بحصول "الحزب الوطني الاسكتلندي"، بزعامة نيكولا ستورجون، مع حزب "الخضر" على أغلبية مقاعد البرلمان، تتعزز النزعة الاستقلالية لأدنبره، والمضي نحو استفتاء على الانفصال عن بريطانيا.
وبحسب نتائج الانتخابات البرلمانية الخميس الماضي، التي تأخرت نتائجها حتى أمس السبت بسبب كورونا، حصل الحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الخضر على 72 مقعداً من أصل 129، بواقع 64 للوطني و8 للخضر، فيما حصل المحافظون على 31 مقعداً وحزب العمال على 22 مقعداً والليبرالي الديمقراطي على 4 مقاعد.
ويبدو رئيس الوزراء البريطاني المحافظ بوريس جونسون أنه تلقى رسالة الناخبين في أدنبره، ويدرك مأزق المملكة المتحدة في الحفاظ على وحدتها، إذا ذهب الاسكتلنديون نحو استفتاء تقرير المصير في 2023. أمر قد يضعف موقفه كثيراً، لكنه في الوقت نفسه يتسلح باتفاقية الطرفين في 1998 حول ضرورة موافقة البرلمان البريطاني على مسألة الاستقلال.
وفي الأغلب، المحافظون ليسوا في مزاج تفكك دولتهم، وخسارة التاج البريطاني لأحد مكوناته على مدى 3 قرون ماضية، ولكن، في مقابل رغبة سلطات جونسون في عرقلة الاستفتاء الاسكتلندي، تؤمن السياسية القومية ستورجون بأن ذلك يضع لندن في موقف حرج أمام المترددين في بلدها.
وقد يسرّع تعنت لندن من إقناع "الوطني الاسكتلندي" ومعسكر نزعة الاستقلال مهمة ستورجون في إقناع الأغلبية للتصويت بنعم للاستقلال، وهو ما لم يحدث في استفتاء 2014، إذ أيد 55 بالمائة البقاء تحت التاج البريطاني.
ومع هذه النتائج، تبدو رياح الذهاب نحو استفتاء جديد أقوى من سابقتها، بعد التغيرات التي شهدتها علاقة الطرفين، وخصوصاً بفرض الاستفتاء على "البريكست" في 2016، وإخراج اسكتلندا بالتبعية من الاتحاد الأوروبي.
ومع تبدي الملامح السلبية لبريكست، في التوترات الأخيرة بين لندن وباريس في مسائل أقل بكثير من قضايا كبرى، كما جرى في التحشيد العسكري من الطرفين قرب جزيرة "جيرسي" بعد أن دب خلاف على حقوق الصيد في المانش، تبدو مهمة الاستقلاليين أسهل.
ونقل "بي بي سي" عن ستورجون أمس السبت قولها: "نعم، بعد أن ننتهي من الأزمة (كورونا)، سيكون من حق الشعب الاسكتلندي أن يقرر مستقبله، فهذا ما وعدت به، وهذا ما أتطلع إلى تطبيقه". ويعد الاستقلاليون في أدنبره بعد الاستفتاء بالعودة إلى الاتحاد الأوروبي.
اهتزاز صورة وحدة المملكة
النتائج المشار إليها لا تعني فقط اتساع مشاعر تأييد الانفصال، بل ربما هي إشارة سياسية من هذا الجزء الشمالي المكون للمملكة المتحدة، خصوصاً أن "الحزب الوطني" بزعامة ستورجون يبقى يحقق نتائج جيدة طوال السنوات الماضية، رغم أن النظام الانتخابي في اسكتلندا مصمم على عكس البريطاني في مسألة الوصول إلى أغلبية مطلقة من حزب واحد، وما فصل حزبها عن تلك الأغلبية، مقعد واحد فقط.
وذلك يعني مزيداً من الضغوط السياسية والنفسية على المحافظين والعمال على حد سواء في لندن. فرغم أن 45 بالمائة من البريطانيين لا يعنيهم ما إذا استقلت أدنبره عن المملكة، إلا أنه في المقابل هناك نحو 50 بالمائة يؤيدون ترك الاسكتلنديين يقررون مصيرهم بأنفسهم.
ومع انتصار حزبين مؤيدين للاستقلال، رغم وجود أقلية في جنوب اسكتلندا، تصوت عادة للمحافظين، بفضل علاقات متداخلة مع بريطانيا، ويؤيدون البقاء في المملكة المتحدة، إلا أنه لا يمكن ساسة لندن إغفال المشاعر القومية على المديين المتوسط والبعيد.
وفميا تبدو لندن منعزلة أكثر عن عمقها الأوروبي، عائدة إلى التاريخ الذي سبق الانضمام (في بداية سبعينيات القرن الماضي) إلى السوق الأوروبية المشتركة، والاتحاد الأوروبي فيما بعد، تعيد الأحداث الأخيرة التي شهدتها أيرلندا، والآن فوز قومي في اسكتلندا، طرح سؤال عميق عن مدى تباعد الثقافات المؤسسة لبريطانيا المتحدة.
وتعزز النتائج الأخيرة الفجوة والتباعد، على الأقل لناحية اتساع رقعة ثقافة الاستقلال، وهو ما يضر بصورة لندن وعلاقتها بالأجيال الجديدة التي ترى أنها قادرة على اتخاذ قرارات تهم مستقبلها دون وصاية التاج الملكي البريطاني.
وحتى إن فشلت حجج الاستقلال، ولم تحظَ اسكتلندا على استقلال تام، يمكن الطراز الجديد من سياسيي أدنبره فرض شروط معينة، كالبقاء في الكومنولث على الطريقة الكندية والأسترالية، إذا كان ذلك سيزيح التحسس والإحراج الذي يسببه دخول بريطانيا مرحلة تفكك عقد وحدتها، وهو ما جرى الحديث عنه مبكراً في 2016، بعد خلافات عميقة بشأن طريقة فرض الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء الشعبي آنذاك.
ورأى خبير الشؤون الاسكتلندية في جامعة كوبنهاغن، ستيوارت وارد، في تعقيبه على النتائج لصحيفة "بوليتيكن" اليوم الأحد أن "فكرة الاستقلال عن بريطانيا، مع الخروج من الاتحاد الأوروبي، تتعزز أكثر، ورغم أن البرلمان البريطاني الذي يتخذ القرار النهائي بشأن الاستفتاء على الاستقلال، إلا أن نتائج انتخابات الخميس تزيد صعوبات رفض بوريس جونسون لاختيار اسكتلندا الذهاب خلال السنوات القادمة نحو استفتاء الاستقلال".
وكان بوريس جونسون قد قال الجمعة الماضية لصحيفة "ديلي تلغراف" إنه "لن يكون هناك استفتاء الآن". وقبل بضعة أعوام اعتبر جونسون، الذي قاد بالأساس خروج بريطانيا من أوروبا، أن "الاستفتاء حدث، وكان حدثاً لمرة واحدة". ويبدو أنه لا يستطيع الجزم بذات القول الآن لسببين برأي وارد "فلا يجب أن يبدو رافضاً تماماً، وذلك من الممكن أن يخلق مزيداً من دعم الاستقلال بين الاسكتلنديين، وفي المقابل على السياسي الجيد ألا يقول لا مطلقة".
وفي كل الأحوال، فإن السياسية نيكولا ستورجون تبدو أيضاً براغماتية بما فيه الكفاية لتهدئة قاعدتها الشعبية الاستقلالية. وتستطيع أن تصبر أكثر، لتُري معارضي الاستقلال ما يجري مع بريطانيا نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبذات الوقت استخدام التعقيدات لبحث معمق للانفكاك عن المملكة المتحدة، وخصوصاً في ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية.
ولا تشكل اسكتلندا أكثر من 15 بالمائة من مجموع الاقتصاد البريطاني والناتج القومي الإجمالي، وهي مهمة يبدو أن العامين القادمين ستحددان اتجاه رياح الاستقلال الاسكتلندي، الذي مهما كان اتجاهه، فإنه ثبت صورة مختلفة عن تراجع وحدة المملكة المتحدة، التي كانت ذات يوم "بريطانيا العظمى"، مع تعمق مخاوف التفكك مستقبلاً.