انطلقت، اليوم السبت، أعمال الدورة الـ18 للقمة الفرنكوفونية في جزيرة جربة في تونس، والتي تشهد أزمة سياسية حادة منذ أكثر من سنة، وذلك بمشاركة نحو تسعين وفداً و31 من القادة الكبار، وعلى جدول أعمالهم التعاون الاقتصادي خلال الأزمات الراهنة.
وأكد المنسق الإعلامي للقمة، محمد الطرابلسي، في تصريح للتلفزيون الرسمي أن أكثر من 31 من رؤساء الدول والحكومات شاركوا في القمة، إضافة إلى أعداد كبيرة جدا من الوفود الأخرى من المنظمات الأممية وغيرها.
واعتبر أن "هذا الحضور بقوة على المستوى الدولي يمثل في حد ذاته نجاحا للإعداد للقمة".
وأبرز الطرابلسي أن "التبادل التجاري والرقمنة في الفضاء الفرنكوفوني ومجال التعاون الاقتصادي ستكون من أبرز أولويات القمة"، وفق تعبيره.
وفي كلمته الافتتاحية بحضور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، إن "اختيار تنظيم القمة بجزيرة جربة، وليس في العاصمة كما كان مقررا في البداية، ليس اعتباطيا وهو ثمرة عمل جماعي ومتواصل وبإرادة صلبة لتنظيمها في أفضل الظروف وإنجاحها".
وأضاف أنه "رغم كل العراقيل بقيت تونس محترمة لالتزاماتها الدولية، ورغم الظروف الصعبة ومحاولات إلغاء القمة وتنظيمها في مكان آخر، إلا أن إرادة تونس لم تتزعزع وأصرت على عقدها برغم كل الصعوبات".
وأوضح سعيد أنه "تم اختيار جزيرة جربة لأنها معروفة في تونس وخارجها باسم جزيرة الأحلام، ولأنها جميلة ومنفتحة على العالم بأسره".
وأكد أنه "ليس لنا أي عقدة من اللغات الأجنبية، فابن خلدون والجاحظ وعديد العلماء والفلاسفة العرب تحدثوا عن أهمية الانفتاح على اللغات".
وأضاف سعيد أن "الألسنية تدعو لدراسة اللغات عبر الزمن والتغيرات التي تطرأ عليها بالتأثر مع التغيرات الاجتماعية واللغات الأخرى".
وفي كلمة لرئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، شدد على أنهم "ينتظرون من قمة جربة أن تعطي نفسا وانفتاحا جديدا نحو المستقبل لتستجيب لطموحات الشعوب في وجه تغيرات عالمية كبيرة ومنها جائحة كوفيد 19 والتغيرات المناخية ونشوب حروب وانعكاساتها على التزود بعدة مواد أساسية منها الطاقة وما تعانيه الدول من تأثيرات بيئية".
واعتبر أن "المنظمة مطالبة بدعم التعاون والتضامن بين دول الفرنكوفونية وتشجيع البرامج والمبادرات التي تعود بالنفع عليه وخلق توازن مع دول تعاني هشاشة اقتصادية".
ودعا كذلك إلى أن "تلتزم المنظمة بفرض احترام سيادة الدول في مواجهة انتهاك السيادة الترابية للدول وتفشي قانون الأقوى".
وستناقش هذه القمّة فرص تعزيز نقل التكنولوجيا وبناء القدرات في المجالات ذات الصلة كرافد للتنمية والتعايش والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني، انسجاما مع مضامين "استراتيجية الفرنكوفونية الرقمية (2022_2026)" التي تمّ اعتمادها سنة 2021 خلال رئاسة تونس للجنة الرقمية للفرنكوفونيّة.
وإضافة إلى الأسئلة التي تثيرها هذه القمة حول صمود الفضاء الفرنكوفوني أمام التكتلات الجديدة والتحالفات التي تتشكل وتتفكك، فإنّ الأنظار تتجه إلى إمكان إثارة مسألة الحريات والحقوق في تونس خلال القمة، إضافة إلى وضع الرئيس قيس سعيّد الذي يعاني نوعاً من العزلة الدولية منذ إجراءاته في 25 يوليو/ تموز 2021، والتي اعتبرتها المعارضة "انقلاباً".
ويأتي انعقاد اللقاء مع استمرار قمة المناخ في مصر واجتماع مجموعة العشرين في إندونيسيا، الذي طغت على جدول أعماله الحرب في أوكرانيا، البلد الذي يحمل صفة مراقب في منظمة الفرنكوفونية.
"فضاء حيّ"
إلى ذلك، شدد الرئيس الفرنسي، خلال لقائه بمجموعة من الشباب على هامش القمة، على ضرورة أن تكون الفرنكوفونية "فضاء حيّاً وفضاء للصمود" و"ألا تكون فضاء مؤسساتياً".
وتحتفل منظمة الفرنكوفونية، التي تضم 88 عضواً، بينها تونس، بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكانت تونس من الدول المؤسسة للمنظمة في عام 1970 إلى جانب السنغال ونيجيريا وكمبوديا.
كما تشارك دول غير منضوية في الفرنكوفونية في أشغال القمة، على غرار مولدوفا والإمارات العربية المتحدة وصربيا.
وينتظم يوم غد الأحد، المنتدى الاقتصادي الذي سيشهد مشاركة حوالي 600 رجل أعمال، ويتواصل هذا المنتدى إلى غاية يوم الإثنين ليناقش فرص الأعمال والتعاون في الفضاء الفرنكوفوني. .
وأمس الجمعة، عُقدت جلسة على المستوى الوزاري، برئاسة وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، عثمان الجرندي، والأمينة العامة للمنظمة لويز موشيكيوابو، التي ينتظر إعادة انتخابها مرة أخرى في منصبها.
ويشمل الفضاء الفرنكوفوني 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية العام 2050 بفضل انتشار اللغة الفرنسية في القارة الأفريقية.
وتُعقد القمة بعدما جرى تأجيلها العام الماضي بسبب جائحة كورونا، كما أُعلن رسمياً، ولكن أيضاً بسبب تردد بعض الدول بشأن عقدها في تونس، نتيجة الأوضاع السياسية التي لقيت انتقادات من عدد من الشخصيات الفاعلة في الفضاء الفرنكوفوني، وهو ما قد يلقي بظلاله على جزء من أعمال هذه الدورة.