تدمير غزة وبنيتها التحتية... التهجير هدف معلن للاحتلال

01 يناير 2025
من الدمار في بيت لاهيا، 29 ديسمبر 2024 (خليل رمزي الكحلوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في غزة يهدف إلى تدمير الأحياء السكنية والبنية التحتية، مما يجعل الحياة غير قابلة للاستمرار ويدفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية، مع التركيز على تغيير البيئة الجغرافية والديمغرافية.

- عمليات التدمير تسببت في تشريد عشرات الآلاف وتدمير البنية التحتية، مما يخلق تحديات كبيرة لإعادة الإعمار ويزيد من الاعتماد على المساعدات، مع تعزيز سيناريو التهجير الطوعي والقسري.

- الاحتلال يسعى لترسيخ سياسات إقامة مناطق عازلة والترويج للاستيطان، مما يعقد الوضع الإنساني والبيئي في غزة ويزيد من فقدان الثقة في جدوى المقاومة.

رفع الاحتلال الإسرائيلي وتيرة النسف وتدمير الأحياء السكنية والبنية التحتية من شوارع ومدارس ومنشآت حيوية في قطاع غزة، سواء في مناطق الشمال، مثل مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا ومدينتي بيت لاهيا وبيت حانون، أو جنوباً في مدينتي رفح وخانيونس والمناطق الشرقية من القطاع. وتطرح عمليات تدمير غزة والنسف الحاصلة للمربعات والأحياء السكنية والبنية التحتية في القطاع، تساؤلات عن أسباب الاتجاه الإسرائيلي لهذه العمليات بوتيرة متسارعة وكبيرة مقارنة مع الشهور الأولى لحرب الإبادة المتواصلة للشهر الخامس عشر على التوالي في غزة.

وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية والصور والفيديوهات التي ينشرها جنود الاحتلال العاملون في الميدان تدميراً شاملاً على صعيد البنية التحتية والمنازل والأحياء، حيث يتعمد الجنود بشكل يومي تنفيذ عمليات نسف وتدمير كبيرة وينشرونها على وسائل التواصل.
ويسمع الفلسطينيون بشكل يومي أصوات عمليات النسف على امتداد مسافات كبيرة من القطاع أو حتى خارجه، حيث تصل أصوات عمليات النسف إلى مناطق الداخل المحتل عام 1948 أو الضفة الغربية المحتلة، ما يعكس استخدام قوات الاحتلال كميات كبيرة من المتفجرات خلال عمليات نسف المربعات السكنية. ويبدو الاحتلال معنياً بتدمير غزة وأي قدرات للفلسطينيين على الصمود والبقاء على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية أو توقفها، في ظل المؤشرات المتصاعدة عن اقتراب الوصول إلى اتفاق تبادل بين المقاومة والاحتلال.

امتد التدمير ليشمل إبادة المدن الفلسطينية بالكامل بنسيجها المعماري والحضاري، وما يتبع ذلك من تدمير للهوية الوطنية والثقافية للفلسطينيين

إلى جانب ذلك، يخشى الفلسطينيون من أن يكون ذلك مقدمة لتشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين بعد فتح معبر رفح البرّي مع مصر من جديد، الذي أغلق في مايو/ أيار الماضي، لا سيما مع الافتقار لأساسيات الحياة من منازل وبنية تحتية تتمثل في شبكات المياه والكهرباء والاتصالات وشبكات الإنترنت والمدارس. وسبق أن تحدث عدد من وزراء حكومة بنيامين نتنياهو بشكل واضح عن ضرورة تشجيع الهجرة الطوعية في صفوف سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة وإعادة الاستيطان لغزة من جديد.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد قال في وقت سابق إن تدمير جيش الاحتلال مدناً وأحياء فلسطينية بأكملها في قطاع غزة يعد تجسيداً واضحاً لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأداة رئيسة لتنفيذها. وبحسب المرصد، فإن "هذه الجريمة لم تقتصر على قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير حياة مليوني شخص بشكل تدريجي عبر القضاء على مقومات نجاتهم الأساسية فحسب، بل امتدت لتشمل إبادة المدن الفلسطينية بالكامل بنسيجها المعماري والحضاري، وما يتبع ذلك من تدمير للهوية الوطنية والثقافية للفلسطينيين، واستئصال وجودهم من أراضيهم، وفرض التهجير القسري الدائم عليهم، ومنع عودتهم، وتفكيك مجتمعاتهم، وطمس ذاكرتهم الجمعية، في محاولة منهجية للقضاء على وجودهم المادي والإنساني وتدمير ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم".

وفي السياق، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، يعتمد جيش الاحتلال على عشرات الأساليب الوحشية والإجرامية لتنفيذ مخططات خارجة عن القانون تُلخّص مبدأ الجريمة المنظمة التي أصبحت منهجاً لديه. ويضيف الثوابتة أن من هذه الأساليب تدمير غزة واستخدام سياسة نسف المربعات السكنية وقصف وتدمير وتفخيخ العمارات السكنية والأبراج والتدمير الشامل لكل القطاعات الحيوية في جميع محافظات القطاع.

ويشير الثوابتة إلى أن هناك تصعيداً ملحوظاً في جرائم النسف والهدم والتدمير وتفخيخ المنازل التي ينفذها جيش الاحتلال بشكل واسع النطاق، وقد نتج عنها دمار هائل أثَّر على البنية التحتية والمنازل السكنية، ما أدى إلى تشريد عشرات آلاف العائلات وتركها بلا مأوى. ويلفت إلى أن سياسة نسف المربعات السكنية والمنازل والعمارات والأبراج والدمار الناتج عن جريمة الاحتلال تعد جزءاً من سياسة ممنهجة يمارسها الاحتلال لتحقيق ثلاثة أهداف أعلن عنها وزراء في حكومة الاحتلال، وهي القتل والإبادة، حيث أن هناك أكثر من 165000 ضحية نتيجة الحرب ما بين شهيد ومفقود ومصاب ومعتقل، بالإضافة إلى التدمير الشامل لجميع القطاعات الحيوية.

وبحسب الثوابتة، فإن من بين الأهداف التي يسعى الاحتلال إلى تحقيقها هو التهجير القسري لأهالي قطاع غزة بهدف تفريغ القطاع من سكّانه وإضعاف صموده، ثم تنفيذ مخططات الاحتلال تجاه قطاع غزة بالتدمير والاحتلال والسيطرة. ويشير أيضاً إلى أن حجم الركام والبنايات المدمرة الناتج عن عمليات التدمير تجاوز مئات الآلاف من الأطنان، ما يُشكّل تحدياً كبيراً أمام عملية إعادة الإعمار وعمليات إزالة هذا الكمّ الهائل من الركام، وإن إزالة هذا الركام ستستغرق سنوات، نظراً للكمية الهائلة وحجم الموارد المطلوبة لإتمام هذه المهمة المعقّدة. ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي، فإن نسبة الدمار الشامل في قطاع غزة بلغت 86% في جميع القطاعات الحيوية والبنية التحتية، والصور والمشاهد الميدانية تُظهر للعالم حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

أهداف تدمير غزة وأبعاده

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة أن الهدف الأساسي من عملية تدمير غزة هو جعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة، وبالتالي بعد وقف إطلاق النار وفتح المعبر الانتقال إلى المرحلة التالية باتجاه خطوة جديدة تتمثل في تشجيع الفلسطينيين على الهجرة من قطاع غزة. ويقول أبو سعدة لـ"العربي الجديد"، إنه عندما لا يجد الفلسطيني بيتاً، ولا مدرسة، ولا رعاية صحية، وهذا الكمّ الهائل من الدمار سيندفع إلى الهجرة وخصوصاً الشباب، ولا سيما أن هذا الأمر حصل منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007 وهاجر آلاف الشباب للخارج بحثاً عن الحياة وعن آفاق لمستقبلهم.

مخيمر أبو سعدة: مع عمليات التدمير الممنهجة يتحول الأمر إلى عملية تهجير طوعي مع فقدان الفلسطينيين أساسيات ومقومات الحياة

وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن ما يجري ظاهرياً يطلق عليه مصطلح الهجرة الطوعية، ولكن مع عمليات التدمير الممنهجة سيتحول الأمر إلى عملية تهجير طوعي مع فقدان الفلسطينيين أساسيات ومقومات الحياة. ويؤكد أبو سعدة أن الاحتلال يسير في خطته لإعادة تغيير البيئة الجغرافية والديمغرافية للسكان في المستقبل القريب والمتوسط عبر إفقار السكان وزيادة اعتمادهم على المساعدات الخاصة.

رسائل للداخل والخارج

من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة حسام الدجني أن ثمة رسائل عديدة تريد دولة الاحتلال إيصالها من تدمير غزة وتتمثل في الثأر والانتقام الذي يحقق هدف الردع للداخل الفلسطيني وللخارج، وإشباع الغريزة العدوانية لمجتمع اليمين الإسرائيلي. ويقول الدجني لـ"العربي الجديد"، إن الرسالة الثانية من سياسة قتل الحياة وعمليات النسف والتدمير للمربعات السكنية ومقومات الحياة هي لتعزيز سيناريو التهجير الطوعي والقسري وتحريض الفلسطينيين وكيّ وعيهم بجدوى المقاومة.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن الاحتلال يسعى عبر هذه السياسة المتصاعدة في مختلف مناطق وجوده إلى ترسيخ سياساته ومخططاته الرامية لإقامة مناطق عازلة داخل القطاع لا يعود إليها السكان، بالإضافة إلى محاولة الترويج لفكرة الاستيطان وإنشاء بؤر استيطانية داخل القطاع في المستقبل. ويوضح الدجني أن من بين أهداف تدمير غزة التي يسعى الاحتلال إلى تحقيقها في ظل استئناف المفاوضات، هو الضغط على حاضنة المقاومة ودفعها للضغط على المفاوض الفلسطيني من أجل تقديم تنازلات خلال العملية التفاوضية.

وبحسب تقرير صادر عن الحكومة الفلسطينية في رام الله، فإن حجم الركام الناتج عن تدمير غزة يقدر بنحو 40 مليون طن، وسط تحديات تنتظر التعامل مع الركام، بينها الجثث المتحللة والقنابل غير المنفجرة. ووفق التقرير الصادر في أغسطس/ آب 2024، فإن التقديرات في حينه تشير إلى إلقاء ما بين أربعة وخمسة آلاف صاروخ على غزة، سقط منها إلى عمق يصل إلى 20 متراً تحت أرض المبنى الذي استهدفه، وهو ما سيحتاج لعمليات فنية دقيقة خلال رفع الركام.