"الوقت ينفد" أمام جو بايدن... ومؤتمر الجمهوريين قد يحسم سحب ترشحه

12 يوليو 2024
بايدن في البيت الأبيض، 10 يوليو 2024 (إفلين هوكشتين/رويترز)
+ الخط -

الأيام المقبلة قد تكون حُبلى بالمفاجآت في أميركا، مع تشكّل رأي عام ديمقراطي يميل إلى أن الرئيس جو بايدن لم يعد مؤهلاً للبقاء في البيت الأبيض، ويتجه أكثر للضغط عليه للتنحي، وسط ضخّ إعلامي غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، أصبح مهيناً ومحرجاً لبايدن، بعدما تخطى الكثير من الحدود، وقد يكون الهدف منه أيضاً تهيئة الرأي العام لبروز مرشح ديمقراطي آخر للرئاسة "يمكنه هزيمة دونالد ترامب". وإذا كان منطق الأحداث يسير في هذا الاتجاه، رغم تمسك جو بايدن بترشيحه، ويعتزم الاثنين المقبل إجراء مقابلة تلفزيونية لتبث في اليوم الأول من مؤتمر الحزب الجمهوري في ويسكونسن لتسمية ترامب مرشحاً للحزب رسمياً، فإن كلّ ما يدور في واشنطن أصبح استثنائياً، ويأتي في وقت يفترض أن يكون ضمن "العدّ العكسي" ليوم الانتخاب المقرّر في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

منطق الأحداث وانسحاب جو بايدن

ومن المقرّر أن يعقد الحزب الديمقراطي، من جهته، مؤتمره العام لتسمية مرشحه رسمياً للرئاسة، في أغسطس/آب المقبل. وخرجت أنباء، أمس الخميس، عن تجميد المانحين للحزب تمويلهم بانتظار مؤتمر الجمهوريين وانجلاء الصورة أكثر، فيما خرج كبار الديمقراطيين عن بعض تحفظاتهم ودخل نجوم في هوليوود، مؤثرين، على خطّ الأزمة. أما الإعلام الأميركي، المحسوب على الحزب الديمقراطي، فيواصل ضخّ مقالات الرأي والتقارير التي تشكّك بأهلية بايدن صحياً وذهنياً للرئاسة، ومنها ما يتضمن كلاماً قاسياً بحق الرئيس.

قال مانحون إنهم لم يشاؤوا إحراج بايدن خلال قمة الناتو

هكذا، كتب مارك لوبوفيتش في مجلة "ذا أتلانتك" المحسوبة على التيار الليبرالي، أول من أمس الأربعاء، تحت عنوان "هيا يا رجل"، أنه "لا يجب التقليل أبداً من القوة المدمّرة لعجوز نرجسي عنيد"، معتبراً أن "الرئيس بايدن، 81 عاماً، يتصرف كأحد أكثر الزعماء في التاريخ عناداً والذين يتمتعون بقلّة المسؤولية". وفي المجلة نفسها، التي لطالما نشرت مقالات رأي تعكس التوجه لدى فريق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لاسيما في السياسة الخارجية، اعتبر تيم ألبارتا، أن ترامب يخطط "لفوز كاسح"، وأن حملته "تدعو الله ألا يتنحى بايدن".

ولا يزال جو بايدن متمسكاً بترشّحه. وقالت مجلة ذا نيويوركر، الاثنين الماضي، إنه يعتمد في ذلك على عدم صدور مطالبات بالتنحي بعد من كبار قادة الحزب، وإن أنباء سرت بأن مجمع التقدميين في الحزب سيجتمع ويصدر بياناً يدعو فيه بايدن للانسحاب، لكن المجمع لم يفعل.

وبرأي المجلة، التي نقلت عن النائب سيث مولتون، وهو بين قلّة من النواب الديمقراطيين الذين دعوا حتى يوم أمس الخميس، بايدن للانسحاب من السباق، قوله إنه "في مثل هذا اليوم عام 2012، كان أوباما خلال حملته يهرول من اجتماع لاجتماع ويحضر أكثر من تجمع في اليوم" (وسط أخبار أن بايدن قرّر حصر عمله الرئاسي بين العاشرة صباحاً والرابعة بعد الظهر)، فإن بايدن- أو دائرته المحيطة به- يعتقد حتى الآن أن دعوات التنحي لا تزال محدودة جداً وصادرة عن بعض النخب المحدّدة، مثل صحيفة نيويورك تايمز التي "باتت تتصرف وكأنها تعمل لمصلحة ترامب"، أو كاتبها الشهير توماس فريدمان. كما أن رئيسة حملة بايدن، جين أومالي ديلون، ومستشار الحملة مايك دونليون، ومستشار البيت الأبيض، ستيف ريشيتي، التقوا أمس الخميس أعضاء الكونغرس لإطلاعهم على خطط التقدم قدماً، وأعلنت حملة بايدن أنها أجرت استطلاع رأي مباشرة بعد المناظرة مع ترامب، ولم تلحظ تغييراً كبيراً في نسب التأييد للرئيس.

شومر وبيلوسي وجورج كلوني

لكن بعدما بدا أن حملة جو بايدن تنفست الصعداء قليلاً، الثلاثاء الماضي، وانشغل الرئيس بقمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، انقلب الوضع أول من أمس، وأمس الخميس، مع عودة التدهور، إذ ذكر موقع أكسيوس، أن السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، وهو زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ، قد أشار بشكل غير علني للمانحين، إلى أنه "منفتح على مرشح آخر للرئاسة غير بايدن". وبحسب كثير من المتابعين، فإن شومر ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، بالإضافة إلى أوباما، وحدهم قادرون على الضغط على بايدن، أو أن دعوتهم لتنحي الرئيس ستكون حاسمة. وأوضح "أكسيوس" أن شومر واصل طوال الأيام الماضية منذ المناظرة، الاستماع إلى أفكار المانحين واقتراحاتهم بشأن المرحلة المقبلة، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة. لكن ردّاً على الموقع، قال شومر في بيان: "كما أعلنت سابقاً بوضوح، أنا أدعم الرئيس بايدن وسأبقى ملتزماً ضمان هزيمة دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر".

أما بيلوسي، فأعطت إشارة من جهتها، إلى أنها أيضاً منفتحة على مرشح آخر غير الرئيس جو بايدن. وقالت أول من أمس، لشبكة أم أس أن بي سي، إنه "يعود للرئيس أن يتخذ قراراً إذا ما كان يريد البقاء في السباق"، متمنية أن يفعل ذلك سريعاً "لأن الوقت ينفد". كما أصبح النائب الديمقراطي بات ريان، ثامن نائب عن الحزب يطالب بايدن بالانسحاب، فيما رأى النائب ريتشي توريس، وهو عضو ديمقراطي في تجمع أعضاء الكونغرس من أصول أفريقية، لـ"سي أن أن"، أنه "إذا أردنا أن نذهب في مهمة انتحارية (استكمال السباق مع بايدن)، فعلينا أقلّه أن نكون صادقين في قول ذلك".

أما في مجلس الشيوخ، فقد أعرب بحسب "أكسيوس" السيناتور شيرود براون والسيناتور جون تستر عن قلقهما من أن بايدن قد يخسر المنافسة، فيما أعرب السيناتور الديمقراطي مايكل بينيت أيضاً لشبكة سي أن أن، عن اعتقاده بأن الحزب "قد يخسر كل شيء". أما السيناتور بيتر ويلش، فأصبح أول سيناتور ديمقراطي يدعو رسمياً لتنحي بايدن، بعدما كتب في "واشنطن بوست"، أن "بايدن أنقذنا من دونالد ترامب مرة، وهو يريد معاودة الكرّة، لكنه يحتاج إلى إعادة تقييم ما إذا كان المرشح الأفضل لذلك. برأيي، إنه ليس الأفضل".

وأمس الخميس، رأى موقع شبكة سي أن أن، في تحليل له، أن ثلاثة أمور قد تعدّل رأي جو بايدن: شرخ في الدعم له داخل الحزب، جفاف التمويل، وتراجع كبير في استطلاعات الرأي. وأضاف أنه بينما كان بايدن يستقبل زعماء دول حلف شمال الأطلسي في واشنطن أول من أمس، كانت الأخبار تتوالى في هذا السياق، ما من شأنه أن يحوّل ما يُخشى إلى حقيقة.

ويبدو أن الضغط يسير أيضاً باتجاه أكثر إلحاحاً، حيث يتجه الديمقراطيون، الذين التقوا أمس الخميس، كبار المسؤولين في حملة بايدن، لمطالبة الرئيس بـ"إثباتات" أنه أهل لاستمرار الترشّح. واعتبرت "سي أن أن" أن "الأرض تهتزّ من تحت أقدام بايدن"، بعدما بات الديمقراطيون لا يعتقدون فقط أن ترامب سيفوز إذا ما بقي بايدن في السباق، لكنه قد "يحقّق فوزاً كاسحاً".

ينتظر قادة الحزب نتائج الاستطلاعات بعد مؤتمر الجمهوريين

وتتعالى الأصوات الديمقراطية أيضاً، من خارج الفلك السياسي، حيث إن لقاء بايدن مع قادة النقابات أول من أمس الأربعاء، لا يبدو أنه نجح في تبديد قلقهم. ونقلت أمس صحيفة واشنطن بوست، عن مصدرين مطلعين، أن بعض هؤلاء، ومنهم داعمون بشدة لبايدن، قد اعتبروا أن شكوك الأميركيين المتزايدة بشأن قدرة بايدن على الحكم تضرّ بترشّحه، وأنهم طرحوا أسئلة صريحة على مسؤولي حملة بايدن بشأن خطتهم لإلحاق الهزيمة بترامب. ومن بين هؤلاء، شاون فين، رئيس نقابة عمّال قطاع السيارات. لكن "الفيدرالية الأميركية للعمل" و"كونغرس المنظمات الصناعية" أصدرا بياناً مشتركاً بعد الاجتماع ببايدن، أكدا فيه دعمهما للرئيس الديمقراطي، معتبرين أن "أي رئيس لم يقدم دعماً للعمّال كما فعل بايدن".

وبحسب "واشنطن بوست"، فإن الأمور رغم ذلك تتسارع بشكل كبير، وقد لا يتخطى الأمر حدود نهاية الأسبوع، إذ حتى بعض المسؤولين في حملة بايدن أصبحوا أكثر تشاؤماً بشأن كيفية المضي قدماً في الحملة. وبحسب الصحيفة، فإن "الديمقراطيين يقولون إن الانشقاقات ستتزايد على الأرجح خلال الأيام المقبلة، مع إشارة المشرّعين والمانحين إلى أنهم حتى نهاية الأسبوع الحالي، قد يوجهون دعوة علنية لبايدن للتنحي، وهم يردّدون اليوم أنهم لا يريدون إحراج بايدن خلال قمة حلف شمال الأطلسي التي استضافها في واشنطن هذا الأسبوع، مع منحه الوقت الكافي لاتخاذ القرار بنفسه للانسحاب من السباق".

"واشنطن بوست": الديمقراطيون يقولون إن الانشقاقات ستتزايد على الأرجح خلال الأيام المقبلة

وينتظر المانحون، الذين ذكر الكثير من التقارير الإعلامية أمس، أنهم جمّدوا تمويلهم لحملة بايدن، ليس فقط قرار الرئيس الذي سيجري الاثنين مقابلة تلفزيونية مع شبكة أن بي سي، بل أيضاً مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيسمي مرشح الحزب للرئاسة، والذي سيكون ترامب كما بات واضحاً. وينعقد مؤتمر الحزب الجمهوري من 15 إلى 18 يوليو/تموز الحالي (من الاثنين إلى الخميس المقبلين)، في ميلووكي، بولاية ويسكونسن، لتتويج ترامب مرشحاً مرة أخرى للرئاسة، مع هيمنة هذه المرة لأنصار ترامب على المؤتمر، مع تعهد الرئيسة المشاركة للجنة الوطنية للحزب، لارا ترامب، وهي زوجة ابن ترامب، إريك، بأن لائحة المتكلمين في المؤتمر "ستحمل مفاجآت"، علماً أن المرشح السابق للرئاسة عن الحزب، رون ديسانتيس، سيلقي كلمة في المؤتمر تأكيداً لدعمه الرئيس السابق.

ويبدو أن مانحي الحزب الديمقراطي قد فضّلوا التريث حتى مؤتمر الحزب الجمهوري، لقراءة بارومتر استطلاعات الرأي الوطنية، ومدى تأثير المؤتمر الذي سيكون بمثابة مهرجان جمهوري لترامب على شعبية بايدن. لكن بعض المانحين "المؤثرين" لم ينتظروا الأسبوع المقبل حتى، للإدلاء برأيهم. وعلى هذا الأساس، ذكّر الممثل الأميركي الشهير جورج كلوني، وهو ديمقراطي ومقرب جداً من بعض قادة الحزب، وصديق للرئيس الأسبق باراك أوباما، في مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز، أمس، بأنه يفتخر بانتمائه للحزب، وقيادته عدداً لا يحصى من حملات التبرع له، من بينها لأوباما وهيلاري كلينتون وبايدن.

وكتب كلوني أنه "يحب الرئيس بايدن، وأنه يؤمن بأخلاقياته"، معرباً عن إعجابه بتمكن بايدن "من الفوز خلال السنوات الأربع الماضية بالعديد من المعارك التي خاضها". لكنه رأى أن "المعركة الوحيدة التي لا يستطيع بايدن أن يفوز فيها، هي تلك التي يواجه فيها الزمن". وقال إن على زعماء الحزب "أن يتوقفوا عن القول لنا إن 51 مليون أميركي لم يشاهدوا ما شاهدناه ليلة المناظرة". وأضاف: "نحن كديمقراطيين، لا نريد رؤية ترامب مجدداً في البيت الأبيض، ويثير ذلك هلعنا، لكننا أيضاً نحبس أنفاسنا أو نُخفض صوت التلفزيون كلّما رأينا الرئيس بايدن، يتحدث أو يسير حتى طائرته الرئاسية".

وبحسب "سي أن أن"، فإن مقال كلوني يعني أن أزمة جو بايدن لم تعد محصورة بالجدل السياسي المستعر في واشنطن، بل أن هذا الجدل بات محرجاً ومهيناً على صعيد إنساني للرئيس، كما أنه يصدر عن ديمقراطيين يحبونه. ولفتت إلى أن الممثل يحافظ على علاقات عميقة جداً مع مسؤولين ديمقراطيين ومانحين، لذا فإن رأيه يحمل أكثر من مجرد رأي صادر عن أحد مشاهير هوليوود.