يأتي إعلان عمّان عن اجتماع لوزراء داخلية الأردن ولبنان والعراق والنظام السوري، بهدف بحث مكافحة تهريب المخدرات في المنطقة، دليلاً على فشل المبادرة العربية ـ الأردنية في دفع النظام السوري للتعاون في مسألة كبح تهريب المخدرات من سورية إلى خارج حدود البلاد، وتحديداً إلى الأردن، الذي وجّه ضربات داخل الأراضي السورية في محاولة لكبح تهريب المخدرات. لكن الدلائل تشير إلى عدم حصوله على نتائج مُرضية.
وكشفت وزارة الداخلية الأردنية، أمس الأول الخميس، أنها بصدد استضافة اجتماع خلال الأيام المقبلة في عمّان على مستوى وزراء الداخلية، بمشاركة العراق وسورية ولبنان، وذلك لبحث موضوع آفة المخدرات ومكافحتها.
وبيّن المتحدث باسم الوزارة، طارق المجالي، في بيان، أن الاجتماع يبحث كذلك "تعزيز التعاون في هذا الإطار لمواجهة التحديات المشتركة التي باتت تشكل خطراً يداهم مجتمعات المنطقة، حيث أضحت هذه الآفة من أبرز المشكلات التي تهدد السلم المجتمعي".
وكانت عمّان قد بدأت التحرك عسكرياً لمكافحة تهريب المخدرات عند حدودها الشمالية، في ظل عدم تعاون النظام السوري، المتهم أساساً بإدارة تجارة المخدرات والكبتاغون بالشراكة مع "حزب الله" ومليشيات الحرس الثوري الإيراني.
أحمد قربي: الدعوة الأردنية للاجتماع تأتي في إطار الضغوط الأمنية والسياسية على نظام الأسد
وفي 7 فبراير/ شباط الحالي، أعلن الجيش الأردني مقتل ثلاثة مهربين، بالإضافة إلى إصابة جندي من قوات حرس الحدود الأردنية، أثناء محاولتهم تهريب المخدرات من سورية. وسبق ذلك إعلان الأمن العام الأردني، في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، إحباط محاولة تهريب أكثر من 4 ملايين حبة مخدرة في معبر جابر ـ نصيب الحدودي مع سورية.
وفي 6 يناير الماضي، كشفت القوات الأردنية عن مقتل 5 مهربين وإلقاء القبض على 15 آخرين أثناء إحباط إدخال شحنة مواد مخدرة تضم 627 ألف حبة "كبتاغون"، بالإضافة إلى 3439 كفاً من مادة الحشيش المخدر.
وانتظرت عمّان والمجموعة الوزارية العربية التي أفرزتها المبادرة العربية للتواصل مع النظام السوري، التي لم تجتمع سوى مرة واحدة في أغسطس/آب الماضي بعد إقرار المبادرة في مايو/أيار الماضي، ردوداً من دمشق حول إجراءاتها لمكافحة تهريب المخدرات. لكن الردود لم تصل، وهو ما لمّحت وصرحت به عمّان مراراً عبر مستويات مختلفة.
ارتفاع عدد محاولات تهريب المخدرات من سورية
وفي 24 يناير الماضي، قالت الخارجية الأردنية، في بيان، إن "الأردن زود الحكومة السورية خلال اجتماعات اللجنة المشتركة، التي كان شكّلها البلدان، بأسماء المهربين والجهات التي تقف وراءهم، وبأماكن تصنيع المخدرات وتخزينها وخطوط تهريبها، والتي تقع ضمن سيطرة الحكومة السورية، إلا أن أي إجراء حقيقي لتحييد هذا الخطر لم يُتخذ"، لافتة إلى أن "محاولات التهريب من سورية شهدت ارتفاعاً خطيراً في عددها".
حينها لوح المتحدث باسم الوزارة سفيان القضاة، بإجراءات أردنية أحادية، قائلاً إن "الأردن قادر على حماية حدوده وأمنه من عصابات تهريب المخدرات والسلاح وسيدحرهم، وسينهي ما يمثلون من خطر بجهود بواسل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية".
البيان الأردني كان في سياق التراشق الدبلوماسي بين عمّان ودمشق، وذلك بعد ساعات من بيان لوزارة خارجية النظام، الذي أشار للضربات الأردنية داخل الأراضي السورية بأنه "لا مبرر لها"، إذ عبرت عن "أسفها الشديد، من جراء الضربات التي وجّهها سلاح الجو الأردني إلى قرى ومناطق عدة على أراضيها".
ومنذ أن اعتمد بيان عمّان، مطلع مايو الماضي، مبادرة الأردن للتقارب مع النظام السوري على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وتضمينه خريطة طريق للتعامل مع عدة ملفات، في مقدمِها محاربة صناعة وتجارة المخدرات، لوحظت زيادة في عمليات التهريب.
ولم تعقد اللجنة الوزارية، بعد تبني الجامعة العربية للمبادرة الأردنية، سوى اجتماع واحد، في القاهرة منتصف أغسطس الماضي. حينها ركز وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد على الطلب من الدول العربية حث الأمم المتحدة على تقديم الأموال للنظام بغطاء التعافي المبكر، ضمن المساعدات الأممية المقدمة إلى الشعب السوري أساساً، دون أن يقدم توضيحات حقيقية حيال الملفات الأساسية في المبادرة: الحل السياسي بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ومكافحة المخدرات، وإعادة اللاجئين، إضافة للملف الأمني. وبدا واضحا حينها أن النظام يريد المساومة على ملف المخدرات مقابل ملفات أخرى.
ضغوط أمنية وسياسية على نظام الأسد
من جهته، رأى الباحث في "مركز الحوار السوري" أحمد قربي، أن الدعوة الأردنية للاجتماع على مستوى وزراء الداخلية، تأتي في إطار الضغوط الأمنية والسياسية في آن معاً على نظام بشار الأسد، لا سيما بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات والسلاح باتجاه الأردن، والتي قابلها الأخير بتصعيد عسكري وسياسي، من خلال إشارة بعض المسؤولين الأردنيين إلى أن نظام الأسد لا يملك قراره.
وأضاف قربي، لـ"العربي الجديد"، أن "عمّان أشارت سابقاً إلى أن الاتفاقات الأمنية مع النظام لم تنجح في إيقاف عمليات التهريب، وبالتالي فإنها تنتظر أن يفي النظام باتفاقاته ويقدم شيئاً ملموساً".
وأوضح أن "الاجتماع المزمع عقده على مستوى وزراء الداخلية لن يأتي بجديد، فالمبادرة الأردنية القائمة على مبدأ خطوة مقابل خطوة لم تفرز أية نتائج ملموسة، بعد ما يقارب السنتين من الإعلان عنها. وأعتقد أن الأردن يعي أن النظام لا يمكن أن يتعاون في هذا الملف".
واعتبر قربي أن "النظام لا يمكنه التخلي عن تجارة المخدرات، كونها أصبحت العائد الاقتصادي الأهم في بنيته المتهالكة، بالإضافة إلى كونه لا يملك قرار الإيقاف أمنياً وعسكرياً، لأن ملف التهريب هو فعلياً بيد إيران ومليشياتها. حتى لو امتلك النظام إرادة إيقاف التهريب، فإنه لا يملك أدوات التنفيذ".
ماهر الشوابكة: مشكلة عدم التعاون تكمن في "رموز" النظام المنتفعين من هذه التجارة
من جهته، رأى المحلل السياسي والعسكري الأردني، العميد موسى القلاب أن "وزراء داخلية الأردن والنظام ولبنان والعراق ليست لديهم أي صلاحيات فعلية حول منع تجارة وتهريب المخدرات".
وأضاف القلاب، لـ"العربي الجديد"، أن "من لديهم صلاحية هم الإيرانيون وحزب الله ورئاسة النظام السوري، وهؤلاء لن يتنازلوا عن مشروع المخدرات في المدى المنظور"، لافتاً إلى أن "الأردن جاد في التنسيق مع النظام السوري على أي مستوى ممكن، ولن يغلق قنوات الحوار والتفاهم، مع أنني أعتقد بعدم جدوى تلك الخطوات التنسيقية على مستوى وزراء الداخلية".
ملف المخدرات يضغط على الحكومة الأردنية
أما الصحافي الأردني ماهر الشوابكة، فأشار إلى أن "ملف المخدرات أصبح هماً يومياً ضاغطاً على الحكومة الأردنية، بعدما أصبحت عمليات تهريب المخدرات من سورية شبه يومية، وباتت البلاد تدفع الثمن من دماء أبنائها وقواتها على الحدود الشمالية".
واعتبر الشوابكة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة عدم التعاون من قبل دمشق، لا تكمن في النظام بحدّ ذاته، وإنما في رموز النظام المنتفعين من هذه التجارة".
ولفت إلى أن "عمّان تحاول من جانبها من خلال هذه الاجتماعات أن تأخذ أي تعهدات من النظام أو تعاون، لكن هناك حالة من الفوضى على الحدود الشمالية للأردن، أي داخل الأراضي السورية يستغلها تجار المخدرات، والنظام السوري لا يزال بعيداً جداً عن أن يحكم قبضته الأمنية على الحدود، وبالتالي عمّان لا تعقد آمالاً كبيرة على تعاون النظام، بل تحاول تخفيف هذه الظاهرة التي أرهقتها وتشغل جيشها وتؤرق أمنها الوطني".