تحقيق شفوي مع 48 قاضياً ينهي أزمة في مصر

31 ديسمبر 2024
وزارة العدل المصرية، 1 أغسطس 2023 (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل المصرية بالتحقيق مع 48 قاضياً بسبب شكاوى حول تردي أوضاعهم المالية وعدم المساواة في الامتيازات، مما اعتبره القضاة تهديداً لهم.
- أظهرت الإجراءات الرسمية رغبة في احتواء الأزمة وتجنب التصعيد، مع تعليمات رئاسية بتسريع تنفيذ قرار المساواة بين الهيئات القضائية المختلفة.
- لوّح القضاة المحالون للتحقيق باتخاذ خطوات تصعيدية مثل الإضراب، مطالبين بالمساواة في المستحقات المالية وتوزيع عادل لميزانية السلطة القضائية.

اكتفت إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل المصرية بالتحقيق الشفوي مع 48 قاضياً في مصر تمت إحالتهم للتحقيق بعد نشرهم تدوينات على مجموعات القضاة على شبكات التواصل الاجتماعي، يشكون فيها من تردي أوضاعهم المالية. تضمنت شكوى هؤلاء القضاة أيضاً عدم وجود مساواة في الامتيازات المالية بين الهيئات القضائية الثلاث: "العادي" و"الإداري" و"الدستوري"، رغم وجود قرار من المجلس الأعلى للهيئات القضائية، برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالمساواة بين الهيئات الثلاث في الرواتب والحقوق المالية. واعتبروا أن إحالتهم للتحقيق بسبب هذه الشكوى تمثل مذبحة جديدة للقضاة.

واكتفت إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل بالتحقيق الشفوي مع القضاة المذكورين، دون فتح تحقيق رسمي معهم، إذ جرى تهديدهم بمواجهة عواقب وخيمة في حال تكرار الأمر، من بينها الإحالة إلى مجلس الصلاحية ومواجهة العزل من القضاء في محاصر بحال نشر هذه المشكلات على شبكات التواصل الاجتماعي. وأبلغت إدارة التفتيش القضائي القضاة المحالين للتحقيق، الذين تمت إعادتهم لعملهم فوراً بعد قرار وقفهم، بأنه لا يليق مناقشة أمور القضاء في مصر بشكل عام على صفحات التواصل الاجتماعي، وأن هناك قنوات معينة ومحددة لتقديم الشكاوى من الأوضاع المالية والامتيازات، بما يليق بمقام القضاء.

وعندما اعترض القضاة بأنهم قدموا شكاوى عديدة إلى المستشار حسني عبد اللطيف، رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض، يتظلمون فيها من تردي أوضاعهم وضرورة تنفيذ قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية، خلال اجتماع بحضور رئيس الجمهورية، بالمساواة في الرواتب والامتيازات بين جميع العاملين في المرفق القضائي، لم يتلقوا أي ردود، بل واجهوا تجاهلاً وصمتاً من الجميع حيال مطالبهم. وأضاف القضاة أنه تم كذلك تجاهل المذكرة التي تقدم بها المستشار محمد عبد المحسن، رئيس نادي القضاة السابق، إلى رئاسة الجمهورية ووزير العدل، المستشار عدنان فنجري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، حول تردي الأوضاع المالية للقضاة وضرورة تحسينها والمساواة في الحقوق بين الهيئات القضائية المختلفة.

احتواء القضية

أظهر اكتفاء إدارة التفتيش القضائي بالتحقيق الشفوي ومطالبة القضاة المحالين بعدم تكرار الأمر، رغبة رسمية من جهات أمنية ووزير العدل، في احتواء الأمر وعدم تحويله إلى قضية إعلامية، بل وإعادة القضاة لعملهم بشكل فوري لقطع الطريق على استغلالها من قِبَل قوى المعارضة المصرية في الخارج، والترويج لوجود حالة من التمرد في صفوف القضاة في هذا التوقيت الحساس.

مصادر: تعليمات رئاسية بإعادة القضاة لعملهم فوراً وعدم التصعيد معهم

وذكرت مصادر قضائية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن تعليمات رئاسية صدرت بضرورة إغلاق هذا الملف وتسريع تنفيذ قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية بضرورة المساواة بين الهيئات القضائية المختلفة، وإصلاح الأوضاع الحالية التي تُظهر وجود امتيازات مالية في هيئات لا يتمتع بها قضاة يعملون في هيئات قضائية أخرى. كما تضمنت التعليمات الرئاسية إعادة القضاة لعملهم فوراً وعدم التصعيد معهم، حتى لا يبدو النظام وكأنه متورط في ممارسات تمييزية بين قضاته، ولمنع أي اتهامات بالاعتداء على استقلال القضاء. من جانبه، أكد نائب رئيس سابق لمحكمة النقض، رفض ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد"، أن استمرار تردي الأوضاع المالية للقضاة يضرب استقلال القضاة في مقتل ويفتح الباب أمام انحراف بعض القضاة بسلطتهم وتلقي رشاوى مالية للحفاظ على مستوى معيشتهم، وهو ما تورط فيه بعض القضاة خلال الفترة الماضية.

وشدّد على ضرورة تحصين القضاة من أي انحراف، موضحاً أن صدور تعليمات رئاسية بإغلاق هذا الموضوع نبع من رغبة في إبعاد مشكلات القضاة عن وسائل الإعلام، وعدم طرح قضية استقلال القضاة مجدداً باعتبارها كانت من أسباب تصاعد الغضب على نظام (حسني) مبارك السابق. كما تضمنت التعليمات علاج مشكلات القضاة المالية عبر القنوات الشرعية لقطع الطريق على استغلال المعارضة في الخارج لهذه الأزمة لتشويه صورة النظام الذي يحمل سجلاً غير جيد في مسألة استقلال القضاء. وكان عدد من القضاة قد اشتكوا في مجموعاتهم المغلقة على شبكات التواصل الاجتماعي من فقدان استقلالهم والتدخل في عملهم، وتحولهم إلى موظفين، في وقت تم المساس بامتيازاتهم المالية والاجتماعية، بشكل أثر على مستوى معيشتهم، في ظل تجاهل قيادات مجلس القضاء الأعلى والمجلس الأعلى للهيئات القضائية لمطالبهم المشروعة، بحسب وصفهم. وأعلن 48 قاضياً من محاكم الاستئناف والابتدائية في مصر رفضهم المثول للتحقيق أمام إدارة التفتيش القضائي، بعدما اتهمهم مدير الإدارة بالتحدث عن أوضاعهم المالية المتدهورة عبر مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر القضاة هذه الإحالة إجراء تعسفياً يهدف إلى تكميم الأفواه.

لا سند قانونيا لأزمة القضاء في مصر

ولوّح القضاة المحالون للتحقيق باتخاذ خطوات تصعيدية، تشمل تعليق العمل في المحاكم والإضراب، إضافة إلى تنظيم اعتصام داخل مقر نادي القضاة. وأعلنت أسر القضاة تضامنها الكامل، ما يُظهر تصاعد الأزمة داخل المؤسسة القضائية. وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، جرى ترتيب لقاء بين وزير العدل ومجلس إدارة نادي القضاة، بهدف التوصل إلى حلول تُجنب المؤسسة القضائية مزيداً من التوتر، خصوصاً بعد تدخل أطراف قضائية رفيعة المستوى لتهدئة الأوضاع.

جمال قابيل: اقتصرت أفعال القضاة على مناقشة أزماتهم عبر مجموعات قضائية مغلقة

وأكد المستشار جمال قابيل، رئيس محكمة استئناف القاهرة، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن قرار وزير العدل بإحالة القضاة للتحقيق في إدارة التفتيش القضائي يفتقر إلى أي سند قانوني. وأوضح أن القانون المنظم للشأن القضائي لا يدعم مثل هذه الإحالة، مشيراً إلى أن القضاة المحالين للتحقيق لم يرتكبوا أي مخالفات تستدعي التحقيق، إذ اقتصرت أفعالهم على مناقشة أزماتهم عبر مجموعات قضائية مغلقة، وهي مجموعات مخصصة لمناقشة القضايا المهنية للقضاة فقط وتتم بإشراف صارم على عضويتها لضمان السرية.

ووجه رؤساء محاكم الاستئناف مذكرة للمجلس الأعلى للقضاء، طالبوا فيها بالمساواة بين جميع الدرجات القضائية في المستحقات المالية، ودعوا إلى توزيع عادل لميزانية السلطة القضائية. كما اقترحوا إنشاء آلية للتناوب على رئاسة المجلس الأعلى للقضاء في مصر أو منح محاكم الاستئناف استقلالية مالية. وكان المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة قد اعتبر في بيان له قرار إحالة 48 قاضياً للتحقيق اعتداءً على استقلال القضاء، وانتهاكاً واضحاً للحقوق التي يتمتع بها القضاة وفقاً لمواثيق الأمم المتحدة، وخصوصاً المادة الثامنة التي تنص على حق القضاة، مثلهم مثل المواطنين، في التعبير عن آرائهم وحقهم في التجمع وإنشاء الجمعيات بشرط عدم الإخلال بمقتضيات هيبة القضاة واستقلالهم.