الوضع المعيشي يهدد الحظوظ الانتخابية لأردوغان

28 مارس 2022
تظاهرة للقطاع الطبي بإسطنبول في 14 مارس (ميرت جان بوكولماز/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من الجهود التي يبذلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأركان إدارته، وفق نهج دبلوماسي جديد لتحسين العلاقات مع دول المنطقة والغرب، في مسعى لدفع عجلة الاقتصاد والخروج من تداعيات وباء كورونا ثم الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن عقبة التضخم وارتفاع الأسعار وعدم القدرة على ضبطها تشكل تحدياً أمام أردوغان. 

فالاقتصاد والوضع المعيشي هما ما يشغلان الرأي العام التركي، وهو ما ينعكس في استطلاعات الرأي، قبل نحو عام من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي تهدد حكم أردوغان المستمر منذ نحو 20 عاماً، وفي ظل جهود منظّمة من المعارضة لتنظيم صفوفها. وبدا واضحاً أن عام 2022 بالنسبة لتركيا هو عام الدبلوماسية لرأب الصدع مع دول الجوار والإقليم والدول الغربية.


70 في المائة يعتبرون أن الأوضاع الاقتصادية هي أبرز مشاكل البلاد

وخلال الأشهر الأخيرة، زار أردوغان الإمارات، بعد سنوات طويلة من القطيعة، ودولاً أفريقية عديدة، والتقى في بروكسل قادة حلف شمال الأطلسي، كما استقبل في تركيا قادة كل من ألمانيا واليونان وإسرائيل وأذربيجان، وأجرى لقاءات هامة على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي قبل أسبوعين.

كما عُقدت قمة ثلاثية جمعت وزراء خارجية تركيا وأوكرانيا وروسيا، على هامش المنتدى الدبلوماسي. وتقود الخارجية التركية جهوداً لتطبيع وتحسين العلاقات مع السعودية ومصر واليونان وأرمينيا.

زيادة الأسعار أهم مشكلة في تركيا

وعلى الرغم من أن نسبة وازنة من الشعب تؤيد السياسة الخارجية التركية والجهود المبذولة لإيقاف الحرب، والموقف المحايد من الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن الهمّ الأكبر يبقى الوضع المعيشي.

وفي أحدث استطلاع للرأي نشرته شركة "أوبتمار"، أجري في الفترة بين 10 و16 مارس/آذار الحالي، وشمل عيّنة تجاوزت الألفي شخص عبر اللقاء المباشر، ظهر أن 51.6 في المائة يعتبرون أن زيادة الأسعار هي أهم مشكلة في البلاد، و18.1 في المائة قالوا إن المشكلة هي التضخم، أي نحو 70 في المائة يعتبرون أن الأوضاع الاقتصادية هي أبرز مشاكل البلاد، فيما وجد 10.8 في المائة فقط أن مسألة احتلال روسيا لأوكرانيا هي الأهم.

وبحسب الاستطلاع، قال 31.5 في المائة من المستطلعة آراؤهم إن السياسة المتّبعة عبر الحياد سليمة، فيما وجد 16.6 في المائة أن تركيا يجب أن تشارك في العقوبات التي قد يفرضها حلف شمال الأطلسي على روسيا، وطلب 10.2 في المائة تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، فيما طلب 15.1 في المائة أن يتم الاعتراف بالحقوق الروسية في أوكرانيا.

وكانت نتائج استطلاع سابق أجرته شركة "آريدا سرفي" للأبحاث، قد أظهرت أن 57.8 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أعلنوا أن الجهود التركية لحل دبلوماسي بين كييف وموسكو ناجحة، في حين وجد 42.2 في المائة أن الجهود التركية غير ناجحة.

وأظهر استطلاع "أوبتمار" حصول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على تأييد 38.7 في المائة من الأصوات فقط، وحصل أردوغان على 33.8 في المائة من الأصوات، بحسب الاستطلاع، ما يظهر أن الدعم في السياسة الخارجية لا يعكس الدعم في الأوضاع الداخلية التي هي محددة بالاقتصاد ولقمة العيش.

ورأى المحلل السياسي محمد جيرن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السياسة الخارجية لتركيا تلقى ردود فعل متباينة في الشارع التركي، فالالتفافات التي أقدمت عليها الحكومة في العلاقات، خصوصاً مع الإمارات وإسرائيل، دفعت بعض الأطراف للتذكير بتصريحات أردوغان السابقة حيال هذه الدول، وتحديداً أبوظبي، التي اتُهمت بدعم محاولة الانقلاب في أنقرة صيف عام 2016".

وتابع: "على الرغم من ذلك، رأت أطياف من الشعب أن ضرورات المرحلة تتطلب هذا النوع من السياسة ودعمت حراك أردوغان، وبرز ذلك في استطلاعات الرأي، خصوصاً مع السياسة المحايدة في أوكرانيا، بعد أن اضطرت أنقرة لاتخاذ مواقف إلى جانب بعض الأطراف في دول عربية سابقاً لم تتمكن من بعدها من تغيير سياساتها بسهولة، كما حصل في سورية مثلاً".


أظهر استطلاع "أوبتمار" حصول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على تأييد 38.7% من الأصوات

وأضاف جيرن: "على الرغم من الجهود الدبلوماسية الدولية، يرغب المواطن التركي في انعكاس ذلك على الاقتصاد، لأن غلاء الأسعار والتضخم أرهق المواطنين ولم تؤدِ الزيادات في الرواتب إلى تقليل الفجوة الحاصلة، وما فاقم الأمر هو ارتفاع أسعار الوقود وانعكاس ذلك على الإنتاج بشكل مباشر، وعلى الأسعار والنقل والمواصلات. ومع أن الشعب يدرك الواقع السياسي في البلاد، فهو لا يزال يأمل في تحسين الأوضاع قبيل الوصول إلى الانتخابات المقبلة التي قد تؤدي إلى تقلبات في حال عدم حصول أي طرف من النظام أو المعارضة على نسبة 50+1 في المائة من الأصوات".

التحدّي الأكبر لأردوغان

من ناحيته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن أردوغان "يواجه أكبر تحدٍ منذ توليه الحكم، إذ بدا عاجزاً عن ضبط الأسعار في الأسواق، والحد من التضخم، على الرغم من فرض سياسة جديدة اقتصادية تعمل على تقليل الفائدة وزيادة الإنتاج، وعلى الرغم من وعود الرئيس بتحسّن الأوضاع مع حلول الصيف، لكن ليست هناك أي مؤشرات تدل على هذا التحسن، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، وهو ما لا يمكن للحكومة أن تفعل به شيئاً".

وأردف أن أردوغان "استفاد من ضعف أداء المعارضة بشكل عام في الانتخابات الأخيرة، لكن الانتخابات المقبلة قد تكون أكثر صعوبة له، خصوصاً أن المعارضة تحاول رصّ صفوفها ووضع خطط واضحة تشمل كافة تفاصيل المرحلة الانتقالية لما بعد نجاحها في الانتخابات، وهذا ربما يترك أثراً على الناخب التركي. وخلاصة الكلام إن تمكنت الحكومة بالفعل من ضبط الأسعار وإراحة المواطنين، فإن حظوظها بالفوز في الانتخابات ستكون كبيرة، وإن فشلت فستكون محطة الانتخابات الأصعب بالنسبة لها ولاستمرار عملها برئاسة أردوغان".

وتشهد تركيا في منتصف عام 2023 المقبل انتخابات برلمانية ورئاسية يشارك فيها الرئيس أردوغان دستورياً للمرة الأخيرة، وهي محطة، بحسب مراقبين، تعتبر من بين الأهم في تاريخ تركيا الحديث.