أعاد إعلان الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني عبد الله الثاني وولي العهد السابق، تخلّيه عن لقب "أمير" عبر حسابه على "تويتر"، ما عُرف بـ"قضية الفتنة" إلى الواجهة مجدداً، ليرسم صورة مختلفة للأحداث ويزيد احتمالات النهايات غموضاً.
فقبل عام، اتهمت الحكومة الأردنية الأمير حمزة بالتورط في ما سُميت "أحداث الفتنة"، والمشاركة في مخططات هدفها زعزعة أمن الأردن ونظام الحكم. ومنذ ذلك الحين، وُضع قيد الإقامة الجبرية، وأصدرت محكمة أمن الدولة، في يوليو/تموز الماضي، حكماً بالسجن 15 عاماً بحق رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد في القضية، بعد إدانتهما بمناهضة نظام الحكم وإحداث الفتنة.
وقال الأمير حمزة (42 عاماً) في بيانه الذي نشره على "تويتر" الأحد، وأعلن خلاله التخلي عن لقبه في حالة غير مسبوقة بين أفراد الأسرة المالكة، إنه "من باب الأمانة لله والضمير لا أرى سوى الترفّع والتخلّي عن لقب الأمير". وأضاف: "توصّلت إلى خلاصة بعد ما لمسته وشاهدته خلال الأعوام الأخيرة بأن قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي فيّ، والتي حاولت جاهداً في حياتي التمسّك بها، لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا". وتابع أنه كان له "الشرف العظيم بخدمة بلدي المفدى وشعبي الغالي بهذه الصفة على مدى سنوات عمري، وسأبقى كما كنت دائماً وما حييت مخلصاً لأردننا الحبيب".
تخلّي الأمير حمزة بن الحسين عن لقبه يأتي بعد عام مما عُرف بـ"قضية الفتنة"، التي تخلّلها أخذ وردّ بين أطراف العائلة المالكة، ومحاولة توظيف الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وكان الأمير قد ظهر في مناسبات عدة قبيل بروز قضيته منتقداً طريقة إدارة شؤون البلاد، وذلك خلال جلسات جرت دعوته إليها من قبل عشائر أردنية، ووجّه خلالها انتقاداته للسياسات والقرارات الحكومية التي قال إنها أفقرت المواطنين.
أعلن الديوان الملكي قبل نحو شهر أن الأمير حمزة وجّه اعتذاراً للملك عبد الله
إعلان الأمير شكّل مفاجأة للأردنيين والمتابعين، الذين ظنّوا أن الخلاف طُوي إلى غير رجعة. فقبل شهر تقريباً، أعلن الديوان الملكي الأردني أنّ الأمير حمزة بن الحسين وجّه إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اعتذاراً عن دوره في القضية.
وبحسب الرسالة المنسوبة إلى الأمير حمزة والتي نشرها الديوان الملكي، قال فيها: "أخطأتُ يا جلالة أخي الأكبر، وجلّ من لا يخطئ. وإنني إذ أتحمّل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر مني من مواقف وإساءات بحق جلالة الملك أو بلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك الذي اعتدنا عليه من جلالتك". وأضاف الأمير حمزة: "أعتذر من جلالتك ومن الشعب الأردني ومن أسرتنا عن كل هذه التصرفات التي لن تتكرر".
واستطرد بيان الديوان الملكي بأنّ "إقرار الأمير حمزة بخطئه واعتذاره عنه يمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق العودة إلى دور أصحاب السمو الأمراء في خدمة الوطن، وفق المهام التي يكلفهم بها جلالة الملك".
"قضية الفتنة" في الأردن لم تنته
وقال الباحث الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التخلي عن لقب أمير يرتبط بالقضية التي لم تنته بعد منذ عام، مضيفاً "على الرغم من أن الجميع اعتقد قبل شهر أن القضية انتهت باعتذار الأمير، إلا أن هذه الرسالة جاءت لتحيي القضية من جديد، وتكشف أنها لم تحل بعد".
ورأى أن لجوء الأمير حمزة لهذه الخطوة في هذا التوقيت يحمل الكثير من الإشارات، ومنها أنها خيار فردي عن طريق غير رسمي (حساب تويتر)، موضحاً أنه في العادة يكون التخلي الرسمي عن مثل هذا اللقب عبر الأطر الرسمية والقانونية من خلال قنوات الديوان الملكي.
تخلي حمزة عن لقب أمير خطوة غير مسبوقة، ولم يسجل لها مثيل في العائلة المالكة الأردنية
ووصف تخلي حمزة عن لقب "أمير" بأنها خطوة غير مسبوقة، ولم يسجل لها مثيل في العائلة المالكة الأردنية. وتابع "الرسالة لم تكن فقط تخلياً عن لقب أمير، على الرغم من أنه قانوناً لا يملك حق التخلي عن لقبه، لكن من الواضح أنها خطوة احتجاجية، وفيها ربط لما قاله قبل عام، عن نهج وسياسة حاول عزل نفسه عنها".
وحول التشكيك بصحة الرسالة، قال السبايلة إن كل شي قابل للتشكيك، مضيفاً أن التشكيك في هذه الرسالة يفتح المجال أيضاً للتشكيك برسالة الاعتذار السابقة، لافتاً إلى أن الرسالتين ليستا عبر تصريح مباشر. لكنه رأى أن إعادة نشر تغريدة الأمير من قبل والدته الملكة نور الحسين هي إقرار بما جرى.
وبيّن أن من يمنح أو يقرر التخلي عن اللقب هو الملك، معتبراً أن التصعيد لا داعي له، مضيفاً أنه في حال تخلى الأمير عن عضويته في العائلة فسيصبح مواطناً عادياً. ولفت إلى أنه خلال سير القضية، جرى التعامل مع الأمير داخل العائلة، لكن اليوم إذا أصبح مواطناً عادياً، فربما يطبّق عليه ما طُبّق على غيره في القضية.
الأمير حمزة في صف المعارضين
بدوره، قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية الكاتب الصحافي عريب الرنتاوي، لـ"العربي الجديد"، إنه من الواضح أن القضية لم تنتهِ برسالة الاعتذار الأخيرة، ولا برسالة المصالحة التي أعقبت حدوث القضية.
تخلي الأمير حمزة عن لقبه يعني أنه وضع نفسه في صف المعارضين السياسات الحالية
ورأى أن الرسالة تعيد القضية إلى بدايتها، معتبراً أن الأمير حمزة يتخلى عن لقبه احتجاجاً على بعض الإجراءات والسياسات، ونهج بعض مؤسسات الدولة المختلفة، وهذا يعني أنه وضع نفسه مع صف المعارضين السياسات الحالية. وتابع أن نشر التغريدة بعد عام من الإعلان عن أحداث ما بعرف بقضية الفتنة، ومع بداية رمضان، ليس صدفة، بل له أهدافه. وأضاف: "فهمتُ من الرسالة أن الأمير يريد التخلي عن قيود اللقب لاستعادة حرية حركة أوسع للتعبير عن مواقفه، لكن لا نعرف ماذا سيجري خلال الفترة المقبلة، وهو مرتبط بتصرف الدولة والعائلة المالكة مع الموضوع".
ووصف الرنتاوي عدم تقديم الإعلام المحلي رواية حول القضية بالأمر السلبي، معتبراً أن ذلك يفتح المجال أمام المصادر الأخرى، مثل البث المباشر على وسائل التواصل وغيرها من الوسائل التي قد تنشر معلومات صحيحة أو خاطئة، والأفضل تقديم المعلومة الصحيحة وبيان رسمي للمواطنين.
صلاحية للملك الأردني
يُذكر أن أحكام المادة 37 من الدستور الأردني تنص على أن للملك منفرداً حق منح الألقاب وسحبها من حامليها، كما يأتي قانون خاص لينظم تلك الصلاحية. وفي ما يتعلق بالأمراء، فإن قانون الأسرة المالكة رقم 24 لسنة 1934 يشير إلى أنه لا يحق لأي من أعضاء الأسرة التخلي عن لقبه من دون تنسيب مجلس الأسرة الذي يؤلف من عضو أسرة يختاره الملك، ورئيس الوزراء ووزير يختاره من حكومته، وقاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي، وأن للملك الحق المطلق بالموافقة على القرار أو رفضه.
كما تشير المادة 4 من قانون الأسرة المالكة لسنة 1937 إلى أن لقب الأمير أو الأميرة يطلق على أعضاء الأسرة المالكة. ولا يحق التنازل عن لقب أمير إلا بقرار من المجلس المنصوص عليه بالقانون. وإذا صدر مثل هذا القرار، يمكنه حرمان زوجته من اللقب، لكن أولاده يبقون أمراء.
وتنص المادة 13 من قانون الأسرة الملكية لعام 1937 على أنه "إذا ارتكب أحد أعضاء الأسرة المالكة، ذكراً كان أم أنثى، أموراً خطيرة تخل بكرامة رتبته الملوكية، فيحق للملك أن يُصدر بعد أخذ رأي المجلس أمراً بإخراج ذلك العضو من الأسرة المالكة لعدم جدارته بالانتساب إليها".
يُذكر أن الأمير حمزة بن الحسين مولود في عمّان في 29 مارس/آذار 1980، وهو الابن الأكبر للملك الحسين من زوجته الرابعة الملكة نور الحسين. بعد وفاة الملك حسين، تولى الملك عبد الله الثاني عرش الأردن، فيما عُيِّن الأمير حمزة ولياً للعهد. استمرّ في هذا المنصب قرابة ست سنوات، من 7 فبراير/شباط 1999 حتى أُعفي من منصبه في 28 سبتمبر/أيلول 2004.
وأنهى الأمير حمزة بن الحسين تعليمه الابتدائي في عمّان، ثم التحق بمدرسة هارو في المملكة المتحدة، ومنها إلى أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، وتخرّج منها في 10 ديسمبر/كانون الأول 1999 بتفوق، حيث حاز سيف الشرف، وهو أرفع تقدير يتسلمه ضابط من خارج بريطانيا. وبعد ذلك، تخرّج من جامعة هارفارد الأميركية في مطلع عام 2006. كما حصل على شهادة الماجستير في الدراسات الدفاعية من كلية كينغز كوليج لندن، في المملكة المتحدة، عام 2011.
ويحمل الأمير حمزة بن الحسين رتبة عميد في الجيش الأردني، والتحق بالعديد من الدورات، مثل دورات المظليين ودورات القناصة ودورات قيادة الطائرات العمودية، وخدم في اللواء المدرع الأربعين في الجيش الأردني، وشارك في عدد من الدورات العسكرية في الأردن والمملكة المتحدة وبولندا وألمانيا والولايات المتحدة. وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2017، عُيِّن مستشارا لرئيس هيئة الأركان المشتركة لشؤون الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى عمله.