استمع إلى الملخص
- **ردود الفعل والتداعيات السياسية**: البيان المشترك فاجأ المجتمع السياسي، وسلطة الانتخابات ردت بأنها تستكمل جمع محاضر الفرز. من المتوقع استقالة رئيس سلطة الانتخابات وفتح تحقيق موسع.
- **مواقف المرشحين وتحليل الخبراء**: حساني وأوشيش طالبوا بحل سلطة الانتخابات وفتح تحقيق. المحلل توفيق بوقاعدة وصف بيان تبون بأنه غير مسبوق، ومن المتوقع تقديم طعون في النتائج خلال 72 ساعة.
لم تنته الانتخابات الجزائرية التي جرت يوم السبت الماضي، على نحو هادئ كما كان متوقعاً، فما لم يكن في الحسبان وقع مباشرة بعد إعلان سلطة الانتخابات للنتائج، ففي خطوة غير مسبوقة، وقّع الرئيس الفائز بالانتخابات عبد المجيد تبون بياناً مشتركاً مع منافسيه؛ رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، برفض النتائج والتشكيك في وجود تلاعب في الأرقام والنتائج من قبل سلطة الانتخابات.
وكانت السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر قد أعلنت، أول من أمس الأحد، فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية رئاسية ثانية. وقال رئيس السلطة الوطنية للانتخابات محمد شرفي إن الرئيس تبون حاز 94% من الأصوات، بعدما حصل على 5.3 ملايين صوت من مجموع 5.6 ملايين صوت في هذه الانتخابات، فيما حصل منافساه عبد العالي حساني على 3.17% بعدما جمع 178 ألف صوت، ويوسف أوشيش على 2.16% بعدما جمع 122 ألف صوت، وسط عزوف شعبي كبير، إذ لم تتجاوز نسبة التصويت 25%.
رفض نتائج الانتخابات الجزائرية
وفاجأ البيان المشترك الذي أصدرته مديريات حملة تبون ومنافسيه حول نتائج الانتخابات الجزائرية المجتمع السياسي والإعلامي، ولفترة اعتقد الجميع أن هذا البيان مزيف وغير صحيح، قبل أن ينشر التلفزيون الرسمي هذا البيان، والذي دان فيه المرشحون الثلاثة النتائج التي أعلنتها سلطة الانتخابات. وأكد البيان رفض المرشحين الثلاثة "ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة، وتناقض الأرقام المعلنة من قِبل رئيس السلطة مع مضمون محاضر فرز وتركيز الأصوات المسلّمة من قِبل اللجان الانتخابية البلدية والولائية، وغابت فيه جل المعطيات الأساسية التي يتناولها بيان إعلان النتائج كما جرت عليه العادة في كل الاستحقاقات الوطنية المهمة، إضافة إلى الخلل المسجل في إعلان نسب كل مرشح"، خصوصاً أن المعضلة ترتبط بالمجموع المئوي الموزع بين المرشحين الثلاثة، لا يساوي مائة في المائة، وهو ما أظهر مستوى من التسيب وسوء التدبير الذي أحاط بإدارة العملية الانتخابية.
رفض المرشحون الثلاثة في بيان مشترك ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة في الانتخابات
ومع أن سلطة الانتخابات الجزائرية كانت قد ردت أمس الاثنين على البيان الثلاثي الذي وقّعته مديريات حملة المرشحين الثلاثة، تبون وحساني وأوشيش، وقالت إنها ما زالت تستكمل جمع محاضر الفرز من الولايات، إلا أنها زادت من توريط نفسها، لكونها أقرت في البيان بأنها ما زالت بصدد حساب المحاضر، ما يعني أنها أعلنت عن نتائج الانتخابات الجزائرية بشكل متسرع ومن دون اكتمال عملية العد. تساؤلات كبيرة طُرحت في وقت لاحق بشأن هذه التطورات، خصوصاً أن تشكيك جهة تبون بحد ذاتها في النتائج وفي سلطة الانتخابات، لا يعزز فقط موقف منافسيه اللذين حمّلا قبل ذلك سلطة الانتخابات مسؤولية التلاعب والارتباك خلال التصويت، ولكن لكونه يثير مخاوف جدية من أن أطرافاً في السلطة، حاولت التأثير على هذه الانتخابات وتوجيهها إلى هذه المآلات غير المحمودة، وخلط الأوراق وتفجير المسار الانتخابي في سياق توليد أزمة في البلاد، إضافة إلى سؤال عن الجهة المستفيدة ولصالح من يتم كل ذلك. لكن تداعيات سياسية أخرى أكثر أهمية متوقع أن تشهدها الجزائر على هذا الصعيد، إذ ينتظر أن يقدّم رئيس سلطة الانتخابات محمد شرفي وفريقه استقالاتهم، كما ينتظر أن يعمد الرئيس تبون، بعد أدائه اليمين الدستورية في غضون أيام، إلى تكليف الجهات المختصة بفتح تحقيق موسّع في مجريات ما حدث، مركزياً ومحلياً، ما يعني إحالة عدد من المسؤولين على القضاء، خصوصاً بالنظر إلى الأثر السياسي السلبي الذي عاد على البلد جراء ذلك.
تذكير بممارسات قديمة
ورفض رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني الاعتراف بنتائج الانتخابات الجزائرية وحمّل سلطة الانتخابات مسؤولية المآلات التي انتهى إليها الاستحقاق الانتخابي، مطالباً بالحل الفوري لهذه السلطة. وقال حساني، في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، إن التلاعب الذي حصل خلال هذه الانتخابات خطير "ويمكن أن يكون أداة لإخراج البلاد من وضع الاستقرار، بسبب الأطراف التي سعت لإفساد هذا الاستحقاق والتي ستتحمل مسؤولية الإخفاق السياسي والتاريخي". وأضاف أنه "في الوقت الذي توجد فيه البلاد محل تربص واستهداف خارجي، فإن هؤلاء المسؤولين عن الانتخابات يقدّمون بهذه الممارسات والأخطاء خدمات سياسية بدائية لأطراف الخارج تساعدهم في مبتغاهم، وتقديم البلاد لقمة سائغة للصراع الإقليمي".
حساني: التلاعب الذي حصل خلال هذه الانتخابات خطير ويمكن أن يكون أداة لإخراج البلاد من وضع الاستقرار
من جهته، قال يوسف أوشيش إن "ما حدث يذكّرنا بممارسات قديمة وبالية"، مطالباً "بفتح تحقيق معمق لتحديد المسؤوليات حول هذه المهزلة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكررها في الاستحقاقات المقبلة"، مشيراً إلى أنه "يتمسك بكامل حقوقه في الدفاع عن إرادة الشعب". وتابع في مؤتمر صحافي: "أشعر بالقلق بعد إعلان نتائج الانتخابات، وهذه لحظة خطيرة تعيشها الجزائر وتتطلب تحرك الوطنيين الأحرار لوقف المناورات الدنيئة"، مضيفاً: "لقد تم تقديم أرقام مزيفة عن النتائج وهو التفاف على الإرادة الشعبية، والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الوضع".
وتعليقاً على الوضع القائم والتطورات التي حصلت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وصف الكاتب والمحلل السياسي توفيق بوقاعدة بيان تبون بأنه غير مسبوق في المسار السياسي وفي تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر. وقال لـ"العربي الجديد" إن نتيجة 94% كما يبدو شكّلت إحراجاً سياسياً للرئيس تبون، لارتباطها بنمط انتخابات الحزب الواحد والدول التسلطية، لذلك عمد إلى هذا الاحتجاج، وهو موقف يسجّل للرئيس ولحملته التي رفضت هذا التلاعب. ولفت إلى أن "حملة تبون، بما لها من محاضر، تأكدت أن النتيجة الصحيحة ستحسم لصالح الطعون المقدمة فسارعت إلى التنسيق مع المرشحين الآخرين، من أجل تبرئة ذاتها من العبث والتلاعب"، مضيفاً "أعتقد أن هذا إقرار من الجميع بأن سلطة الانتخابات أضرت بالانتخابات، وإدانة شديدة لممارساتها، وأتصور أن تحقيقاً سوف يفتح من جانب العدالة بهذا الموضوع لأنه مساس بمصداقية الانتخابات وتشويه له، خصوصاً أن الأمر على النحو الذي وقع، أضرّ بسمعة البلاد في هذا الحدث الذي راهنت عليه السلطة كتكريس لمبدأ الشفافية وأخلقة الحياة السياسية"، لافتاً إلى أن "ما يمكن الإشارة إليه أيضاً هو اعتراف السلطة المستقلة بما قامت به وأدانت نفسها وقدمت حججاً سخيفة وغير مقبولة بالمطلق في هذا المستوى".
هذه التطورات والتفسيرات السياسية، تطرح تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة. على الصعيد الإجرائي سيكون على المحكمة الدستورية التدخّل لتصحيح الاختلالات التي حصلت، ومن المتوقع أن يتقدم المرشحون في وقت لاحق بطعون في النتائج، في أجل 72 ساعة من إعلان النتائج. وحتى منتصف نهار أمس الاثنين كان المدير العام بالنيابة للشؤون القانونية في المحكمة الدستورية، أحمد إبراهيم بخاري، قد أكد في بيان أن المحكمة "لم تتلقَ لغاية الآن أي طعن من طرف المرشحين للانتخابات الرئاسية، بينما تسلّمت إلى حد الآن 52 محضر تركيز الولايات الخاصة بالانتخابات الرئاسية"، من مجموع 58 ولاية.