بوليفيا تقاطع إسرائيل: موجة إجراءات ضد الاحتلال من أميركا الجنوبية

02 نوفمبر 2023
اعتبر موراليس أن خطوة بلاده جاءت متأخرة (أيزار رالديس/فرانس برس)
+ الخط -

على غرار موقفها تقريباً في يوليو/تموز عام 2014، عندما شنّت إسرائيل عدوانها تحت اسم "الجرف الصامد"، على قطاع غزة، وخلّف أكثر من ألفي شهيد من أبناء القطاع في 51 يوماً، تسعى دول أميركا اللاتينية اليوم، مع العدوان الإسرائيلي الأكثر وحشية على القطاع، والذي يقترب عدد الشهداء فيه من أن يبلغ 10 آلاف شهيد، إلى أن يكون لها موقف متمايز عن بقية التكتلات، الرسمية منها وغير الرسمية، التي لا تزال بشكل أو بآخر صامتة أو خجولة في إدانتها للعدوان، أو طلبها وقف النار، من دون اتخاذ أي إجراءات بحق إسرائيل.

مقاطعة واستدعاء سفراء

وخرج أول من أمس الثلاثاء، أول قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب العدوان، من بوليفيا التي يرأسها حالياً اليساري لويس آرسي، فيما قد تلحقها كولومبيا وربما تشيلي، اللتان استدعتا سفيريهما في تل أبيب للتشاور. هذه المواقف رافقتها تصريحات أميركية لاتينية رسمية، مندّدة بالحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي مواقف رفضت بمعظمها اعتبار هجوم حركة "حماس" على قطاع غزة، إرهابياً.

استدعت تشيلي وكولومبيا سفيريهما في تل أبيب

وفيما لا تزال بالمجمل الإجراءات المتوقعة من هذه الدول، دون المأمول فلسطينياً، ولا سيما من قبل البرازيل برئاسة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلا أنها تؤكد رغبة الدول في نصف القارة الأميركية الجنوبي، في التمايز وتسجيل موقف واضح، مقابل عدم تحرك دول أخرى، منها عربية طبّعت مع إسرائيل، وأفريقية شاركت في تسهيل التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء، والتزام الكثير من الصمت حيال المجازر التي تتوالى في غزة.

وأعلنت بوليفيا، أول من أمس، قرارها بقطع العلاقات مع إسرائيل بسبب هجماتها "غير المتكافئة" على قطاع غزة، فيما استدعت تشيلي وكولومبيا سفيريهما في تل أبيب، احتجاجاً على "الانتهاكات غير المقبولة للقانون الإنساني من قبل إسرائيل" بحسب سانتياغو، و"المجزرة بحق الشعب الفلسطيني" بحسب بوغوتا.

وقال نائب وزير الخارجية البوليفي، فريدي ماماني، إن بلاده "قرّرت قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة إسرائيل، رفضاً وإدانةً للهجوم العدواني وغير المتكافئ الذي يُشنّ في قطاع غزة". كما أعلنت وزيرة الرئاسة، ماريا نيلا برادا، أن لاباز بصدد إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة، لم توضح طبيعتها، مطالبة "بوضع حدّ للهجمات" في غزة التي "سببت حتى الآن مقتل آلاف المدنيين وتهجير قسري للفلسطينيين". وسبق الإعلان اجتماع الرئيس آرسي مع السفير الفلسطيني في لاباز، محمود العلواني.

ورحّبت حركة "حماس" بموقف بوليفيا، التي أكدت أنها "تثمّنه عالياً"، مجددة الدعوة "للدول العربية والإسلامية المطبّعة لقطع كل علاقاتها" مع إسرائيل. أما إسرائيل، فقد سارعت إلى اعتبار الخطوة "استسلاماً للإرهاب ونظام الملامي في إيران"، بحسب بيان للخارجية، مضيفاً أن "الحكومة البوليفية تقف في صفّ منظمة حماس الإرهابية". وقلّلت الخارجية الإسرائيلية أيضاً من أهمية الخطوة، على اعتبار أن العلاقات مع بوليفيا "أصلاً فارغة".

وعلى الرغم من أن إسرائيل، التي كشّرت عن أنيابها بشكل غير مسبوق هذه المرة، أصبحت تشنّ حملات عداء ضدّ كل من ينتقدها، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس، إلا أنها تأخذ بالحسبان جيداً أهمية ورمزية قطع العلاقات مع أي دولة، حتى لو كانت جزيرة في القطب الشمالي.

وساطة برازيلية لعودة العلاقات

إذ احتاجت إعادة العلاقات مع بوليفيا، التي ظلّت مقطوعة منذ 2009 حتى 2020، بسبب عدوان إسرائيل على القطاع أيضاً عام 2009، إلى وساطة برازيلية في عهد الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي استغل استقالة الرئيس البوليفي الأسبق إيفو موراليس، وإقامته في المنفى (الأرجنتين التي عاد منها بعد وصول آرسي إلى السلطة)، وإمساك اليمينية جانين آنييز بالسلطة الانتقالية، لإعادة العلاقات بين تل أبيب ولاباز. وحينها، احتفلت آنييز بتلك العودة، بقولها إن "إسرائيل عادت إلى بوليفيا، وبوليفيا عادت إلى إسرائيل".

وقّعت البرازيل 3 اتفاقات أمنية مع إسرائيل بعد بدء العدوان

ورغم قطع العلاقات من قبل آرسي اليوم، إلا أن موراليس الذي يعتبر عرّاب الأخير السياسي قبل أن يدبّ الخلاف بينهما، قد طالب في وقت سابق من الشهر الماضي، مع بدء إسرائيل حربها على القطاع بضربات جوية عنيفة، ليس فقط بقطع العلاقات مع إسرائيل، بل بتسميتها دولة راعية للإرهاب، ومقاضاتها أمام المحافل الدولية. واعتبر موراليس أول من أمس، أن خطوة حكومة بلاده بقطع العلاقات "أتت متأخرة"، مضيفاً أن القرار "اتخذ تحت الضغط الشعبي"، وبعدما "قتل النظام الإسرائيلي أكثر من 8500 شخص".

ولموراليس وبوليفيا التي اعترفت بدولة فلسطين في الثمانينيات من القرن الماضي، تاريخ من الانتقاد لإسرائيل. وكان موراليس قد شبّه مرةّ في 2017 تشيلي بإسرائيل، عندما طردت الأولى 9 بوليفيين اتهمتهم بالتهريب، قائلاً إن "تشيلي هي إسرائيل أميركا اللاتينية".

بدورها، أعلنت تشيلي التي يرأسها غابريال بوريك، أول من أمس، استدعاء سفيرها في تل أبيب خورخيه كارفاجال للتشاور. وتشيلي موطن لأكبر وأقدم جالية فلسطينية في الشتات خارج العالم العربي، تضم حوالى 350 ألف فلسطيني، معظمهم من النخبة المتعلمة والثرية والناشطة التي تلعب أدوراً سياسية واقتصادية مهمة في هذا البلد. كذلك أكدت كولومبيا أنها قامت بالخطوة ذاتها. وكتب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، على موقع "إكس" (تويتر سابقاً): "لقد قرّرت استدعاء السفيرة في إسرائيل مارغاريتا مانجاريس للتشاور. إذا لم توقف إسرائيل مجازرها بحق الفلسطينيين، لا يمكننا أن نكون هناك".

وكان الرئيس البرازيلي لولا قد حضّ سابقاً على وقف النار. وقال إن "الهجوم الإرهابي" لـ"حماس" على إسرائيل لا يبرر قتل "ملايين الأبرياء" في غزة. وأضاف عبر وسائل التواصل أن تنفيذ حماس هجوماً على إسرائيل لا يعطي الدولة العبرية الحقّ بـ"قتل ملايين الأبرياء".

وتاريخياً، تبدي دول أميركا اللاتينية، وخصوصاً تلك التي تميل سياسياً لليسار، تعاطفاً كبيراً مع القضية الفلسطينية، التي شكّل الدفاع عنها أساساً في الأجندة الخارجية للكثير من الحكومات اليسارية، التي أعطت دفعاً لهذه القضية بعد موجة وصولها إلى السلطة في بلادها في أوائل الألفية الثالثة (المدّ الوردي).

لكن هذا الدفع تراجع مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية وبعد إعلان أميركا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم الضغوط التي مارسها على عدد من دول أميركا اللاتينية، اقتصادياً، ما جعلها تميل إلى البراغماتية للتعاطي مع الصراع في الشرق الأوسط. كذلك أبرم عدد من دول أميركا اللاتينية صفقات أسلحة ضخمة مع إسرائيل، ومنها كولومبيا، التي علّقت إسرائيل تزويدها بالمستلزمات الأمنية الشهر الماضي، بعدما شبّه رئيسها العدوان الإسرائيلي بوحشية النازيين. وتثار الكثير من التساؤلات عن موقف لولا، الذي وقّعت بلاده 3 اتفاقات أمنية مع إسرائيل، بعد أيام قليلة من بدء عدوانها على غزة.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون