استمع إلى الملخص
- الأزمة تكشف أن الصراع في ليبيا يتمحور حول المال، وتثير تساؤلات حول دور الأمم المتحدة في إدارة العملية السياسية وتآكل شرعية المؤسسات.
- تجديد الحديث عن دور الأمم المتحدة قد يساهم في تشكيل وعي ليبي لصناعة حلول وطنية تجنب البلاد مخاطر حرب أهلية جديدة.
لا ينقضي العجب من طريقة إدارة قيادة الأمم المتحدة لعمليات الحوار السياسي في ليبيا، ففي كل مرة تأتي بجديد لا يقل عجباً عما سبقه، وآخرها دعوة أطراف الأزمة المندلعة أخيراً حول مؤسسة المصرف المركزي إلى "اجتماع طارئ" للتوصل "إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية والقوانين السارية"، وفي الوقت نفسه تعتبر أن حلّ أزمة المصرف "ملحّة لتهيئة الظروف المواتية لعملية سياسية شاملة"، "لإنهاء أزمة تآكل شرعية المؤسسات وانقسامها".
بعيداً عن أزمة المصرف المركزي، التي لا جانب إيجابياً فيها سوى أنها كشفت حقيقة الصراع وأن هدف أطرافه المال لا سواه، يبرز سؤال ملحّ: ماذا تعني البعثة الأممية بـ"أزمة تآكل شرعية المؤسسات"؟ بكل تأكيد لا تعني انتهاء آجالها، كعمر اتفاق الصخيرات الموقّع عام 2015 المحدد بعامين، وعمر اتفاق جنيف الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 والمحدد بعام وثمانية أشهر، بل هي تقصد الإفراغ المقصود من قِبل جميع المؤسسات السياسية لبنود تلك الاتفاقيات من محتواها، عبر التغاضي عن تنفيذ أكثرها لتمديد عمرها وبالتالي الاستناد إليها في البقاء أكثر، والتركيز على بعضها كصلاحيات إصدار القوانين والقرارات بشكل أحادي للاستفراد بالسلطة.
هنا تبرز تساؤلات عديدة: كيف يمكن الاستناد إلى اتفاقيات شرعيتها متآكلة ليحتكم إليها متصارعون كانوا السبب في تآكلها، ولديهم القدرة على المزيد؟ وأين كان دور البعثة، وهي المفوضة دولياً بإدارة العملية السياسية، من إجراءات وعمليات التآكل طيلة السنوات الماضية؟ بل أين كانت البعثة عندما كانت آجال هذه الاتفاقيات تمر من دون أن يتحقق منها شيء؟
في منتصف العام 2022 وحين كانت البلاد تعود إلى حالة الانقسام الحكومي الحاد من جديد بتكليف مجلس النواب حكومة جديدة استناداً إلى انتهاء مدة اتفاق جنيف الذي جاء بحكومة الوحدة الوطنية، خرجت ستيفاني وليامز، القائمة بمنصب رئيس البعثة الأممية بالإنابة والمشرفة على صياغة هذا الاتفاق، معلنة أن اتفاق جنيف محدد بأجل إجراء الانتخابات التي كان مقدراً لها أن تجري نهاية العام 2021. قالت ذلك قبل أن تسلّم مهامها بأشهر وتشرعن الانقسام الحكومي القائم إلى اليوم.
قبلها ترك المبعوث الأممي الأسبق إلى ليبيا، برناردينو ليون، الذي هندس اتفاق الصخيرات، الباب مفتوحاً على مصراعيه لتأويل انتهاء أجل هذا الاتفاق إلى اليوم، كونه مرتبط بإنجاز قوانين لإجراء الانتخابات بالتوافق بين مجلسي النواب والدولة. وبعدها رسّخ المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي، الصراع، بحصره في قادة المؤسسات الخمس، مجلسي النواب والدولة وحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي بالإضافة إلى مليشيات خليفة حفتر في الشرق، من خلال مبادرة أطلقها واستقال وتركها مفتوحة. فعلى يد من تآكلت شرعيات الاتفاقات السياسية؟
قد يكون من نافل القول إن الأمم المتحدة ما دخلت على خط نزاع إلا وعمّقته، لكن تجديد الحديث حولها قد يساهم في تشكيل وعي ليبي لصناعة حلول وطنية خالصة تجنّب البلاد مخاطر حرب أهلية جديدة. حلول تنبع من أصل الخلاف بعيداً عن تدخّلات هذه المنظمة الدولية بعد أن سقط قناع نفاقها في مناطق ليست بعيدة عن ليبيا.