يسود انقسام بين أعضاء دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) حول اقتراح أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، بشأن تعزيز الميزانيات المشتركة في عدد من المجالات.
وتسعى ألمانيا إلى توحيد الجهود بين شركاء الحلف لمزيد من التعاون في قضايا السياسة الأمنية، بعد أن بدت دول أوروبية، مثل فرنسا وإسبانيا واليونان وإيطاليا، متشككة، فيما تعارض أخرى، مثل بلجيكا ولوكسمبورغ، إنفاق المزيد من الأموال.
ومن المفترض أن تناقش قمة "الناتو"، المقررة في 14 يونيو/حزيران الحالي في بروكسل، والتي سيشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جانب رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، المفهوم الاستراتيجي للحلف، والذي مضت عليه عقود من الزمن، وتحديد المهام الأمنية ضمن ما أُطلق عليها "مبادرة إصلاح الناتو 2030"، بهدف التوصل لقرارات ملموسة.
ووفقاً لدبلوماسيين بحلف شمال الأطلسي، فإن محتوى تقرير الإصلاح هو "رد سريع على مزاعم (الرئيس الفرنسي) إيمانويل ماكرون بأن الحلف في حالة موت سريري".
وفي السياق، أشار موقع "أوراكتيف" أن "بعض الأعضاء غير مقتنعين بعدُ بالخطط، ويمكن فقط للقادة، وخلال القمة، العمل على أسس مشتركة بشأن التمويل المستقبلي في ظل سعي الأمين العام لـ"الناتو" لانتزاع التزام بزيادة الإنفاق الدفاعي المشترك".
وتأتي في مقدمة هذه الدول "المتشككة" فرنسا، التي دافعت ومنذ فترة طويلة عن تعزيز دفاع الاتحاد الأوروبي، بدلاً من حلف شمال الأطلسي نفسه، لأنه، ووفق الخطط، من غير المرجح أن تستفيد فرنسا عسكريا، وفق "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ".
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أول أمس، إن "أفضل ضمان لعلاقات متوازنة ومتجددة عبر الأطلسي سيكون بالتزام الأوروبيين بأدوات الدفاع الوطني"، فيما اعتبرت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، في حديث مع مجلة "بوليتيكو"، أن "كل هذه الأموال لن تُستخدم في زيادة الميزانيات الوطنية، ولا تدفع جهود الدفاع الأوروبية التي يستفيد منها "الناتو" أيضاً"، منتقدة فكرة مضاعفة الميزانية والتفكير فيما بعد كيف يمكن استخدام هذه الأموال.
يذكر أن من بين النقاشات المطروحة أنه لا ينبغي خلق انطباع بأن الدول التي لديها مساهمات أعلى قليلا في الميزانية يمكن أن تعفي نفسها من الالتزام بتوفير العناصر.
في المقابل، تدعم الحكومة الألمانية زيادة ميزانية حلف شمال الأطلسي، إذ أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الثلاثاء الماضي، أنه "من المهم التحديث عبر الأطلسي وجعل الشراكة أكثر توازنا والعمل بالمقترحات التي أعيدت صياغتها"، مضيفا أنه "لم يعد يتعين مثلا على الدول الأعضاء تحمل جميع التكاليف بنفسها عند مشاركتها في التدريبات أو المراقبة الجوية أو إعادة التمركز".
من جهتها، أثنت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور على "المقترحات الجيدة للغاية" التي تقدم بها أمين العام الحلف، مؤكدة أهمية "تعزيز قدرات العمل معاً بالوسائل المشتركة"، مشيرة إلى أن "الأحداث الأخيرة في بيلاروسيا أكدت الحاجة إلى إصلاح "الناتو""، مع العلم أن برلين ترغب في تمويل المزيد من المشاريع مع الدول الشريكة ضمن توجه مشترك، وستزيد من ميزانيتها الدفاعية بنسبة 5% لتصل إلى 49,29 مليار يورو العام المقبل، وفق ما ذكرت أخيرا صحيفة "فيزركورير".
وتقضي مقترحات ستولتنبرغ بأن يضع الحلفاء المزيد من الأموال مباشرة في الميزانيات المشتركة لتمويل المزيد من "عمليات الردع بشكل جماعي"، بدلاً من الاعتماد على النظام الحالي الذي يتكفل الأعضاء فيه بحصص، وهو ما عاد وشدد عليه خلال الاجتماع الأخير الذي انعقد في الأول من يونيو/حزيران الحالي.
واعتبر أمين عام "شمال الأطلسي" أن الإنفاق معاً يضاعف القوة، و"يشكل رسالة قوية عن الوحدة والتصميم إلى مواطني دول الحلف، وإلى أي خصم محتمل".
ولفت إلى أن الإنفاق معاً طريقة للاستثمار في العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن وجود المزيد من الأموال في ميزانية التحالف المشترك يمكن أن تحسن الدفاع الصاروخي والجوي للحلف، والاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات المشتركة، وتعزيز الشراكات مع "البلدان الصديقة"، ومراقبة المجال الجوي لدول البلطيق والطرق البحرية، فضلاً عن تكاليف إدارة المقرات والتدريبات والريادة التكنولوجية والتهديدات السيبرانية.
ومن المعلوم أن ميزانيات "الناتو" بشكل مشترك تبلغ حاليا حوالي 2.6 مليار يورو سنويا، وتستخدم لتمويل الأفراد المدنيين والعسكريين في مقر الحلف في بروكسل، وهيكل القيادة والبنية التحتية العسكرية المشتركة المستخدمة، كطائرات استطلاع "أواكس".
ووفقاً لمعادلة التوزيع الحالية، تتحمل كل من ألمانيا والولايات المتحدة حوالي 16.4 % من التكاليف المشتركة لحلف الناتو. وتفيد التقارير بأن تطور الإنفاق العسكري الفردي لدول "الناتو" وتحقيق 11 من أصل 30 دولة نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي يعود لكون الميزانيات وضعت قبل تفشي وباء كورونا، الذي تسبب بتراجع عائدات الحكومات الوطنية.
ويبقى السؤال عما إذا كانت فرنسا وغيرها من الدول المترددة ستتخلى عن اعتراضها على مقترحات ستولتنبرغ، علماً أن التعليقات تفيد بأنه من المرجح أن يعلن أعضاء "الناتو" عن استعدادهم لتمويل إجراءات الردع والدفاع جزئياً على الأقل، إذ إن الهدف أن يكون الحلف قوياً وقادراً على الرد على التحديات الجديدة، وأن يرسل جميع الأطراف خلال قمة "الناتو" إشارة واضحة تجاه روسيا، وأيضاً الصين التي تملك أكبر قوة بحرية في العالم، وتستثمر في أسلحة تفوق سرعة الصوت، وتعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي.