للشهر الخامس على التوالي، تتحرك ببطء الجهود الدولية والأممية بالتوازي مع المحادثات الثنائية بين السعودية والحوثيين، في محاولة للوصول إلى اتفاق جديد للهدنة في اليمن، في الوقت الذي جدد فيه الحوثيون تهديداتهم في حال لم تنفذ شروطهم بشأن الملف الإنساني.
وأعلن المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ، الأول من أمس الجمعة، أنه التقى في موسكو وزير الخارجية سيرغي لافروف وعدداً من كبار المسؤولين "لمناقشة الدور الهام للمجتمع الدولي ومجلس الأمن في دعم الأطراف اليمنية، للتوصل إلى تسوية مستدامة عن طريق التفاوض"، بحسب بيان مقتضب نشره مكتبه.
من جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إنه "جرى النظر في قضايا التسوية الشاملة للنزاع العسكري السياسي في اليمن، والتأكيد على ضرورة تكثيف الجهود لضمان وقف إطلاق النار بشكل مستدام، وبداية الحوار الوطني الشامل تحت رعاية الأمم المتحدة".
تدور مخاوف من انقسام موقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بشأن اليمن
وأفاد بيان مقتضب نشره موقع السفارة الروسية في اليمن بأن "غروندبرغ اطَّلع على اتصالات الجانب الروسي مع الممثلين عن مختلف القوى السياسية اليمنية، وأيضاً مع الدول الإقليمية، وذلك في إطار تعزيز تطبيع الوضع في اليمن، بما في ذلك حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية المتراكمة".
وتأتي زيارة المبعوث الأممي إلى موسكو بعد تقديم إحاطته إلى مجلس الأمن في جلسة مغلقة الأربعاء الماضي، تبنى خلالها مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 2675 الذي جدد بموجبه نظام العقوبات على اليمن. ومدد القرار، الذي صاغت مسودته بريطانيا، تجميد الأصول وتدابير حظر السفر في البلاد حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وتدور مخاوف من انقسام موقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بشأن اليمن، نتيجة حالة الاستقطاب الدولي بعد نحو عام من اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية. وقالت الخارجية البريطانية، في تغريدة على "تويتر"، إن "أعضاء مجلس الأمن متحدون بدعمهم عملية السلام الهشة في اليمن، بدليل تبني المجلس بالإجماع قرار تجديد العقوبات المفروضة على قيادات الحوثيين".
وكان غروندبرغ قد اختتم، في 9 فبراير/شباط الحالي، جولة شملت كلاً من الرياض والعاصمة اليمنية المؤقتة عدن ومسقط، التقى خلالها مسؤولين سعوديين، ومجلس القيادة الرئاسي اليمني، ومسؤولين عُمانيين، بالإضافة إلى وفد الحوثيين التفاوضي المقيم في العاصمة العُمانية التي ترعى المفاوضات بين السعودية وجماعة الحوثي منذ أشهر.
الحوثيون يهددون مجدداً
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة خلال الشهرين الماضيين، خصوصاً في إطار المحادثات الثنائية بين الحوثيين والسعودية، فإنها لم تسفر عن أي اتفاق بشأن تمديد رسمي للهدنة في اليمن، التي ما زالت مستمرة ميدانياً، على الرغم من انتهائها في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إذ لم يحدث أي تصعيد عسكري كبير يهدد مسار المفاوضات الجارية التي تدور خلف الأبواب المغلفة.
لكن زعيم جماعة الحوثيين (أنصار الله) عبد الملك الحوثي أطلق تهديدات للتحالف الذي تقوده السعودية في حال تعثرت المفاوضات. وقال، في كلمة متلفزة الأولمن أمس الجمعة: "أوجه التحذير والنصح معاً... صبرنا سينفد إن لم تبادروا بالتفاهم الجاد والعملي في الملف الإنساني... يمكن أن ينفد الوقت، ويمكن أن نعود إلى خيارات ضاغطة للحصول على هذا الحق".
ويطالب الحوثيون بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم العسكريون، من عائدات النفط والغاز اليمنيين اللذين يصدّران من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بالإضافة إلى إنهاء القيود على الموانئ التي يسيطرون عليها، وفتح وجهات جديدة للرحلات الجوية من مطار صنعاء.
وقال الحوثي، في كلمته الموجهة إلى مسؤولين وقيادات عسكرية حوثية في صنعاء: "المرحلة الراهنة حالة حرب مستمرة، والذي هدأ هو بعض التصعيد، مثلاً الطيران من جانبهم (التحالف الذي تقوده السعودية) والصواريخ والطيران المسيّر من جانبنا والعمليات الهجومية، ولسنا الآن في ظل اتفاق هدنة، إنما هناك خفض للتصعيد في ظل وساطة عمانية".
يسعى غروندبرغ لحشد الدعم الدولي لجهوده وتأكيد أهمية العمل على تسوية يمنية - يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة
وعبّر عن تقديره لدور عُمان في الوساطة. وقال: "نسعى لإعطائهم الفرصة الكافية للنجاح في مساعيهم، في ظل انفراجة إلى حد ما في دخول السفن إلى ميناء الحديدة وحركة المطار في صنعاء. وعندما نعطي وقتاً معيناً لصالح جهود الوساطة، لا يعني ذلك الاستمرار إلى ما لا نهاية".
ودعا زعيم الحوثيين أنصاره إلى اليقظة والجهوزية الدائمة أمام كل الاحتمالات. وقال: "احتمال أن تأتي الحرب والتصعيد في أي لحظة، وما يترتب على التصعيد من ضغوط أو مواجهة"، على حد تعبيره.
من جهته، علّق عضو الوفد التفاوضي الحوثي عبد الملك العجري على الكلمة بالقول: "كان واضحاً بما يغني عن أي تعقيب في توصيف المرحلة التفاوضية والأطراف المعنية وطبيعة الوساطة العمانية، وأن استنفاد الوقت قد يقود إلى خيارات ضاغطة". ومن دون أن يحدد طبيعة تلك الخيارات، أضاف: "لكن الكل يعرف إذا حذر"، على حد تعبيره في تغريدة بحسابه في "تويتر".
المفاوضات السعودية الحوثية
وتستمر المحادثات الثنائية بين السعودية والحوثيين بسرية، إذ لا ترد أي معلومات عن مسار تلك المفاوضات منذ أشهر، وفي الوقت نفسه، يسود تفاؤل بقرب الوصول إلى اتفاق في مسار مختلف عن الوساطة الأممية، وبعيداً عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ويرى مراقبون أنه في حال وصلت المحادثات بين السعودية والحوثيين إلى تفاهمات، سيكون البند الأول هو إعلان اتفاق جديد لهدنة طويلة الأجل، ومن خلال ذلك، يجرى التمهيد لمفاوضات جديدة لبحث تسوية شاملة للحرب في اليمن، على الرغم من أن الملف أكثر تعقيداً في الواقع.
وبموازاة المفاوضات الثنائية في مسقط، يسعى غروندبرغ لحشد الدعم الدولي لجهوده وتأكيد أهمية العمل على تسوية يمنية - يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة، وإشراك أكبر قدر من فئات المجتمع اليمني.
وقال سفراء كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في اليمن، في بيان مشترك الخميس الماضي، إنهم ناقشوا الجهود التي تبذلها السعودية وعُمان نحو حل سلمي عبر المناقشات مع الحوثيين. وأشاروا إلى التنسيق مع المبعوث الأممي، وأكدوا "الدور المحوري للحكومة اليمنية في أي سلام مستدام يمكن تحقيقه في البلاد".
وأكد السفراء "التزامهم بحل سياسي شامل للصراع في اليمن، ودعمهم الكامل للمبعوث الخاص للأمم المتحدة والحكومة اليمنية، والجهود التي تسعى إلى تأسيس محادثات يمنية - يمنية تحت إشراف الأمم المتحدة ووقف إطلاق النار في كل أرجاء البلاد". وطالبوا الحوثيين بـ"تقديم مصلحة الشعب والانخراط البناء مع جميع الأطراف في جهودهم لتحقيق السلام".
في غضون ذلك، جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي "ترحيب مجلس القيادة والحكومة بكافة الجهود الرامية لإنهاء الحرب، وإحلال السلام على أساس المرجعيات الوطنية والإقليمية، والدولية المتوافق عليها، خصوصاً القرار 2216 الذي يضمن نزع سلاح المليشيات الإرهابية، وحق الدولة وحدها في احتكار القوة وإنفاذ سيادة القانون".
كلام العليمي جاء خلال لقائه، الأول من أمس الجمعة في مدينة ميونخ الألمانية، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش اجتماعات مؤتمر الأمن الدولي، وفق وكالة "سبأ" التابعة للحكومة اليمنية. وبحسب الوكالة، أشاد بلينكن "بالتعاطي الإيجابي من جانب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية مع مساعي تجديد الهدنة، والبناء عليها في الانتقال الى مفاوضات شاملة تلبي تطلعات جميع اليمنيين".