يتوجه الناخبون القطريون، اليوم السبت، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار أعضاء أول مجلس شورى منتخب، في عملية من المؤمل أن تجعل المواطنين شركاء في القرار، وتسهّل نقل قضاياهم ومشاكلهم إلى المؤسسات، وذلك بعد حراك مجتمعي لافت في طريق تطبيق الديمقراطية عبر النقاشات والحوارات التي جرت خلال الحملة الانتخابية، وسمحت للمرشحين بطرح أفكارهم والتواصل مع الناخبين. وفيما غلب على برامج المرشحين الطابع الخدمي، وتطوير قطاعات التعليم والصحة، بدا لافتاً عددهم الكبير الذي انتهى إلى 252 مرشحاً. ومع التوقعات بأن يغيّر مجلس الشورى المنتخب المشهد في قطر، عبر نقله بشكل أكبر القضايا التي تهم المواطن، فإن البعض يشير إلى انعكاسات أيضاً للانتخابات على منطقة الخليج، لتكون منطلقاً لتعميم المشاركة الشعبية في القرارات.
منافسة محتدمة
نصّ الدستور القطري الدائم، الصادر عام 2004، على انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى (30 عضواً)، فيما يعيّن أمير البلاد 15 عضواً آخر، من الوزراء أو غيرهم. وكان القطريون قد صوّتوا في استفتاء جرى في إبريل/نيسان 2003، على أول دستور في البلاد، والذي دخل حيز التطبيق في إبريل 2004، ونصّ للمرة الأولى على أن يشكّل مجلس الشورى بالانتخاب بدلاً من التعيين. وأعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن التوجه لإجراء أول انتخابات عامة في البلاد. وقال في كلمة بمناسبة افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى التاسع والأربعين: "سوف تجري هذه الانتخابات بموجب الدستور الذي استفتي عليه عام 2003 وصدر عام 2004. وبهذا نقوم بخطوة مهمة في تعزيز تقاليد الشورى القطرية وتطوير عملية التشريع بمشاركة أوسع من المواطنين". وتابع: "لدينا نظامنا الراسخ المتجذر في بنية مجتمعنا والمتداخل معها، وهو ليس تعددية حزبية، بل هو نظام إمارة مستند إلى تقاليد راسخة من الحكم العادل والرشيد المرتبط بالشعب بالمبايعة وعلاقات الولاء والثقة المتبادلة والتواصل المباشر بينه وبين المجتمع".
يتنافس 252 مرشحاً بينهم 27 امرأة على مقاعد المجلس
ووفق مواد الدستور القطري، فإنّ مجلس الشورى يتولى سلطة التشريع، واقتراح القوانين، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية ويقوم بمساءلة الوزراء، واستجوابهم، وصولاً إلى طرح الثقة بهم، بموافقة ثلثي أعضاء المجلس.
ومرت مسيرة مجلس الشورى الذي تشكّل بقرار من أمير البلاد الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام 1972، بمحطات عدة، وضمّ عند تأسيسه 20 عضواً تم اختيارهم بالكامل، ليصبح عدد أعضائه بعد 3 سنوات 30، قبل أن يزداد عدد الأعضاء عام 1996، في عهد الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ليصبح 35 عضواً. وشهد العام 2017 أكبر تغيير في مجلس الشورى بالتجديد لـ13 عضواً وتعيين 28 عضواً جديداً، ليصبح عدد الأعضاء 41 عضواً، وشهد هذا التغيير اختيار 4 نساء عضوات في مجلس الشورى، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وتولى رئاسة مجلس الشورى القطري، منذ إنشائه، أربعة رؤساء، كان أولهم عبد العزيز بن خالد الغانم الذي تولى الرئاسة منذ بدء جلسات المجلس عام 1972 وحتى 1990، تبعه علي بن خليفة الهتمي بالرئاسة من 1990 وحتى 1995، ثم محمد بن مبارك الخليفي حتى عام 2017، ثم جاء الرئيس الحالي لمجلس الشورى أحمد بن عبد الله ال محمود.
252 مرشحاً ومرشحة
ضمّت القائمة النهائية للمرشحين 252 مرشحاً، من بينهم 27 مرشحة، يتنافسون في 30 دائرة انتخابية، موزعة في مختلف أنحاء البلاد. وغلب على برامج المرشحين الطابع الخدمي، والدعوة لتطوير التشريعات والقوانين، وتطوير قطاعات التعليم والصحة، والاهتمام بفئة المتقاعدين. كما دعا بعض المرشحين في برامجهم الانتخابية إلى منح الجنسية القطرية لأبناء القطريات، وإعادة النظر بقانون الجنسية لعام 2005 المثير للجدل. وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، التي لعبت دوراً مؤثراً في الحملات الانتخابية، في دفع المرشحين لتبنّي مطالب حقوقية، كقانون الجنسية، وقضية منح الجنسية لأبناء القطريات وحملة الوثائق، سعياً منهم للاستجابة لمطالب الناخبين ونيل أصواتهم.
وأثار قانون الجنسية لعام 2005، خصوصاً ما يتعلق بالأشخاص المؤهلين للترشح والانتخاب في انتخابات مجلس الشورى، (نصّ على أن من يحق له الترشيح والانتخاب هو كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية وسكن قطر قبل عام 1930)، جدلاً واسعاً في البلاد. ورد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في محاضرة ألقاها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، على بنود القانون التي تحدد من يحق له المشاركة بالترشيح والانتخاب، بالقول "إن انتخابات مجلس الشورى تم تحديدها في الدستور الذي صوّت عليه كل الشعب القطري"، مشدداً على التزام حكومة بلاده "بخدمة كل من يعيش على أرض قطر بنفس الشروط ومستوى الخدمات". وأوضح قائلاً "ربما هناك قيد قانوني حالياً بعدم السماح لجزء من السكان بالمشاركة في الانتخابات، ولكن الباقين يشاركون في التصويت، وهناك عملية واضحة لكي يتغير هذا القانون". واعتبر أن مجلس الشورى المقبل مخوّل بمعالجة هذا الأمر، حيث سيكون هناك أعضاء منتخبون، وإذا قرروا فيمكن أن يشمل القانون الجميع".
وضمّت قوائم المرشحين وزيرين سابقين، أحدهما للعدل في الدائرة الخامسة، هو حسن الغانم، والذي ضمن فوزه لعدم وجود منافسين له، والوزير السابق للبلدية، علي سعيد الخيارين، إضافة إلى سفراء سابقين، وإعلاميين، ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكاديميين، ورجال أعمال، وموظفين متقاعدين.
ولا توجد في قطر مراكز لقياس الرأي العام، كما أن الناخبين يخوضون للمرة الأولى هذه التجربة الانتخابية لاختيار أعضاء مجلس الشورى، ولا توجد سابقة تؤشر لحظوظ المرشحين في الدوائر الانتخابية، أو توجهات الناخبين.
تولى رئاسة مجلس الشورى منذ إنشائه أربعة رؤساء
وتتنافس العديد من المرشحات في 14 دائرة من بين الدوائر الـ30 على المقعد الوحيد في تلك الدوائر، وهو ما يعني صعوبة فرصهن بالفوز. ففي الدائرة 22، تتنافس 5 مرشحات للفوز بالمقعد الوحيد، كما تتنافس في الدائرتين 3 و17، ثلاث مرشحات على المقعد الوحيد.
المرشحة عن الدائرة 17، لينا ناصر الدفع، والتي تتنافس على مقعد الدائرة الوحيد مع 12 مرشحاً آخر من بينهم مرشحة، قالت لـ"العربي الجديد" عن فرص فوز مرشحة في أول انتخابات لمجلس الشورى القطري، "إن المجتمع القطري ليس ذكورياً بالمفهوم التقليدي المتعصب بعدما نال أبناؤه أعلى درجات العلمية، لذلك أتوقع فوز العديد من المرشحات وليس مرشحة واحدة".
وتوقع متابعون لمجرى سير انتخابات مجلس الشورى في قطر، أن تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مؤثراً في عملية اختيار الناخبين لمرشحيهم الذين نجحوا في التواصل مع ناخبيهم عبرها، بسبب القيود التي فرضتها جائحة كورونا على التجمعات، وعدم توفر القوائم النهائية للناخبين بحوزة المرشحين.
وقال المواطن القطري خالد الملا، الذي يستعد لممارسة حقه في الاقتراع لاختيار ممثله في مجلس الشورى، إن صوته سيذهب للمرشح الأجدر، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن العملية الانتخابية جرت بسلاسة، وهناك حماس واهتمام كبيران من الناس للتصويت في الانتخابات كتجربة أولى. وأكد على ضرورة أن يحرص المرشح الذي سيفوز بالانتخابات على عدم تشريع قوانين تمس جيب المواطن، وأن يبقى على تواصل مع المواطنين، وينقل صوت الناس للسلطة التنفيذية بأمانة وتجرد. من جهته، أمل المواطن إبراهيم المطوع خيراً من انتخابات مجلس الشورى التي تشهدها قطر للمرة الأولى، لكنه قال لـ"العربي الجديد" إنه لن يشارك في الانتخابات، وسيحتفظ بصوته لنفسه.
سير العملية الانتخابية
دخل المرشحون أمس الجمعة، مرحلة الصمت الانتخابي، وتوقفت الدعاية الانتخابية، تمهيداً للاقتراع اليوم، وفق القانون المنظم للانتخابات. وقبيل الصمت الانتخابي، أعرب المرشح عن الدائرة السابعة، جاسم إبراهيم قاسم فخرو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن رضاه على سير العملية الانتخابية مؤكداً على أنها ماضية بأريحية وبالشكل المطلوب، وسيكون للمشاركة الشعبية تأثير في صنع القرار ضمن اختصاصات ونطاق عمل مجلس الشورى. وشدّد فخرو على ضرورة أن يعمل مجلس الشورى المقبل على سنّ التشريعات والقوانين التي تحمي المكتسبات وتعزز الإنجازات وتحصّن المجتمع، مشيراً إلى أن بابه سيكون دائماً مفتوحاً لسكان دائرته في حال فوزه بعضوية مجلس الشورى، من خلال جملة من القنوات، والتي يأتي على رأسها التواصل المباشر مع أهالي المنطقة.
غلب على برامج المرشحين للمجلس الطابع الخدمي
ويتنافس فخرو مع 12 مرشحاً في دائرته، بينهم مرشحة واحدة، بعضهم من نفس القبيلة أو العائلة، على مقعد الدائرة السابعة الوحيد، وهي واحدة من الدوائر ذات الزخم الانتخابي الكبير، إذ يبلغ تعداد الناخبين فيها أكثر من 6 آلاف ناخب.
أنسنة القوانين
طوال حملة الدعاية الانتخابية التي انتهت أمس الجمعة، بذل مرشح الدائرة العاشرة عبد العزيز إبراهيم إسحق آل إسحق، جهوداً لإقناع ناخبيه ببرنامجه الانتخابي، الذي تميّز بسقفه العالي، ودعا إلى تعزيز الحقوق المدنية للمواطن، عبر احترام حرية الرأي التعبير وأحقية تأسيس منظمات المجتمع المدني، وإلى تعديل الدستور بما يُمكّن جميع المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية في الترشح والانتخاب. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، لفت آل إسحق إلى أنه أكد في برنامجه الانتخابي ضرورة أنسنة القوانين بما يجعلها تعبيراً عن حقوق المواطن وحماية كرامته، وتفعيل السلطة الرقابية على آليات تطبيق التشريعات والقوانين. وطالب المرشح، الذي ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشغل موقع المدير التنفيذي لمركز الحماية والتأهيل الاجتماعي، في الدوحة، باستحداث آلية للنزاهة والمحاسبة لمنع أي إهدار للمال العام، وأن تقوم العلاقة بين السلطة التنفيذية والمواطن على الشفافية في معالجة الملفات الحساسة.
وأثنى عميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر عبد الحميد الأنصاري، على ما وصفه بالتنافس الصحي الذي رافق العملية الانتخابية. وقال لـ"العربي الجديد"، إن أجواء التنافس الانتخابي القطري تميّزت بالشفافية والنزاهة، فلا شراء أصوات، ولا تجريح ولا تشكيك بين المتنافسين ضد بعضهم بعضاً، ولا وعود مبالغا فيها. واعتبر الأنصاري أن كل هذه الأمور الإيجابية "هي نقلة نوعية تعزز حيوية المجتمع القطري"، مؤكداً أنه سيمنح صوته للمرشح الذي يعايش قضايا المجتمع ويحسن التعبير عنها ويحس بنبض الشارع.
انتخابات فارقة
قال الكاتب والإعلامي عيسى آل إسحق، لـ"العربي الجديد"، إن أول انتخابات لمجلس الشورى القطري "تعد انتخابات فارقة في تاريخ قطر، وإن تأخرت"، معرباً عن سعادته بالعدد الكبير من المرشحين الذي يدل "على أن المواطن القطري تواق لتجربة المشاركة بالرأي والقرار مع السلطة التنفيذية". واعتبر آل إسحق أن المشهد في قطر سيتغير كثيراً مع وجود المجلس المنتخب، ومع تفعيل المحكمة الدستورية، وسيكون للانتخابات تأثير إيجابي في قطر والمنطقة. وأضاف أنه سيمنح صوته للمرشح الذي يتحدث باسم الناس والشعب، وليس الدائرة التي يخوض فيها الانتخابات، وللشاب الذي يمثل طموحه وطموح أبنائه في وطن مزدهر.
أثر داخلي وخارجي
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر، أن العملية الانتخابية التي تجري في قطر، هامة للغاية، وتنبع أهميتها من أنها الأولى التي تجري بعد انتخابات المجلس البلدي (جرت للمرة الأولى عام 1999)، التي أحدثت في حينها ردود فعل كبيرة في دول الخليج. وقال المسفر لـ"العربي الجديد"، إن هذه العملية بدت متعثرة في لحظة من اللحظات، لكن سرعان ما أعيدت صياغتها لتسير في مجرى جيد، أدى إلى تغير المشهد كاملاً، لكن القرار كان حاسماً فيها، وساهم في أن تجري الانتخابات في ظل وحدة اجتماعية. وأضاف: لأنها التجربة الأولى، فلا بد أن يصاحبها نوع من المصاعب والاختلالات، لكن ذلك لم يكن مؤثراً على مجرى العملية الانتخابية، التي سارت بسلاسة وسهولة. وتوقع المسفر أن تكون لهذه الانتخابات ردود فعل في المنطقة، مضيفاً "على الرغم من أن البعض لا يستطيع أن يقف ضد التيار، لكنه لن يكون سعيداً بأن تجري هذه الانتخابات في قطر وفي هذه الظروف بالذات". وقال: "أظن أن هذه التجربة، سيكون لها أثر إيجابي كبير في الداخل، وستؤثر بلا شك في الأيام المقبلة في مجريات الأمور في دول مجلس التعاون الخليجي، كما حدث في انتخابات المجلس البلدي، عندما تداولت المنطقة انتخابات المجالس البلدية كما حصل في قطر، وسنرى بعد أول أسبوعين من انتخابات مجلس الشورى كيف ستسير الأمور".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي صالح غريب، كمتابع ومشارك في مجريات العملية الانتخابية لمجلس الشورى، إنها أحدثت حراكاً مجتمعياً في تطبيق الديمقراطية، سواء بالمناقشات أو الحوارات التي تمت حتى اليوم الأخير لهذه العملية وكشفت عن مستوى فكر المرشح وثقافته في طرح القضايا التي سوف يناقشها عند الوصول إلى المجلس. وأضاف غريب في حديث مع "العربي الجديد": لا شك أن المجلس سوف يغير المشهد في قطر من حيث طرح القضايا التي يعاني منها المواطن، ودوره في التغيير سيكون في طرح وتعديل القوانين المعطلة وتعديلها لتصبح سارية المفعول، أما في منطقة الخليج، فإن ذلك سوف يضغط على بعض الدول لتطبيق الديمقراطية، وتحقيق المشاركة الشعبية في القرار. وعن وجود مقاومة خارجية لرفض إجراء انتخابات في قطر، أجاب: "نعم كانت هناك مقاومة من البعض في الخارج لمنع إقامة الانتخابات، بالإضافة إلى الجدل الذي حدث حول قانون الانتخاب، والمستند إلى جنسية المرشح بأن تكون جنسيته الأصلية قطرية منذ العام 1930، مع أن هذا القانون متبع في جميع الدول المجاورة، فهناك جنسية أصلية، وهناك جنسية ممنوحة له، إما بسبب عمل قام به للدولة أو سنوات الإقامة أو لأي سبب آخر يتم منحه الجنسية، لكن ممارسة الحقوق السياسية حددها القانون لمن تكون جنسيته أصلية، ومع ذلك هناك شبه اتفاق على المطالبة بتعديل قانون الجنسية لعام 2005، من خلال مجلس الشورى المنتخب".