بورتسودان.. المدينة الاقتصادية تستعيد مكانتها كمركز لإدارة العمليات

02 مايو 2023
نفذت دول عدة عمليات إجلاء لرعاياها عبر مدينة بورتسودان (Getty)
+ الخط -

تدور التكهنات في الأوساط السودانية حول قرار مرتقب بنقل الخدمات الإدارية من العاصمة السودانية الخرطوم إلى مدينة بورتسودان الساحلية، في خطوة تأتي، في حال تنفيذها، تجاوزاً للدمار الذي خلفته الاشتباكات بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" في العاصمة الحالية الخرطوم.

يأتي هذا القرار، في حال اكتماله، لدواعي اندلاع المواجهات العسكرية منذ منتصف الشهر الماضي في العاصمة الخرطوم، التي أدت إلى نزوح مئات الآلاف من السكان وخروج غالب المشافي عن الخدمة، وكذا تعطل خطوط الإمداد المائي، وقبل ذلك مقتل نحو 500 مدني خلال العمليات القتالية، بالإضافة إلى توقف حركة الطيران، إذ ظلّ مطار الخرطوم الدولي أسير عمليات الكر والفر بين الجيش و"الدعم السريع"، وهو ما دفع السلطات لاتخاذ قرار بإغلاق المجال الجوي السوداني منذ اندلاع الشرارة الأولى من الاشتباكات، وجددته مؤخراً حتى الثالث عشر من الشهر الحالي.

وعُقب الحرب بين الجيش و"الدعم السريع"، نفذت دول عدة عمليات إجلاء لرعاياها عبر مدينة بورتسودان، وانتقل إليها موظفو بعثة الأمم المتحدة في السودان، بمن فيهم رئيس البعثة فولكر بيرتس لتصريف أعمال البعثة لحين الانتقال إلى دولة أخرى، وبسبب المخاوف الأمنية في الخرطوم، نقل عدد من السفارات نشاطه مؤقتاً لبورتسودان، على غرار سفارة المملكة المتحدة، وحتى الجاليات التي لم تجد سندا من دولها لمغادرة البلاد نتيجة الحرب فتوجه معظم أفرادها إليها كالجالية السورية واليمنية.

وتعتبر مدينة بورتسودان واحدة من المدن السودانية على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأحمر، شرق البلاد، وهى مركز لولاية البحر الأحمر المتاخمة لدولة مصر من الجهة الشمالية، وتبعد عن العاصمة نحو 675 كيلومتراً. افتتح الميناء الرئيسي للسودان في المدينة سنة 1909 بواسطة الاحتلال البريطاني المصري، ويبعد نحو 60 كيلومتراً عن ميناء سواكن التاريخي.

وبحسب آخر تعداد سكاني في سنة 2008، فقد وصل عدد سكان مدينة بورتسودان إلى نحو 600 ألف نسمة، ويُتوقع وصولهم لمليون نسمة بعد 15 عاماً من ذلك التعداد، وينتمي معظم سكان المدينة لمجموعة قبائل البجا والشمالين والنوبه والهوسا وقبائل أخرى هاجرت من وسط وغرب السودان، ويدين سكان الولاية بولاء روحي لطائفة الختمية وذراعها السياسية الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، مع وجود مناصرين لحزب الأمة القومي والحركة الإسلامية، لا سيما في سنوات حكمها الثلاثين.

وفي المدينة مقر هيئة الموانئ البحرية السودانية والخطوط الجوية البحرية، وكذا أكبر مركز للقوات البحرية بمنطقة فلمنجو، وفي تلك المنطقة أيضاً كان مقرراً إنشاء قاعدة بحرية روسية اتفق عليها الرئيس المعزول عمر البشير مع الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارة البشير لروسيا سنة 2017، على أنّ تضم القاعدة 300 جندي روسي و4 سفن تعمل كمركز للدعم اللوجستي، لكن المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان تردد في مواصلة تنفيذ الاتفاق، وأوقفه نهائياً تحت ضغوط إقليمية دولية، لحين المصادقة عليه بصورة نهائية من برلمان منتخب.

وتطورت الموانئ السودانية في العقود الماضية وبلغ عددها في بورتسودان وحدها نحو 5 موانئ، الميناء الجنوبي وهو متخصص في استقبال الحاويات، والميناء الشمالي مختص في تصدير المحاصيل الزراعية والحبوب، الميناء الأخضر يعمل في عدد من البضائع بما فيها الغاز، أما "بشائر 1" و"بشائر 2" فهما ميناءان لتصدير النفط السوداني، وأظهرا فعاليتهما حينما كانت البلاد تنتج 500 ألف برميل يومياً قبل أنّ تنفصل جنوب السودان وتكون دولتها المستقلة سنة 2011.

بالإضافة إلى هذا كله، فإنّه يوجد داخل المدينة مطار دولي يسير رحلات داخلية وأخرى خارجية أسبوعية لثلاث مدن، وهي جدة والقاهرة ودبي، كما يربط الميناء خط سكة حديدية أنشأها الاستعمار البريطاني لنقل القطن السوداني من مشروع الجزيرة بوسط السودان إلى الميناء، ومن ثم إلى المصانع الإنكليزية في المملكة المتحدة.

على الصعيد الاقتصادي، تعتبر مدينة بورتسودان واحدة من أكبر المدن الاقتصادية في السودان، وبها أكبر محطة جمركية، وبالقرب منها تنتشر مربعات التعدين عن الذهب، كما أُنشئ في ولاية البحر الأحمر أكبر منجم للذهب استثمرت فيه فرنسا لسنوات قبل أنّ تتخلى عنه مؤخراً.

من أشهر أحياء المدينة السللاب وأبوحشيش ووسط المدينة وديم عرب، والأخير هذا ارتبط بمقتل أكثر من 20  من أنصار مؤتمر البجا، الذين قُتلوا برصاص نظام الرئيس المعزول عمر البشير في 29 يناير/ كانون الثاني عام 2005، خلال احتجاجات سلميه مطلبية لتحسين أوضاع ولايات شرق السودان.

وحاول محمد طاهر ايلا، أحد أبرز الولاة في السنوات الأخيرة، تحويل مدينة بورتسودان إلى مزار سياحي من خلال تحسين البنية التحتيه وتأهيل المرافق السياحية وتعبيد الطرق الداخلية، وكذا تطوير الخدمات السياحية على ساحل البحر الأحمر، إضافةً إلى تنظيم مواسم سياحية ثقافية، وبالفعل انتشرت السياحة الداخلية في تلك الفترة، لكن بقيت المدينة في كل العهود تواجه أزمتها الحادة في مياه الشرب، خصوصاً بعد ما تعرض له مصب المياه الرئيسي للمدينة، حيث بدأ في النضوب مع عدم وجود محطات مياه لتحلية مياه البحر الأحمر، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ وعودها بمد المدينة من مياه النيل.

وكذلك تعاني المدينة من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي الذي يعتمد على الطاقة المنتجة في محطة على باخرة تركية مستأجرة، حيث تسبب الرطوبة العالية في أعطال مستمرة كما تتوقف الباخرة أحياناً عن إنتاجها للطاقة بسبب عدم إيفاء الحكومة السودانية بالتزاماتها، هذا غير تدهور الخدمات الصحية، وكل ذلك يقلل من أسهم المدينة في اتخاذ قرار تحويلها إلى مركز إدارة الخدمات والعمليات المؤقتة.

وبالرغم من كل هذه الصعوبات، تعتبر بورتسودان الخيار الأفضل بالنسبة إلى بقية المدن السودانية من ناحية البنية التحتية ووجود مطار دولي، وتوفر الفنادق والمنفذ البحري.

وفي العام 2011 نفذت إسرائيل عملية عسكرية داخل المدينة، واغتالت أحد السودانيين للاشتباه في تورطه بعمليات تهريب السلاح لقطاع غزة عبر البحر الأحمر، كما شنت هجمات جوية على قافلة لذات الاشتباه.

المساهمون