تحقيقات لبنان بعملية التهريب: ساسة ينأون بأنفسهم عن "ملك الكبتاغون" وتخوف من حصر القضية بـ"الإهمال الوظيفي"

28 ابريل 2021
تخوّف من الاكتفاء بتوقيف "صغار القوم" وحصر الملف بـ"الإهمال الوظيفي" (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال قضية تهريب مخدر "الكبتاغون" من لبنان إلى السعودية الحدث الأبرز، في ظلّ تكتّم شديدٍ يسود التحقيقات التي بحسب معلومات "العربي الجديد" تتولّاها أكثر من جهةٍ قضائية وأمنية، نظراً لتشعّب الملف وكثرة المتورّطين فيه، في ظل بروز اسم مهرب اعتُقِل، تحاول أطراف سياسية نفي أي ارتباط لها به.

وأعلنت الجمارك السعودية، يوم الجمعة الماضي، إحباط تهريب 5.3 ملايين حبة "كبتاغون" مخبّأة في فاكهة رمان واردة من لبنان، وتبعاً لذلك، اتخذت المملكة قراراً بمنع دخول إرساليات الخضروات والفواكه اللبنانية إليها، أو العبور من خلال أراضيها، ابتداءً من 25 إبريل/ نيسان الجاري إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذها الإجراءات اللازمة لإيقاف عمليات تهريب المخدرات الممنهجة ضدّها.

وأوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي المدعو حسن محمد دقو، قبل حوالى أسبوعين، المتهم بقضية تهريب شحنة بملايين حبات "الكبتاغون" إلى ماليزيا التي لم تكن الوجهة الأخيرة لها، وهو سوري الأصل استحصل على الجنسية اللبنانية بظروف لم تتضح بعد، علماً أنّها ارتبطت بمرسوم التجنيس الصادر عام 2018 عن الرئيس اللبناني ميشال عون، قبل أن تنفي الرئاسة الأولى ذلك. ويرجَّح أن يكون قد حصل عليها بموجب حكم قضائي، كذلك انتشر تسجيل صوتي لزوجته، وهي محامية، تطلب رشوة أحد القضاة الذين يتولون التحقيق في القضية.

وتناولت وسائل إعلام محلية وأجنبية قضيته، ولا سيما بعد انتشار صور له مع شخصيات سياسية، منها مع نائب "حزب الله" إبراهيم الموسوي، ورئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، فنفى الطرفان اتصالهما به ومعرفتهما طبيعة عمله. كذلك ظهرت صور له على مكتبه حيث يعلّق علم "حزب الله"، إضافة إلى معلومات تحدثت عن النفوذ الأمني والقضائي والسياسي الذي يتمتع به ويسهل عملياته ويحصّنه من أي توقيف أو محاكمة.

وارتبط أيضاً اسم وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، بدقو الذي اشترى منه سيارتين لموكبه الأمني الذي يمرّ على الحدود والطرقات ويجتاز فيه الحواجز العسكرية، إلا أن المشنوق نفى علمه بطبيعة عمل دقو.

ووضع دقو يده على مساحة كبيرة من أراضي بلدته الطفيل، الخاضعة لسيطرة "حزب الله"، وشيّد مخازن ضخمة برخصة حازها من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، محمد فهمي، الذي نأى بنفسه أيضاً عن معرفة طبيعة عمل دقو، وهو ما يطرح علامات استفهام عن الأسباب التي أدت اليوم تحديداً إلى رفع الغطاء عنه.

تعليقاً على التحقيقات المرتبطة بعملية التهريب الأخيرة، قال مصدرٌ قضائي لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم كشف اسمه، إنّ "المسألة أشبه بسلسلةٍ بشرية مترابطة يقودنا كل طرف فيها إلى الآخر، باعتبار أنّ التهريب على مستوى عالٍ يكون حتماً متصلاً بشبكة محترفة لا يقتصر أعضاؤها على جنسية واحدة، بل تتعدّد فيها الجنسيات لإنجاح العملية التي تكون بمثابة امتدادٍ بين دولة وأخرى".

وأوضح المصدر ذاته أنّ هناك عدداً من الموقوفين من جنسيات مختلفة (لم يحدد العدد)، أبرزهم سوريون ولبنانيون، يجري التحقيق معهم، فضلاً عن أشخاص أُوقِفوا في مراحل سابقة لمعرفة ما إذا كان هناك ارتباط بينهم وبين الشبكة التي عملت على تهريب المواد المخدرة داخل حبات الرمان من سورية إلى لبنان، فالمملكة العربية السعودية.

وكشف أيضاً عن إصدار مذكرات بحث وتحرٍّ بحق مطلوبين، مشيراً إلى أنّ التحقيقات تتطرق أيضاً إلى كيفية دخول البضاعة إلى الأراضي اللبنانية، ومَن أعطى الشحنة شهادة المنشأ، وجعل الرمان إنتاجاً لبنانياً، فضلاً عن البحث في هوية الشركة المصدرة.

وشدد المصدر على أنّ "التحقيقات لن تقتصر فقط على المهربين والمشتبه فيهم المدنيين، بل ستطاول إداريين وأمنيين وعسكريين، وحتى قضاة، ويمكن أن تصل بناءً على اعترافاتهم إلى شخصيات سياسية"، علماً أن التخوّفَ دائماً موجود من حصول تدخلات في القضية لطمس الحقيقة، وربما حصرها بتهمٍ ترتكز على جرم الإهمال الوظيفي والتزوير وتقتصر على "الصغار" لا الرؤوس الكبيرة في مسار يكون شبيهاً بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت.

هذا السيناريو لا يستبعده أبداً المحامي أيمن رعد، لا بل يتوقع حدوثه "كأي قضية في لبنان"، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المنظومة الحاكمة وذراعها القضائية لا تعمل إلّا على قضايا تخرج إلى الضوء الإعلامي وتحدث بلبلة داخلية وخارجية، فتجد النيابات العامة نفسها مضطرة إلى التحرك، وهذا ما حدث على صعيد انفجار مرفأ بيروت، واليوم ملف التهريب".

وأشار رعد إلى أنّ "القضية كبرت كثيراً، ولم يعد بالإمكان السيطرة عليها والحدّ من أضرارها، أو لفلفتها كمثيلاتها من الملفات، ولا سيما بعد المواقف التي صدرت عن السعودية وقرارها منع دخول إرساليات الخضروات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، وما رافق الحدث من تأييد عربي وخليجي لخطوة المملكة".

وتابع المحامي: "تحرّكت الذرائع القضائية لمنظومة الحكم الفاسدة التي تعمل على تبييض صفحتها وإظهار للرأي العام المحلي والدولي والعربي أنها تنكبّ على إجراء التحقيقات وتوقيف المتورطين، علماً أنّها فعلياً ستكتفي بتوقيف صغار القوم لا الرؤوس الكبيرة، وخصوصاً السياسية، وستحصر العملية بإطارٍ معيّن عنوانه المسؤولية الإدارية، وبالتالي تحويل الملف إلى إهمال وظيفي، بعيداً عن توجيه اتهامات بالمشاركة في عصابات عمليات التهريب".

وأردف المحامي: "حتى حسن محمد دقو الذي لقِّب بـ"ملك الكبتاغون" هو مجرد مهرّب و"ديليفري بوي" للعصابة، وحرقت ورقته اليوم".

وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الأربعاء، خلال لقائه وزير الصناعة، عماد حبّ الله، أنّه "لا يقبل أن يكون لبنان معبراً لما يمكن أن يسيء إلى الدول العربية الشقيقة عموماً وإلى السعودية ودول الخليج خصوصاً".

بدوره، قال وزير الصناعة المحسوب على "حزب الله"، إنّ "حماية الأمن السعودي هو من مسؤوليتنا أيضاً كلبنانيين، وعليه أن يتجسد بالتعاون مع الجهات السعودية"، متمنياً "العمل على تشديد المراقبة عبر الجمارك وفي مختلف مؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر".

وتُوجَّه اتهامات إلى "حزب الله" بالتورط بتجارة الممنوعات والتهريب بالنظر لكونه يُحكم قبضته على المعابر الشرعية وغير الشرعية، وحيازته لكبرى المصانع في مناطق نفوذه في لبنان بقاعاً وفي وسورية حيث يسيطر النظام السوري.

وكان السفير السعودي لدى لبنان، وليد البخاري، قد نشر على حسابه الرسمي عبر "تويتر"، رسماً بيانياً يتضمّن قائمة مضبوطات المواد المخدرة من لبنان منذ بداية عام 2020 وحتى إبريل/ نيسان الجاري، وارفقه بوسم "#الحرب_على_المخدرات"، حيث "بلغ إجمالي ما تم ضبطه سبعة وخمسين مليوناً ومئة وأربعة وثمانين ألف وتسعمائة (57,184,900) مادة مخدرة".

وغادر السفير بيروت قبل أيام متوجهاً إلى السعودية، حيث أكد في أكثر من تصريح أنه في إجازة اعتيادية، علماً أنّ الكلام الأبرز على أسباب السفر رُبِط بشكل كبير بالتطورات الأخيرة على صعيد قضية التهريب. ووضعت تغريدة البخاري بأنّ "أمن المملكة في ظل قيادتنا الحكيمة خط أحمر، لا يُقبل المساس به"، في إطار الرد على اجتماع بعبدا الأمني، وأنه لم يخرج بنتائج إيجابية ترضي المملكة التي تعتبر نفسها مستهدفة بعلميات التهريب من "حزب الله".

المساهمون