ترامب يتوعد بانتخابات "ثأرية" ويعلن القطيعة مع قيادة الحزب الجمهوري

06 مارس 2023
ترامب خلال التجمع السنوي لـ"مؤتمر العمل السياسي المحافظ" (Getty)
+ الخط -

افتتحت معركة الرئاسة الأميركية القادمة، عملياً، يوم السبت الماضي أي قبل 611 يوماً من موعد الاقتراع في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بخطاب انتخابي شامل ألقاه الرئيس السابق دونالد ترامب في التجمع السنوي لـ"مؤتمر العمل السياسي المحافظ" الذي يشكل لبّ قاعدته الانتخابية. 

في كلمته التي تميزت بالتحدي في كل اتجاه، أعلن ترامب القطيعة النهائية مع القيادة التقليدية للحزب الجمهوري، ليحصر الشرعية الحزبية به وحده. وبذلك تكرس الانشقاق وخرج من دائرة اللون الرمادي إلى العلن، كما رسم ملامح "المعركة النهائية" كما سمّاها والتي قال إنه سيتولى فيها دور "جندي القصاص" الذي يعاقب الخصوم. 

لهجت ترامب الثأرية ومفرداتها المتوعّدة أثارت "القلق" لدى قيادات من الجمهوريين، ومن بينهم حكام ولايات ومسؤولين سابقين ومرشحين محتملين للرئاسة، إذ أعربوا عن الخشية من أن يتحول الاستحقاق الرئاسي إلى منافسة "شرسة"، وبما أعاد التذكير بسيناريو انتخابات 2020.

وما زاد التخوف هو إعلان ترامب نيته عدم الانسحاب من المعركة حتى ولو صدر بحقه قرار اتهامي في إحدى الدعاوى أو التحقيقات الجزائية والمدنية الجارية. وبذلك بدا افتتاح حملته أقرب إلى مشروع مواجهة، ليس مع الحزب الديمقراطي فقط، بل أيضاً مع الحزب الجمهوري وتصفية الحساب معه لعدم تبني فوزه المزعوم ضد بايدن.

لقد بات الحزب الجمهوري أمام خيارين: إما التسليم بقيادة ترامب مرة أخرى وعلى المكشوف من خلال تبني ترشيحه، وبالتالي دعم انتخابه، وإما منافسته في الانتخابات التمهيدية الحزبية لحرمانه من الترشيح. الاحتمال الأول، غير وارد لأن القيادات الحزبية لن تلغي نفسها. أما الاحتمال الثاني فهو الخيار الإجباري، لكنه محفوف بالكثير من المجازفة.

حتى الآن ليس لترامب منافس جمهوري معروف سوى نيكي هيلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا سابقاً والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة في عهد ترامب. بعد خطاب هذا الأخير، من المتوقع أن "تنفرط سبحة" المرشحين الجمهوريين الجديين المناوئين له. 

يحافظ ترامب على مكانته في الطليعة حتى الآن، إذ تفصله 15 نقطة عن أبرز منافسيه بينهم، رون دي سنتوس حاكم ولاية فلوريدا: 43% مقابل 28%، حسب استطلاع "فوكس نيوز" قبل حوالي أسبوع، أما الباقي من الطامحين فحصلوا على أقل من خمسة بالمئة، ودخول المزيد منهم يساعد في توزّع الأصوات، في حين يحتفظ ترامب بقاعدته الصلبة التي تشكل حوالي ثلث أصوات الجمهوريين، وبذلك تصبح كثرة المرشحين طريقه إلى حسم معركة الترشيح لمصلحته.

ويعد حسم ترامب معركة الترشيح كابوساً للجمهوريين، ولو أن بعض قياداتهم سارعوا إلى التأكيد بأن الحزب مطمئن إلى القدرة على حرمان ترامب من كسب معركة الترشيح، وأن لهجته الصدامية في خطابه دليل ضعف وليس العكس. لكن ورغم أن تأييده لا يحظى بالنسبة ذاتها التي كان عليها فإنه لا يوجد أي منافس ثقيل ضده على الساحة، وهو يشن حرب إلغاء مسبقة ضد أي مرشح محتمل من هذا الصنف، وثمة من بينهم من آثر التراجع وإعلان عدم ترشيحه مثل حاكم ولاية ماريلاند المعروف والقابل للصرف في سوق الانتخابات، خوفاً من عدم القدرة على الإقلاع ضد ترامب، كما من "شراسة" المعركة المتوقعة.

حرب اللا عودة التي اندلعت داخل البيت الجمهوري، تحولت إلى ضخّة أكسجين في عروق قرار التجديد للرئيس بايدن الذي بات الإعلان عن ترشحه مسألة توقيت فحسب، إذ إن تلميحات البيت الأبيض، من الرئيس والسيدة الأولى وبعض المقربين (مثل السناتور الديمقراطي كريس كوون، صديق الرئيس ومن ولايته)، كانت واضحة في أن طبخة ترشيح بايدن صارت على نار حامية، بعد أن تجاوزت تحذيرات الحريصين الذين شددوا على وجوب اكتفائه بولاية واحدة، بحكم التقدم في العمر الذي قد يتحول إلى عبء، وبالتالي إلى هزيمة انتخابية، فهذه حالة غير مسبوقة، وليس في وضع الرئيس ما يدفع الناخب إلى صرف النظر عنها. 

وحتى الآن لم يقو بايدن على بناء رصيد من التأييد يتعدى 45%، وفق استطلاع يو غوف (You Gov)، وهي نسبة تعززت في الأشهر الأخيرة، بعد أن كانت قد تدنت إلى 36%، لكن بلغة الحسابات الانتخابية لا يكفي مثل هذا الرقم لتجديد رئاسة بهذا السن، خاصة أن 45% من الديمقراطيين يفضلون مرشحاً آخر.

وتبدو المراهنة على أن ترامب "معطوب" بما فيه الكفاية انتخابياً وقضائياً، مع وجود حزب مشروخ (الجمهوري) للتقليل من أهمية سن بايدن انتخابياً، خاصة أن ترامب يكون هو الآخر قد بلغ سن الـ 78 عاماً، مهددة في حال دخل مرشح "مستقل" على خط المعركة، إذ تشير التحركات إلى أن هذا الاحتمال غير مستبعد، وأنه متداول في أوساط "مجموعة" تدرس هذا الخيار من باب أن ترامب لا حظ له، وأن بايدن غير مقبول كمرشح بهذا العمر.

وحول المرشح "المستقل"، تكشف التجارب المماثلة خلال الخمسين سنة الماضية أنه لم يقو على الفوز بصوت واحد من أصوات الهيئة الانتخابية. وبذلك كان يلعب دور المفسد لفوز المنافس المرجح، وبما يؤدى إلى فوز خصمه. المثل الأبرز كان عام 2000، حيث أدى ترشيح المستقل رالف نادر إلى حرمان الديمقراطي آل غور من الفوز بولاية فلوريدا وبالتالي خسارة الانتخابات بفارق 539 صوتاً في هذه الولاية. هل يتكرر السيناريو لو تحول ما يكفي من الأصوات إلى "المستقل" على حساب بايدن؟

المعركة ما زالت في بداياتها، وحظ ترامب في معظم التوقعات والاستطلاعات ضئيل، فيما يبدو أن عمر بايدن سيكون عقبة أمامه، لكن لا ضمان بعدم حصول متغيرات. واللافت أن الحديث في اليومين الأخيرين وبعد خطاب ترامب، دار حول مخاوف مما قد تؤدي إليه هذه الانتخابات "سواء فاز ترامب أو خسر".

المساهمون