وقال تقرير في صحيفة "غلوبس" إن شركة "البعد الخامس"، التي أسسها غانتس بتمويل خارجي يقدر بـ40 مليون دولار، أغلقت أبوابها نهائياً في 15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، وصرفت العاملين فيها بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، فيما تواصل مساعيها لبيع التكنولوجيا التجسسية المدنية التي طورتها لشركة أخرى لدمجها في نشاطها، عبر الإشارة إلى أن الحديث يدور عن مفاوضات واتصالات مع "جسم رسمي مدني كبير في إسرائيل"، دون الإفصاح عن هويته، ما من شأنه أن يضفي مزيداً من الضوء والتأكيد على ارتباط شركات السايبر الإسرائيلية المختلفة، التي تنتشر في القطاع الخاص، بالمنظومة الإسرائيلية الرسمية، وخصوصاً أنها ملزمة بالحصول على تصاريح للعمل من قسم مراقبة الصناعات والخبرات الأمنية.
وكشفت الصحيفة أن شركة "البعد الخامس"، التي أسسها غانتس، بعد خروجه من الجيش وتقاعده، طورت، بعد تجنيد خبراء في مجال السايبر، قدرات جمع وتحليل معلومات استخباراتية لصالح هيئات وسلطات مدنية لفرض القانون، من دون إيضاح طبيعة هذه الخبرات، أو هوية الجهات الرسمية لفرض القانون وتطبيقه، وهل هي مثلاً أجهزة مثل الشرطة، أم سلطات حكومية تتصل بمراقبة حركة المال والقطاع الاقتصادي وغيرها من مجالات الحياة المدنية. وأشارت الصحيفة، في تقريرها، إلى أن الشرطة أجرت مفاوضات مكثفة مع شركة "NSO"، بفعل الصيت السيئ الذي بات يلفها بسبب تقارير عن تورطها في بيع خبرات وبرامج تجسس لصالح أنظمة قمعية واستبدادية لمراقبة ومطاردة المعارضين للأنظمة، كما في حالة السعودية والإمارات. وذكرت تقارير إسرائيلية، مطلع العام الحالي، أن السعودية سعت لشراء برنامج "بيغاسوس 3" عبر وسيط إماراتي حاول إقناع رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، إيهود باراك، بالقيام بهذه العملية قبل عامين، فيما نشرت "هآرتس" تقريراً قالت فيه إنه يستدل من دعوى قدمها رجل أعمال قبرصي في المحاكم الإسرائيلية أن الشرطة باعت خبرات للسعودية، ولم تدفع للوسيط عمولته.
لكن أبرز ما جاء في تقرير الصحيفة الإسرائيلية عن سبب فشل شركة غانتس، وتعثر المفاوضات بينها وبين "NSO" أن ذلك جاء بعد قرار من الإدارة الأميركية بفرض عقوبات وقيود على الصفقات التي تتم مع الملياردير الروسي فيكتور فيكسلبيرغ، الذي يعرف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي تبين أنه أحد أصحاب الأسهم في شركة "البعد الخامس". وأدى القرار الأميركي بفرض العقوبات على أعمال فيكسلبيرغ إلى عدم تحويل أمواله إلى شركة "البعد الخامس"، عدا عن أن سلطات القانون الأميركية التي فحصت إمكانية شراء برامج وتكنولوجيا من شركة "البعد الخامس" قررت الانسحاب وعدلت عن ذلك، وهو ما أدى أيضاً إلى تراجع صندوق فرانسيسكو بارتنرز المسيطر على شركة "NSO" الإسرائيلية والانسحاب من الصفقة.
ويتضح من التقرير أن الملياردير الروسي، المساهم بشكل كبير في شركة غانتس، هو من أشد المقربين من بوتين، وهو ما يضع تساؤلات حول التعاقد بينه وبين غانتس وقبوله الاستثمار في شركة تجسس مدنية يؤسسها رئيس سابق لأركان الجيش الإسرائيلي، مع كل ما لذلك من دلالات بفعل ارتباط غانتس بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية. إلى ذلك، اتضح، بحسب صحيفة "غلوبس"، أن رجل الأعمال الروسي كان قد خضع في مايو/ أيار الماضي لاستجواب من قبل طاقم المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر، الذي يحقق في شبهات حول تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح الرئيس دونالد ترامب ضد منافسته هيلاري كلينتون. وتمحور استجواب فيكسلبيرغ حول الأموال التي تم تحويلها للمحامي مايكل كوهين، بهدف دفعها لإسكات ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، عبر صندوق الاستثمار الأميركي "Columbus Nova"، وهو الصندوق نفسه الذي استثمر في شركة الجنرال بني غانتس. ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من إغلاق الشركة وصرف العاملين فيها، إلا أن غانتس لا يزال يشغل منصب المدير العام للشركة، إلى جانب نائب رئيس الموساد الأسبق رام بن براك. وكشف التقرير أن الشركة، وبحسب ادعائها، طورت "نموذجاً للتحقيق يعتمد على ذكاء صناعي". ووفقاً لتقرير الصحيفة الإسرائيلية، فقد تأسست شركة "البعد الخامس"، بإدارة غانتس ورام بن براك، في العام 2014، على يد دورون كوهين وغاي كسبي، وهي ممولة من مستثمرين وصناديق، بينها "Blumberg Capital"، و"CerraCap Ventures" و"Columbus Nova".
إلى ذلك، يكشف تقرير "غلوبس" أن فشل الصفقة مع شركة "NSO" من شأنه أن يضر بالشركة الإسرائيلية التي كانت تأمل بشراء خبرات التجسس المدنية في محاولة لتحسين صورتها العالمية على زرعها برامج التجسس في هواتف صحافيين وناشطين حقوقيين، لا سيما بعد الدعوى التي قدمها ضدها المواطن السعودي عمر عبد العزيز، متهماً إياها بأنها زرعت برنامج التجسس "بيغاسوس 3" في هاتف الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ويشكل قطاع السايبر والتجسس مجالاً رئيسياً للعمل لخريجي وحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وأبرزها الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان". ويقوم خريجو هذه الشعبة عادة بالاتجاه للقطاع الخاص في تطوير وبناء شركات تجسس ومراقبة وتحليل معطيات مختلفة، أشهرها "NSO" و"بلاك كيوب"، و"إيميجست إنترناشيونال". ويتم عادة جمع استثمارات من جهات مختلفة من داخل إسرائيل وخارجها، كما تكشف علاقة شركة "البعد الخامس"، التي أسسها غانتس، بالملياردير الروسي. وهي تعمل عادة عبر تأسيسها خارج حدود إسرائيل وفي دول أجنبية. ويساعد هذا الأمر أصحاب هذه الشركات في اجتياز عقبات مختلفة، وإن كانت تظل ملزمة بالحصول على إذن وتصريح من قسم مراقبة التصدير الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية. وهي تشبه في تعاملها كشركات من القطاع الخاص، نشاط شركات تجارة الأسلحة الإسرائيلية التي يملكها جنرالات ووزراء سابقون، إذ لا تقيم وزناً للقانون الدولي أو حقوق الإنسان في نشاطها، عدا عن أن نشاطها يُستغل أيضاً كمصدر سري في تحسين علاقات دولة الاحتلال مع الأنظمة والدول التي تتعامل معها.