يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصمماً على المضي قدماً في "هروبه إلى الأمام"، رغم النكسات التي تلحق بقواته في أوكرانيا والتشققات التي بدأت تظهر في روسيا نفسها، من غير أن يرتسم أي سيناريو للخروج من الحرب، لا سيما مع استحالة الدخول في مفاوضات في الوقت الحاضر، والتلويح باستخدام السلاح النووي.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس: "كيف سيجد بوتين مخرجاً؟ كيف يتموضع بحيث يحفظ ماء الوجه ولا يخسر جزءاً كبيراً من سلطته في روسيا؟" وهي أسئلة تتردد في جميع العواصم الغربية التي تسعى لفهم أهداف بوتين وتبحث عن وسيلة لوقف الحرب.
وترى فرنسا أن بوتين انطلق في "هروب إلى الأمام"، فيما تحذر الولايات المتحدة من "حرب نهاية العالم" في حال استخدام السلاح النووي، متسائلة حول الخيارات المتاحة للرئيس الروسي.
وأعلنت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين المعارضة، على غرار جميع دول أوروبا الشرقية، لأي مساومة مع بوتين، أن "المخرج الوحيد من هذا النزاع هو أن تخرج روسيا من أوكرانيا". غير أن الانسحاب الروسي غير مطروح.
وتقول الباحثة ماري دومولان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إننا نبتعد عن الحل أكثر مما نقترب منه"، مع ضم مناطق أوكرانية وتعبئة مئات آلاف الروس وخطاب الكرملين المتوعد.
لا مفاوضات على المدى القريب
كما ليس من الوارد في الوضع الراهن الدخول في أي مفاوضات سلام، والمستقبل يُحسم على الجبهة العسكرية حيث استعادت أوكرانيا المبادرة على وقع هجمات مضادة.
وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، في مقابلة أجرتها معه صحف من أوروبا الشرقية: "ما زلنا في زمن حرب"، بعدما دعا، مدة طويلة، إلى التفاوض، واتهم باعتماد موقف مهادن حيال روسيا، لكنه أضاف أن الحرب "لن تنتهي بمعاهدة سلام، بل في التوقيت والشروط التي يختارها الأوكرانيون"، ولو أن باريس تردد أن الخروج من الحرب يجب أن يأخذ أيضا بالضرورات الأمنية الأوروبية.
في المقابل، اعتبرت دومولان العائدة من أوكرانيا أن الأوكرانيين "لن يتوقفوا قبل استعادة أراضيهم وإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا"، مقرة في الوقت نفسه بأنها تجهل "في أي وقت يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي"، وما إذا كانت استعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لا تزال مطروحة.
دبّ جريح وخطير
وفيما وصفه دبلوماسيون بأنه "دبّ جريح" ما يزيد خطورته، يبقى من المستحيل كشف نوايا بوتين، ولا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن اعتبار "ابتزازه النووي" جديا.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي مؤخرا: "اليوم هو في وضع صعب، هناك حرب لا يتمكن من الانتصار فيها، فما الذي يمكن أن يرضيه؟ لا ردّ لدينا. لكن التصعيد العمودي يبقى خطرا ماثلا. لا يمكن لديكتاتور أن يخسر حربا، لأنه إن خسر، فهذا يعني موته".
ويحض عدد من المحللين أوروبا والولايات المتحدة على عدم الرضوخ لـ"الابتزاز النووي" الذي يمارسه بوتين، ومواصلة دعم أوكرانيا بحزم.
وكتب المؤرخ الأميركي تيموثي سنايدر على موقعه الإلكتروني أن الرئيس الروسي "يخسر الحرب التقليدية التي شنها. وهو يأمل أن تردع تلميحاته إلى الأسلحة النووية الديمقراطيات عن تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، وتسمح له بكسب بعض الوقت لإبطاء الهجوم الأوكراني".
كذلك اعتبر الباحث جوريس فون بلاديل، في مذكرة للمعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الدولية، أن "روسيا تحاول كسب الوقت على أمل أن تنهار الدول الأوروبية أمامها".
تشققات في روسيا؟
وذكر باحثون من بين المخارج الممكنة انهيار نظام بوتين. وهم يستندون إلى إشارات استياء ظهرت مؤخرا في صفوف النخب الروسية حيال الهزائم في أوكرانيا، ولا سيما الانتقادات اللاذعة التي صدرت عن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف ومؤسس مجموعة فاغنر شبه العسكرية القريبة من الكرملين يِفغيني بريغوجين.
كما انتقد عدد من المسؤولين والمشرفين على الدعاية الروسية حملة التعبئة الجزئية التي دفعت عشرات آلاف الروس إلى الفرار من البلاد، معتبرين أنها كانت فوضوية واعتباطية.
وأشارت الباحثة في معهد كارنيغي تاتيانا ستانوفايا إلى أن النخب الروسية، خلافا لبوتين، لا تعتبر أن أوكرانيا تطرح "مشكلة وجودية" لروسيا.
وكتبت في مجلة "فورين بوليسي"، هذا الأسبوع، أن "المسألة الجوهرية تكمن في معرفة ما إذا كانت النخب الروسية والمجتمع عموما مهيئة للحاق به في رحلته إلى الجحيم، أم أن بوتين فتح الطريق لسقوطه بنفسه بتصعيد رهانه الكارثي في أوكرانيا".
وأوردت صحيفة واشنطن بوست، الجمعة، أن أحد أفراد الدائرة المقربة من بوتين عبر له صراحة عن عدم موافقته على قيادة الحرب في أوكرانيا، غير أن مصادر في أجهزة الاستخبارات لفتت، ردا على أسئلة الصحيفة، إلى عدم وجود مؤشرات إلى مخاطر بإطاحة النظام.
وقالت ماري دومولان بهذا الصدد: "يجب ألا نعتبر تمنياتنا واقعا"، مشددة على أن التوتر بين "الفصائل داخل النظام" لا تطاول الرئيس الروسي نفسه. وختمت: "لا أحد يعلم متى سيحصل ذلك، ووفق أي سناريو، ومن سيأتي بعد بوتين".
(فرانس برس)