

تتفاقم محنة المرحلين من تركيا إلى الشمال السوري، تحت عناوين "العودة الطوعية"، في ظل "إجراءات اعتباطية"، يقول المرحلون إن السلطات التركية تتبعها في عمليات الترحيل، والتي تشمل حتى أشخاصاً يقيمون بشكل نظامي في البلاد.

ووجّه الواصلون حديثاً إلى منطقة تل أبيض شمالي محافظة الرقة، الخاضعة لسيطرة فصائل "الجيش الوطني"، المدعوم من تركيا، نداءات استغاثة إلى المجلس المحلي في مدينة تل أبيض والمنظمات الإنسانية والمدنية والجمعيات الخيرية العاملة في الشمال السوري، وجميع المعنيين من أجل "افتتاح مراكز لإيواء المرحلين المشردين في شوارع تل أبيض، وتجهيزها بأبسط مقومات الحياة البشرية بشكل عاجل وفوري"، وفق ما نشر الناشط عبد الرحمن عيسى على صفحته في "فيسبوك".

ويقول المرحلون في ندائهم الصادر أمس السبت: "نحن جميعاً من أبناء محافظات سورية، وجرى ترحيلنا بشكل إجباري وتعسفي إلى منطقتكم خلال الشهرين الماضيين. ونبحث بينكم ومن خلالكم عن أساليب حياة بسيطة ويومية ترضي اللّه وترضي الضمير الإنساني، ونحن الآن في شوارع مدينة (تل) أبيض لا مأوى يأوينا من حرّ النهار وبرد الليل".

ترحيل السوريين كان إجبارياً

ويقول عبد الرحمن عيسى، وهو أحد المرحلين أيضاً والذي جرى توقيفه لمدة أشهر لعدم امتلاكه "كملك" (بطاقة حماية مؤقتة)، لـ"العربي الجديد"، إن الترحيل كان إجبارياً وليس اختيارياً. ويروي عيسى، وهو من بلدة الهبيط جنوبي محافظة إدلب، أنه جرى ترحيله في 13 يوليو/تموز الماضي قسراً تحت الضرب والإهانات من سجن إدارة الهجرة في شانلي أورفا إلى تل أبيض.

وحول آلية الترحيل، يوضح أنه "يُنادى على المعتقل لمراجعة الإدارة، فيجد أن الحافلات بانتظاره، ويبدأ العساكر بضربه حتى يوقع على أوراق ترحيله، ثم يدفعونه للصعود إلى الحافلة، وهناك أيضاً يصعد نحو 8 من عناصر الجندرمة (الشرطة) التركية، ويواصلون ضرب المرحلين بالهراوات".

عبد الرحمن عيسى: جرى ترحيلنا قسراً تحت الضرب والإهانات

ويقول: "رغم اعتراضنا بأننا لسنا من تل أبيض ولا نعرف أحداً هناك، رفضوا، وقالوا بالحرف الواحد: سترحلون غصباً إلى بوابة تل أبيض". ويوضح عيسى أنه تنقل بين سجون عدة، تابعة لإدارة الهجرة في تركيا، اعتباراً من نهاية العام الماضي، وآخرها كان في شانلي أورفا حتى رحّل منتصف الشهر الماضي برفقة 127 شخصاً آخرين.

ويشير إلى أن من تبقى من عائلته في تركيا لا يستطيع الخروج من المنزل، خوفاً من الترحيل. ويوضح أن أطفاله الثلاثة الموجودين في تركيا أحدهم مريض بالقلب، ويحتاج إلى عملية، والآخر مريض في الأمعاء وتلزمه عملية جراحية بشكل عاجل، لكن لا يستطيعون القيام بأي عمل جراحي لعدم حملهم بطاقة الحماية المؤقتة "الكملك" التركية، وذلك بعد رفض السلطات منحها لهم.

وحول تقديره لأعداد المرحلين الشهر الماضي، يعرب عيسى عن اعتقاده بأنها تزيد عن ألف، مشيراً إلى أنه يقيم حالياً في منطقة قريبة من معبر تل أبيض، ويلاحظ أن هناك عمليات ترحيل يومية، خصوصاً ليلاً.

وخلال تواصل "العربي الجديد" مع معبر تل أبيض والسؤال عن أعداد المرحلين من المعبر حتى الآن، أفاد المركز الإعلامي في المعبر بأنه خلال يوليو الماضي، بلغ عدد المرحلين من معبر تل أبيض 1838 شخصاً، إضافة إلى 1538 خلال يونيو/حزيران الماضي. كما أفاد معبر باب السلامة بأن عدد المرحلين خلال الشهر الماضي بلغ 2236 شخصاً، في حين تفيد إحصائيات معبر باب الهوى عن ترحيل 1207 أشخاص خلال الشهر الماضي.

ويروي محمد عساف، وهو من المرحلين أيضاً، تجربته لـ"العربي الجديد"، بعدما جرى ترحيله بذريعة انتقاله من الولاية التي صدرت منها بطاقته للحماية المؤقتة إلى ولاية أخرى من دون استصدار إذن بذلك. مع العلم أن خرق كهذا يستدعي عادة دفع غرامة وليس الترحيل.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويقول: "أنا من مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، وجرى ترحيلي إلى تل أبيض، وهي منطقة لا أعرف أحداً فيها. كنت أقيم في منطقة أديميان التركية، وهي منطقة منكوبة بالزلزال. أودعوني في أحد مراكز الإيواء لأشهر عدة، ووكلت محامياً، خلال هذه الفترة، من أجل الخروج من المركز، لكن من دون جدوى".

ويضيف عساف، الذي يبلغ 43 سنة: "عائلتي مكونة من 15 شخصاً، أمي وأبي وإخوتي، كما أن أولادي الستة جميعهم كانوا في المدارس". وحول خياراته الحالية، يقول: "آمل أن يسمحوا لي بالوصول إلى مدينتي أعزاز عبر الأراضي التركية، فأنا لا أستطيع الوصول إليها إلا عبر الأراضي التركية".

بدوره، يقول معاوية الغاوي، وهو فلسطيني الجنسية، وكان سابقاً من سكان ريف محافظة دمشق، لـ"العربي الجديد": "احتجزت بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني الماضي لعدم تمكني من تجديد إقامتي السياحية، بسبب العراقيل التي وضعتها دائرة الهجرة التركية، وجرى اقتيادي إلى مخفر الشرطة، واحتجازي مدة 5 أيام، ثم جرى عرضي على محكمة". ويضيف: "أعطاني القاضي إخلاء سبيل، وهذا دليل واضح على أنه ليس عليّ أي شيء غير قانوني".

ويتساءل: "هل القاضي الذي أعطاني إخلاء سبيل ليست له سلطة، والمحكمة الإدارية التابعة لإدارة الهجرة لها سلطة أعلى من سلطة القضاء؟". ويتابع الغرباوي: "بعد أن أخذت إخلاء السبيل أعادوني إلى المخفر بدلاً من إخراجي، وقالوا لي إن لدي محكمة إدارية، وهذا يعني أنه يجب ترحيلي إلى مركز احتجاز لأقيم هناك 6 أشهر على الأقل، خلافاً لقوانين الدول الأخرى التي تستقبل لاجئين".

ويضيف: "خلال يومين جرى نقلي من مخفر إسطنبول إلى ولاية شانلي أورفا، جنوبي تركيا، مع 36 شخصاً آخرين، ووصلنا إلى منطقة اسمها حران، والمنطقة التي وصلنا إليها ليست بمخيم أبداً، وهي نقطة تبديل لحرس الحدود التركي على الحدود السورية، فيها ثلاثة كرفانات كبيرة، ولا تحوي أبسط وسائل العيش".

الصعود إلى الحافلات تحت الضرب

ويضيف: "في صباح اليوم الذي وصلنا فيه إلى منطقة حران، جاءت طبيبة تركية، وقامت بفحص المرحلين، ثم وصلت أوراقنا، لكن لم تكن أوراق إخلاء سبيل، وإنما كانت أوراق ترحيل، حيث أجبرنا على صعود الحافلات تحت الضرب بالهراوات، ليجري نقلنا إلى كامب (مركز ترحيل) أورفا التابع لإدارة الهجرة، وبعدها إلى السجن الكبير. وبقيت، في ظروف صعبة للغاية، تحت إشراف المحكمة الإدارية هناك خمسة أشهر ونصف شهر بانتظار توقيع المدير على إخلاء السبيل من المحكمة".

ويتابع الغرباوي: "قالت لي القاضية: جرى إخلاء سبيلك من عندي، فقلت لها سوف يقومون بأخذي للكامب تحضيراً لترحيلي، فأجابت بأنها لا يمكن لها أن تفعل أي شيء، وهذا دليل على أن سلطة إدارة كامب صغير في تركيا أعلى من سلطة القضاء. وبعدها بيومين رُحّلت إلى منطقة تل أبيض".

مصدر أهلي: زادت عمليات الترحيل عبر تل أبيض ورأس العين

ويوضح أنه "خريج كلية هندسة مدنية ويتحدث ثلاث لغات، وكان يعمل في شركة تركية تعمل في استيراد وتصدير الحاصدات، وقبلها في شركة إيطالية معروفة".

الكثير من المرحلين ينامون في الشوارع

وحول مصير المرحلين، وما إذا كانت هناك جهات تستقبلهم وتؤمن لهم المأوى والطعام، قال الناشط الإعلامي خالد الحمصي، الموجود في منطقة تل أبيض، لـ"العربي الجديد"، إن المرحلين كانوا في البداية ينامون في الشوارع، خصوصاً في منطقة عين عروس، حيث إنهم ليسوا من أبناء المنطقة، ولا يعرفون أحداً فيها ولم يجر تأمين أماكن إيواء لاستقبالهم.

ويلفت إلى أن منطقة تل أبيض منعزلة جغرافياً عن الشمال السوري، ولا يمكن لأحد الذهاب إلى مناطق الشمال الأخرى في ريف حلب أو إدلب إلا من خلال الأراضي التركية، نتيجة سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وقوات النظام السوري على المناطق المحيطة بها، بينما أغلب المرحلين ينتمون إلى تلك المناطق، وليس تل أبيض.

ويضيف الحمصي أنه بعد مناشدات كثيرة، بادرت إحدى الجمعيات الخيرية (جمعية البر والإحسان) بافتتاح مركز إيواء جماعي، لكنه لا يتسع لأكثر من 100 شخص، ناهيك عن أن المرحلين لا يملكون المال الكافي لتأمين احتياجاتهم اليومية، وإلى الآن لم تبادر أية جهة رسمية لمد يد العون لهم.

وكانت السلطات التركية قد رحلت يوم الجمعة الماضي نحو 120 شخصاً، بينهم عراقيون، إلى مدينة تل أبيض شمال الرقة. ووفق مصدر أهلي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن عمليات الترحيل زادت وتيرتها خلال الأيام القليلة الماضية، وخاصة عبر معبري تل أبيض ورأس العين شمالي الحسكة، مقدراً أن يكون عدد المرحلين عبر معبر تل أبيض قد تجاوز، منذ بداية أغسطس/آب الحالي، 500 شخص، بينهم عراقيون، مشيراً إلى أن من بين المرحلين شبان جرى ترحيلهم من دون عائلاتهم.

ولفت المصدر إلى أن بعض الشبان ممن وصلوا إلى تل أبيض، حاولوا الدخول إلى مناطق سيطرة "قسد" بريف الحسكة، على أمل الوصول إلى مناطقهم في الشمال السوري، عبر الطريق الدولي "أم 4"، لكن عناصر "قسد" أطلقوا النار عليهم، ما أدى إلى إصابة 3 منهم بجروح، بينما جرى اعتقال خمسة آخرين.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون