الانتهاكات في مناطق المعارضة السورية: إجراءات للتصدي تصطدم بالإمكانات

11 ديسمبر 2021
طاولت التعدّيات محاصيل الزيتون في عفرين (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

مع تزايد الشكاوى المتعلقة بالاستيلاء على الملكيات والمزارع لأهالي عفرين وريفها، شمال غربي سورية، وفرض الإتاوات على محاصيل الزيتون للمزارعين في تلك المنطقة، شكّلت فصائل "الجيش الوطني" التي تسيطر على منطقة عفرين لجنة سمّتها "لجنة رد المظالم والحقوق" لمعالجة تلك الشكاوى ورد الحقوق لأصحابها.

وبعد أشهر على تشكيل اللجنة، أوردت بعض المواقع الإعلامية، أول من أمس الخميس، أن اللجنة أصدرت قرارات تقضي بتسليم بعض قادة فصيل السلطان شاه (العمشات)، الذي يقوده محمد جاسم الملقب بأبو عمشة، وهو الفصيل المتهم أساساً بارتكاب تجاوزات وانتهاكات بحق المدنيين في عفرين وغيرها من المناطق.

وحسب هذه المواقع، فإن اللجنة قضت أيضاً بمطالبة الفصيل المذكور بردّ ما قيمته مليوني دولار قيمة عمليات النهب التي جرت في المنطقة لردها إلى أصحابها.


أُنشئت لجنة "رد المظالم والحقوق" في سبتمبر/ أيلول 2020، بهدف إعادة الحقوق إلى أصحابها

غير أن مصادر مقربة من اللجنة نفت لـ"العربي الجديد" صدور مثل هذه القرارات، وأكدت أن اللجنة تواصل عملها في منطقة عفرين وريفها، وتمكنت حتى الآن من حل كثير من الشكاوى المقدمة عن طريق الحلول الاجتماعية، بينما القضايا الشائكة التي تحتاج إلى تحرٍّ وأدلة تتم إحالتها إلى القضاء.

من جهته، قال فراس المصري من منظمة "سوريون من أجل تحقيق العدالة"، لـ"العربي الجديد"، إن لا معلومات لديه حول صدور مثل هذه القرارات، لكن على الأرجح هي "مزوّرة وغير صحيحة".

كذلك نفى المتحدث باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود علمه بمثل هذه القرارات، وقال لـ"العربي الجديد" إن "اللجنة تشكلت منذ مدة طويلة وكان عملها جيداً بالنسبة لحل الكثير من القضايا في المنطقة، وأعادت الكثير من الحقوق لأصحابها وهي مساعدة لمؤسسات المدنية والعسكرية في المنطقة".

وكان رئيس لجنة الريف أبو صطيف معبر، والمتحدث الرسمي باسم لجنة رد المظالم الشيخ وسام قسوم، قد قالا في تصريح مصوّر في 6 ديسمبر/ كانون الأول الحالي إن اللجنة أنهت أعمالها في ناحية الشيخ حديد بريف عفرين وزيارة معاصر الزيتون، و"تم حل جميع المشاكل العالقة بالتعاون مع فرقة السلطان سليمان شاه".

تضييق وترهيب في عفرين

ووثقت منظمة "سوريون من أجل تحقيق العدالة"، في تقرير لها صدر أخيراً، ما قالت إنها ممارسات تضييق اقتصادي وترهيب تتبعها الفصائل العسكرية التابعة لـ"الجيش الوطني" بحق الأهالي في عفرين، تمثلت بتحكمها بمفاصل الحياة الاقتصادية من خلال سيطرتها على الحواجز مع المناطق الأخرى، والمعابر الحدودية مع تركيا، إلى جانب فرضها ضرائب وإتاوات على المنازل والأراضي والمحاصيل الزراعية والمحال التجارية، ومصادرة منازل مدنيين أكراد.

وأُنشئت لجنة "رد المظالم والحقوق" في سبتمبر/ أيلول 2020، بهدف إعادة الحقوق إلى أصحابها، وإيجاد حلول مناسبة للمشاكل في مناطق سيطرة فصائل "الجيش الوطني".

وتتكوّن اللجنة من عدة فصائل عسكرية تابعة لـ"الجيش الوطني"، وهي: السلطان مراد، الجبهة الشامية، جيش الإسلام، فرقة الحمزة، أحرار الشرقية، جيش الشرقية، ويتضمن كل فصيل داخل اللجنة محامين وإداريين وقادة عسكريين، لمتابعة القضايا التي ترفع لها.

وأفاد المصدر المقرّب من اللجنة لـ"العربي الجديد" بأن اللجنة تعمل على التواصل مع الأهالي المتضررين من خلال استقبالهم في مقرها الرئيس، أو التواصل معهم عبر مخاتير ووجهاء المنطقة، أو زيارتهم في أماكن تجمعاتهم، كما تم تعميم عدة أرقام مخصصة لاستقبال الشكاوى، والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد تلقي الشكاوى، تتواصل اللجنة مع مندوب الفصيل الذي قُدمت الشكوى ضده، ومن ثم تجمع الطرفين المتخاصمين وتستمع لهما، قبل أن يقوم المكتب القانوني التابع للجنة بالبت في القضية.

وأوضح أن الحلول تكون إما بإعادة العقارات المصادرة لأصحابها الأصليين، أو كتابة عقد بيع أو إيجار في حال موافقة المالك، مشيراً إلى أن اللجنة تمكّنت من إعادة العديد من الممتلكات إلى أصحابها الأساسيين، كما أصدرت عدة قرارات بمنع فرض الضرائب على الأشجار المثمرة ومواسم الحبوب، وشكلت لجنة مختصة بحماية البيئة ومنع قطع الأشجار.

وأضاف المصدر أن اللجنة تركز حالياً على منطقة عفرين "لأنها تشهد تجاوزات أكثر من غيرها، ويمكن أن ينتقل نشاطها إلى مناطق أخرى، خصوصاً منطقة رأس العين في ريف حلب، حالما تنهي اللجنة أعمالها في عفرين". وكشف أن اللجنة كانت بمبادرة ذاتية من الفصائل، معتبراً أنها أثبتت أنها "تقف مع صاحب الحق بغض النظر عن القائم بالانتهاك، سواء كان مدنياً أم عسكرياً أم قائداً أم عربياً أم كردياً".

وأوضح أن اللجنة تلقت حتى الآن أكثر من 300 شكوى متعلقة بالسيطرة على عقارات أو فرض إتاوات على بعض الأراضي الزراعية، وتمكنت من البت في 100 دعوى.

وأضاف أن السكان المحليين سابقاً كانوا لا يرغبون في التوجه إلى القضاء مباشرة لاعتقادهم بأنهم قد يتعرضون لانتقام الجهات العسكرية المسيطرة، لكن مع تشكيل اللجنة ومباشرة عملها واستجابة الفصائل العسكرية لجهودها ازدادت الثقة بعملها.


اللجنة تركز حالياً على منطقة عفرين لأنها تشهد تجاوزات أكثر من غيرها

في المقابل، يؤكّد سكان محليون ومنظمات حقوقية أن الانتهاكات تتواصل بحق أهالي عفرين على الرغم من تشكيل اللجنة. وقال أحد السكان المحليين الذي رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" إن بعض العقارات أُعيدت بالفعل إلى أصحابها، لكن أغلبية الأشخاص الذين تعاونوا مع اللجنة هم مدنيون عاديون، بينما من كانت لديه علاقات قوية مع أشخاص نافذين لم يتعاونوا ووافقوا فقط على توقيع عقود إيجار بسعر رمزي.

تحديات أمام "الجيش الوطني"

من جهته، قال عضو الائتلاف الوطني السوري، المعني بشؤون حقوق الإنسان وشؤون المعتقلين في الائتلاف، ياسر الفرحان، إن الانتهاكات في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" تتم بشكل فردي وقد جرت محاكمات عدة بحق المتجاوزين.

وأضاف فرحان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المؤسسات القضائية لدى المعارضة ما زالت تفتقر للإمكانات الكافية، خصوصاً الكفاءات البشرية المدربة في إطار سلك القضاء، لا سيما في ضوء التحديات التي تواجه الجيش الوطني للحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطق سيطرته".

وأشار إلى أن لجنة رد المظالم تمكنت من حل بعض القضايا بشكل إداري واجتماعي، وأحالت القضايا التي تحتاج إلى محاكمة وتدقيق إلى القضاء بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى، لافتاً إلى أنه سيتم توسيع عمل اللجنة إلى مناطق أخرى بعد الانتهاء من منطقة عفرين. وأكد دعم الائتلاف لعمل اللجنة بشكل كامل.

ومنذ سيطرة فصائل "الجيش الوطني" على عفرين في مارس/ آذار 2018، بدعم تركي، وثقت منظمات حقوقية محلية ودولية العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها بعض الفصائل.

المساهمون