على الرغم من عقد الوفدين الروسي والأوكراني جولات عدة من المفاوضات حضورياً وافتراضياً، إلا أنّ الجانبين لم يتمكنا بعد مرور أكثر من شهر على انطلاقها من التوصل إلى أي اتفاق لوقف إطلاق النار، أو حتى هدنة مؤقتة.
ودعت كييف موسكو إلى "خفض عدوانيتها" في المفاوضات بعد اتهام روسيا أوكرانيا، اليوم الخميس، بالتراجع عن بعض الاقتراحات التي قدمتها خلال محادثاتهما أواخر مارس/آذار في إسطنبول.
وكتب مستشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي والمشارك في الوفد الأوكراني إلى المفاوضات مع روسيا، ميخايلو بودولياك، على "تويتر": "إذا أرادت موسكو أن تظهر أنها مستعدة للحوار، فعليها خفض مستوى عدوانيتها".
🇷🇺 propagandists are as responsible for atrocities in 🇺🇦 as the army. For years, they’ve nurtured hatred for 🇺🇦 in media. Now the 🇷🇺 viewer wants 🇺🇦 blood and doesn’t accept excuses. If Moscow wants to show readiness for dialogue, the degree of hostility in media must be reduced.
— Михайло Подоляк (@Podolyak_M) April 7, 2022
في المقابل، اتهمت روسيا الخميس أوكرانيا بالتراجع عن الاقتراحات التي قدمتها في مفاوضات إسطنبول.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقطع مصور، أن أوكرانيا تقدمت بمشروع اتفاق جديد مع موسكو، مشيراً إلى أن كييف في هذه الوثيقة تخلت عن بعض اقتراحاتها السابقة المطروحة على طاولة التفاوض.
🎙 Комментарий Министра иностранных дел России С.В.Лаврова о представленном украинской стороной новом проекте соглашения.
— МИД России 🇷🇺 (@MID_RF) April 7, 2022
🔗 https://t.co/R5tloAr6Kx pic.twitter.com/fUqTmiIMzv
وقال لافروف، بحسب وكالة "فرانس برس"، إن روسيا ستواصل المحادثات مع أوكرانيا، وستقدم مسودة اتفاق جديدة.
وقال إن أوكرانيا طلبت اجتماعاً بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي لمناقشة دونباس والقرم، وهو "أمر غير مقبول"، مذكّراً بأن زيلينسكي سبق أن أعلن مراراً أنه لا يمكن عقد اجتماع القمة هذا إلا بعد وقف الأعمال القتالية.
وزير الخارجية الروسي ذكر أيضاً أن أوكرانيا تسعى إلى تقويض المفاوضات، معتبراً أن واشنطن تدفع زيلينسكي إلى مواصلة القتال. وقال إن مسودة الاتفاق الجديدة التي طرحتها كييف، أمس الأربعاء، تعكس تراجع الجانب الأوكراني عن البنود التي تم تنسيقها بين الطرفين في اجتماع استضافته إسطنبول التركية الأسبوع الماضي.
وأوضح الوزير الروسي أن الوثيقة الأوكرانية الجديدة لا تتضمن تأكيداً على أن الضمانات الأمنية التي ستتلقاها أوكرانيا من مجموعة من الدول لن تشمل شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبل. وتابع: "سيطلب الجانب الأوكراني في المرحلة القادمة، على الأرجح، سحب القوات، وسيمضي قدماً في طرح المزيد من الشروط المسبقة. هذا المخطط واضح، وهو غير مقبول".
ولم يحرز الطرفان تقدماً سوى في الملف المتعلق بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، مع استمرار التساؤلات حول كيفية تطبيق ذلك بصورة تضمن مصالح الطرفين.
إصرار روسيا على مطالبها
أما المطالب الأخرى، وفي مقدمتها الإصرار الروسي على اعتراف كييف بسيادة موسكو في شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا في عام 2014، واستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" عن أوكرانيا، فيقابلها رفض السلطة الأوكرانية وإصرارها على عودة القوات الروسية إلى مواقع ما قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
وأعرب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أمس الأربعاء، عن أسفه لبطء التقدم في العملية التفاوضية بين روسيا وأوكرانيا، متمنياً "ديناميكية أكبر" من الجانب الأوكراني.
وفي هذا الإطار، يرجع مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، تعثر العملية التفاوضية إلى رفض بلاده مطالب روسيا وإصرارها على ضمانات أمنية من الدول الغربية، ورهانها على استنزاف موسكو وزعزعة أوضاعها داخلياً.
تراهن أوكرانيا على استنزاف روسيا وزعزعة أوضاعها الداخلية
ويقول بورتنيك في حديثٍ مع "العربي الجديد": "يعود انعدام التقدم في المفاوضات إلى رفض أوكرانيا تنفيذ المطالب الروسية، والتي تشمل حياد أوكرانيا وتخليها عن مشروع الانضمام إلى الأطلسي، وما تسميه موسكو نزع النازية وتحييد السلاح، والاعتراف بالسيادة الروسية في شبه جزيرة القرم واستقلال مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك".
وتابع: "كما أن هناك مطالب أخرى متعلقة باللغة الروسية وغيرها. لكن في الوقت نفسه، لم تحقق موسكو نصراً عسكرياً على كييف على الرغم من أن أوكرانيا تتحمل عواقب خطيرة للحرب الجارية داخل أراضيها".
ويرى بورتنيك أنّ المفاوضين لا يمكنهم التوصل إلى حلول وسط إلا في عدد محدود من الملفات، مضيفاً: "تصبح العملية التفاوضية معقّدة للغاية، لأنّ تحقيق الاتفاقات يتطلب ضمانات من الدول الغربية، وهو ما تصرّ عليه أوكرانيا، وهذا القسم من الحوار انطلق للتوّ. لذلك يتمدد زمن المفاوضات على مختلف المستويات".
وتعليقاً على الوضع العسكري ورهانات كل من روسيا وأوكرانيا في هذه المرحلة من الحرب، يلفت بورتنيك إلى أنه "في موازاة المفاوضات، تراهن روسيا على تقدم جديد وحسم عسكري يتيحان لها إرغام أوكرانيا على قبول الجزء الأكبر من المطالب. أما أوكرانيا، فتراهن على زعزعة الأوضاع الداخلية في روسيا وعجز القوات الروسية عن تحقيق أهدافها وعدول موسكو عن مطالبها الأصلية".
وبعد المفاوضات الروسية الأوكرانية التي انعقدت في إسطنبول التركية في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أكد رئيس الوفد الروسي، معاون الرئيس، وزير الثقافة الروسي السابق، فلاديمير ميدينسكي، الذي يُعدّ واحداً من مؤسسي أيديولوجيا "العالم الروسي"، أنّ الجانب الأوكراني موافق على الوضع المحايد للبلاد.
واتفق المفاوض الأوكراني، النائب عن حزب "خادم الشعب" الحاكم، ديفيد أراخاميا، مع ميدينسكي في هذا الموضوع، مع إبداء بعض الملاحظات.
ومن المؤشرات التي تعزز الترجيحات بأنّ تباين الرؤى حول الضمانات الأمنية لأوكرانيا، في حال قبولها وضع الحياد، يحول دون تحقيق تقدم في المفاوضات، هو ما كشفت عنه صحيفة "فيدوموستي" الروسية عن تقسيم المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا إلى أربعة مسارات رئيسية (أو أربع سلال).
وأوضح مصدر مطلع على بعض جوانب العملية التفاوضية وآخر مقرّب من الرئاسة الروسية، لـ"فيدوموستي"، أنّ الاتجاه الأول يتعلق بوضع أوكرانيا خارج الأحلاف، وتجري في إطاره مناقشة ما إذا كان على البلاد الالتزام بالحياد أو إنْ كانت قادرة على الانضمام إلى الأطلسي.
تصرّ روسيا على خفض عديد الجيش الأوكراني وعدم حصوله على أنظمة ضاربة بعيدة المدى
وكشف أحد المصدرين أن التوافق لم يتمّ بشأن مسألة تقديم الضمانات الأمنية لمثل هذا الوضع، مشيراً إلى أن الأوكرانيين يريدون ضمانات لأمنهم تشبه المادة الخامسة من معاهدة الأطلسي، التي تنصّ على تقديم دعم عسكري مباشر في حال وقوع أي حرب مستقبلية بين كييف وموسكو.
أما الاتجاه الثاني للمفاوضات، فمرتبط بمسألة نزع السلاح، وفي جوهر الأمر فرض قيود على الجيش الأوكراني. وتصرّ أوكرانيا على الحفاظ على العدد الحالي للقوات (245 ألف جندي عامل و220 ألفاً في الاحتياط في العام الحالي، وفقاً لأرقام موقع "يو كي آر ميليتاري" الأوكراني)، بينما ترى روسيا أن عدد القوات الأوكرانية يجب أن يقلّ بنسبة كبيرة، فضلاً عن عدم حصول الجيش الأوكراني على أنظمة ضاربة بعيدة المدى.
أما المساران الثالث والرابع فمتعلقان بالنظام السياسي المستقبلي في أوكرانيا، والحدود الأوكرانية التي لم يتم الاتفاق على حلول وسط بشأنها.
فرص نجاح الضمانات الأمنية
وحول هذه السلال، اعتبر المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية، أندريه كورتونوف، أنه ليست هناك خلافات مبدئية بشأن مسألة وضع أوكرانيا خارج الأحلاف، مشيراً في الوقت نفسه في حديثٍ مع "فيدوموستي"، إلى أنّ المفاوضات تجري في الوقت الحالي بين روسيا وأوكرانيا، بينما يتعين على بعض الدول تقديم الضمانات الأمنية، وليس من المعروف بعد مدى استعدادها لتقديمها.
ونقلت الصحيفة الروسية عن كورتونوف قوله إنه حتى "في حال تقديم مثل هذه الضمانات، يجب تمريرها عبر برلمانات الدول الضامنة، وليس من المؤكد أنها مستعدة لذلك"، مشدّداً على أنّ هناك العديد من التفاصيل المطلوب التدقيق فيها.
وكان متحدث باسم الحكومة البريطانية قد أعلن، الأسبوع الماضي، أنه يمكن تقديم ضمانات لأوكرانيا، ولكن ليس بالنسبة نفسها في حال كان من أعضاء حلف الأطلسي. وفي 3 إبريل/نيسان الحالي، كشف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن الولايات المتحدة لم تقدم لبلاده ضمانات أمنية.