أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية الروسية تراجعا في نسبة تأييد حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، على حساب زيادة كبيرة في أصوات الحزب الشيوعي الروسي، الرابح الأكبر من استبعاد المعارضة الليبرالية والحائز على معظم الأصوات الاحتجاجية. وفي حين أقرت السلطات الروسية بـ"بعض الخروقات" في عملية التصويت في عدد محدود من المراكز الانتخابية، ووصفت الحديث عن تزوير الانتخابات بأنه "مجرد كذب"، أشارت منظمة "غولوس" المستقلة لمراقبة نزاهة الانتخابات إلى وجود انتهاكات جسمية، وحذرت من تلاعب في نتائج التصويت الإلكتروني لتعديل نتائج بعض الدوائر الانتخابية في موسكو لمصلحة مرشحي السلطة.
ورغم فتح صناديق الاقتراع ثلاثة أيام للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات البرلمانية، والسماح بالتصويت الإلكتروني في سبعة كيانات فيدرالية من ضمنها العاصمة موسكو، فقد تراجعت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) الجديد إلى نحو 45.2 في المائة مقارنة بنحو 47.88 في المائة في 2016، علما أن عدد المشاركين في التصويت الإلكتروني تجاوز 93 في المائة من أصل أكثر من 6 ملايين اختاروا الاقتراع بهذه الطريقة، من ضمنهم الرئيس فلاديمير بوتين.
وبعد فرز نحو 99 المائة من الأصوات، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية أن حزب روسيا الموحدة حصل على 49.8 في المائة، متراجعا من نحو 54.2 في المائة في انتخابات 2016، وكشفت أن مرشحي الحزب في الدوائر الفردية حصلوا على 195 مقعدا مؤكدا، مقارنة بـ203 في الانتخابات الماضية، ما يرجح حصول الحزب على 315 مقعدا، وهو ما يضمن له الأغلبية الدستورية (ثلثي الدوما البالغ عدد أعضائه 450)، ولكن مع تراجع واضح في كتلة الحزب التي بلغت في التشكيلة المنتهية ولايتها 343 عضوا.
زيادة حجم التفاوت في الدخل بين الأرياف والمدن، وبين الأغنياء والفقراء، زاد من شعبية الشعارات الداعية إلى العدالة الاجتماعية
وبدأت شعبية الحزب بالتراجع منذ صيف 2018 بعد تخفيض سن التقاعد وتراجع مستوى دخل الروس في السنوات الأخيرة، وكذلك تأثير تحقيقات المعارضة حول "فساد وترف" النخب الحاكمة في الحزب والدائرة المقربة من بوتين. كما لعب تراجع الاقتصاد بسبب جائحة كورونا وتعامل السلطات مع الجائحة دورا في خفض نسبة المؤيدين للحزب الحاكم. وربما أخفق الحزب في تحقيق النسبة ذاتها في 2016 نظرا لتراجع تأثير "نشوة" ضم القرم وما رافقها من ارتفاع في الشعور القومي.
وتظهر النتائج الأولية الحجم الحقيقي لتأييد الرئيس فلاديمير بوتين، الذي ألقى بثقله في الحملة الانتخابية المتنهية من أجل إنقاذ "روسيا الموحدة"، الذي تراجعت شعبيته كثيرا، وعدم قدرة "سيد الكرملين" على رفع أسهم الحزب إلى مستوى شعبيته البالغة نحو 62 في المائة تبعاً آخر الاستطلاعات. ولم تفلح التغييرات في القائمة الانتخابية والدفع بوزيري الدفاع سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف، واستبعاد دميتري مدفيديف، رئيس الحزب الحالي ورئيس الوزراء والبلاد السابق، في تحسين صورة الحزب ورفع شعبيته، مع قناعة معظم الروس بأن أيا من الوزيرين لن يترك منصبه للعمل في البرلمان.
وفي ظل استبعاد المعارضة الليبرالية من أنصار المعارض أليكسي نافالني، الذي يقضي حكما بالسجن، اتجهت معظم الأصوات "الاحتجاجية" نحو الحزب الشيوعي الروسي مع حصوله على نحو 19 في المائة من الأصوات في القائمة الحزبية، مقارنة بنحو 13 في المائة في الانتخابات السابقة، ولعب "التصويت الذكي" في حصول مرشحي الحزب في الدوائر الفردية على 15 مقعدا، مقارنة بسبعة مقاعد في الانتخابات الماضية، ما يسهم في زيادة كتلة الحزب في التشكيلة الجديدة إلى نحو 54 نائبا مقارنة بـ42 نائبا في التشكيلة الحالية. وتعد الانتخابات الحالية نصرا لزعيم الحزب غينادي زوغانوف، الذي يتوقع أن تكون الانتخابات الحالية الأخيرة في مسيرته السياسية قائداً للحزب، ولكن النتائج لا ترقى إلى ما حققه الحزب سابقا في 2011 عندما كان يضم 92 نائبا، ناهيك عن نحو 225 نائبا ما بين 1996 و2000 في فترة حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين.
و"التصويت الذكي" هو آلية ابتكرها المعارض نافالني من أجل توجيه الأصوات المعارضة وتوحيدها لدعم أي مرشح منافس لمرشح حزب السلطة في الدوائر الانتخابية، بغض النظر عن انتماء المرشح المنافس الحزبي. واستطاع الحزب أيضا كسب نقاط على حساب حزب السلطة بسبب موقفه من تقييدات كورونا، وزيادة حجم التفاوت في الدخل بين الأرياف والمدن، وبين الأغنياء والفقراء، ما زاد من شعبية الشعارات الداعية إلى العدالة الاجتماعية.
وفي مشاركته الأولى في انتخابات الدوما، حقق حزب "الناس الجدد" مفاجأة كبيرة، مع حصوله على نحو 5.35 في المائة من الأصوات بعد فرز نحو 99 في المائة منها، واستطاع الحزب الجديد تحقيق نتائج كبيرة في أقصى شرق روسيا، وتقاسم مع الحزب الشيوعي الروسي معظم الأصوات في هذه المنطقة، التي تعاني مشكلات كبيرة تتعلق بتراجع مستوى الدخل وارتفاع البطالة، وتخلف البنية التحتية، وعدم المساواة في توزيع الموارد الفدرالية، رغم احتوائها على ثروات ضخمة من النفط والغاز والمواد الخام. ولا ينظر كثير من الخبراء إلى الحزب، الذي يقدم نفسه كحزب يمين وسط، على أنه حزب معارضة حقيقية، ورأى بعضهم أنه مجرد مشروع للكرملين تأسس في عام 2020 من أجل جذب أصوات الشباب تحت 30 عاما، الذين يحتجون على الأوضاع المعيشية والسياسية في البلاد، وعدم توجههم نحو الأحزاب المعارضة، وتلميع صورة الديمقراطية الروسية.
وفي استمرار للنتائج المخيبة، وتراجع شعبيته منذ مطلع الألفية الحالية، تراجع الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى 7.5 في المائة من نحو 13 في المائة في 2016. وتنذر النتائج بأفول شعبية الحزب وهزيمة مرة لزعيمه فلاديمير جيرينوفسكي في الانتخابات الحالية، التي قد تكون الأخيرة في حياته السياسية، علما أن حزبه كان يحظى بشعبية تصل إلى 20 في المائة في تسعينيات القرن الماضي، ووفق النتائج الأولية، لم يحصل الحزب على أي مقعد في الدوائر الفردية، ما يعني أن كتلته البرلمانية سوف تتراجع إلى ما بين 16 و18 نائبا من 40 نائبا في التشكيلة الماضية.
ورغم تحسن نتائج حزب "روسيا العادلة – من أجل الحقيقية"، فمن الواضح أن الحزب الذي أطلقه الكرملين لمنافسة الشيوعيين على قاعدتهم الانتخابية بدأ يفقد كثيرا من أهميته، وحصل الحزب على قرابة 7.4 في المائة، وهي أفضل من نتائج انتخابات 2016 التي حصل فيها على 6.22 في المائة، لكنها أقل بكثير من نتائج 2011. ومع فوز الحزب بسبعة مقاعد فردية، يمكن أن يرفع كتلته البرلمانية إلى 25 نائبا.
ورغم تراجع شعبية الحزب الحاكم، فإنه ضمن الأغلبية الدستورية في التشكيلة المقبلة للدوما، وهي أغلبية مهمة بالنسبة لترتيب عملية الانتقال السياسي في عام 2024؛ موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة التي يحق للرئيس بوتين المشاركة فيها بعد تعديل الدستور و"تصفير" عداد الرئاسة عن الولايات الأربع السابقة، ولكنه لم يقرر بعد المشاركة أو الدفع بخليفة له.
ولم تشهد انتخابات رؤساء الأقاليم والجمهوريات أي مفاجآت، وفاز بها الحكام السابقون أو المعينون من قبل الرئيس بوتين. وفي خباروفسك، فاز ميخائيل ديغتريوف من الحزب الليبرالي الديمقراطي، والمدعوم من الكرملين بعد تعيينه في العام الماضي، بدلا عن الحاكم السابق سيرغي فورغال الذي يحاكم حاليا بتهمة القتل في تسعينيات القرن الماضي. وفي جمهورية الشيشان، يتقدم الرئيس الحالي رمضان قاديروف بنحو 99.7 في المائة من الأصوات.