الوثائق السرية تهدد مخططات بايدن

15 يناير 2023
بايدن خلال مغادرته البيت الأبيض إلى ديلاوير، الجمعة الماضي (جوناثان إرنست/رويترز)
+ الخط -

حتى وقت قريب بدا الرئيس الأميركي جو بايدن مستعداً أكثر من أي وقتٍ مضى، لإعلان ترشحه لولاية رئاسية ثانية، بعد نجاحه في معالجة التراجع الاقتصادي في الولايات المتحدة وعجز الجمهوريين عن تحقيق "الموجة الحمراء" في الانتخابات النصفية للكونغرس التي أُجريت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، غير أن تفجر أزمة العثور على وثائق سرية في مواقع عائدة له قبل أيام تعيد خلط حسابات الرئيس الأميركي.

وحتى موعد إلقائه خطاب "حال الاتحاد" في 7 فبراير/ شباط المقبل، أمام الكونغرس، بغرفتيه (الشيوخ ومجلس النواب)، عملاً بالتقاليد الأميركية، سيخوض الرئيس الأميركي معركة طاحنة، سياسية وقضائية، خصوصاً أن ملف الوثائق السرية يتفاقم بصورة لا يمكن للرئيس السيطرة عليها، بما يهدد فرصه في الإعلان عن الترشح لولاية ثانية من جهة، وأيضاً في استكمال ولايته حتى 20 يناير/كانون الثاني 2025 بنجاح من جهة ثانية.

تربّص الحزب الجمهوري

كما أن الكشف عن أزمة الوثائق يترافق مع تربص الجمهوريين في الكونغرس بالرئيس الديمقراطي متجاوزين انقسامهم الأخير والذي تجلّى بخوض 15 جلسة اقتراع قبل انتخاب كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النواب في الكونغرس.

ولم تكد تنتهي مناكفات الجمهوريين حتى بدأوا في إطلاق سلسلة تحقيقات تستهدف بادين وإدارته، وسط توقعات بزيادة وتيرتها في الفترة المقبلة خصوصاً بعدما جاءت أزمة الوثائق لتكون بمثابة هدية مجانية لهم.

وعُثر في منزل بايدن في ويلمينغتون بولاية ديلاوير على وثائق تعود إلى الفترة التي كان يتولّى فيها منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (2009 ــ 2017)، وذلك بعدما عثر على وثائق مماثلة في "خزانة مقفلة" في مركز بن بايدن للأبحاث، المرتبط بجامعة بنسلفانيا، حيث كان لدى بايدن مكتب سابقاً.

10 سنوات سجناً هي عقوبة سوء التعامل مع المعلومات السرية
 

وصنفت الوثائق التي اكتشفت في مكتب بايدن على أنها "معلومات حساسة ومصنفة"، وفقاً لشبكة "سي أن أن"، مما يشير إلى أن المواد قد تتضمن بيانات عن أساليب ومصادر جمع المعلومات الاستخبارية.

وبحسب ما ورد، تضمنت الوثائق معلومات عن أوكرانيا وإيران وبريطانيا. غير أن الفجوة التي دامت شهرين بين اكتشاف الوثائق قبل أيام من الانتخابات النصفية، والإعلان عنها في الشهر الحالي، أثارت تساؤلات عدة حول شفافية البيت الأبيض.

وأخذت القضية بُعداً أكبر، الخميس الماضي، مع تعيين وزير العدل ميريك غارلاند، المستشار روبرت هور محققاً في المسألة. وقال غارلاند في تصريح مقتضب: "لهور صلاحية التحقيق مع أيّ شخص أو كيان قد يكون انتهك القانون". بدوره شدّد هور في بيان بعد تعيينه، على أنه "سأجري التحقيق المكلف به بعدالة ونزاهة".

وعيّن الرئيس السابق دونالد ترامب، هور مدعياً عاماً في ولاية ميريلاند، في عام 2018. واستمر في منصبه حتى انتهاء ولاية ترامب في 20 يناير 2021.

وفي محاولة لاحتواء الغضب من إدارة ملف الوثائق السرية، أكد ريتشارد ساوبر، محامي بايدن، أن الرئيس ينوي "التعاون" مع هور. وقال في بيان: "نحن على ثقة بأن التحقيق الدقيق سيُظهر أن هذه الوثائق كانت في غير مكانها عن قلّة انتباه، وأن الرئيس ومحاميه تصرفوا على الفور عندما اكتُشف هذا الخطأ". بدورها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، خلال مؤتمر صحافي، مساء الخميس: "بايدن يعمل بأكبر قدر من الشفافية".

وللوثائق السرية تصنيفات عدة، من بينهما تصنيف "خاص"، الذي يشير إلى المعلومات التي يمكن أن تضر بالأمن القومي إذا نُشرت. أما تصنيف "سري"، فيشير إلى المواد التي، إذا نُشرت، يمكن أن تسبب "ضرراً جسيماً" للأمن القومي.

ويتعلق تصنيف "سري للغاية"، بـ"المعلومات الأكثر حساسية"، وتغطي السجلات التي يمكن أن تسبب "ضرراً جسيماً بشكل استثنائي" للأمن القومي إذا أُفرج عنها. ونظرياً، يحق للرئيس الأميركي أن يقرر ما هي المعلومات المصنفة وما هي المعلومات غير المصنفة.

غير أنه في الممارسة العملية، يفوض الرئيس المسؤولية إلى مجلس الوزراء ورؤساء الوكالات، الذين قد يعطون المسؤولية بعد ذلك للآخرين الذين يعملون لديهم. وتظل المعلومات سرية "طالما تتطلب ذلك اعتبارات الأمن القومي". أما عقوبة سوء التعامل مع المعلومات السرية، فتتراوح بين 3 و10 سنوات سجناً وغرامات باهظة.

والفارق بين قضية بايدن وقضية العثور على وثائق سرية بحوزة ترامب في منتجع مارآلاغو في فلوريدا، في أغسطس/آب الماضي، كبير. فعدد الوثائق التي عُثر عليها بعهدة ترامب أكثر من 300 وثيقة، بينما لا تقلّ عن 10 وثائق لدى بايدن.

وفي وقتٍ يبحث المحققون في توجيه تهم محتملة لترامب تتعلق بعرقلة سير العدالة أو إتلاف السجلات من قبله أو من قبل آخرين، بالإضافة إلى احتمال إساءة التعامل مع أسرار الحكومة، يتعاون بايدن بالكامل مع السلطات، خصوصاً أنه سلّم الوثائق طواعية.

لكن كل ذلك لم يمنع الجمهوريين من استغلال اللحظة ومهاجمة بايدن. وقال الجمهوري جيمس كوبر إنه "مع وجود مدّعٍ عام خاص أو من دونه"، سيُحقّق مجلس النواب في "تعامل الرئيس بايدن غير المناسب مع الوثائق السرية".

وحض رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري كيفن مكارثي الكونغرس على التحقيق مع بايدن. كما بدأ النواب الجمهوريون تحقيقاً، مساء أول من أمس الجمعة، في مسألة تعامل وزارة العدل مع الوثائق السرية المتعلقة ببايدن.

جيمس كومر: المنزل الذي تمّ العثور فيه على الوثائق، مسجل باسم هانتر بايدن

 

ووجّهوا رسالة إلى غارلاند، طالبوا فيها بالحصول على جميع الوثائق والاتصالات المتعلقة بها، والتي جرت بين الوزارة ومكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" والبيت الأبيض ومحامي بايدن.

ورأى رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، جيم جوردان وزميله مايك جونسون، في الرسالة أنه "من غير الواضح متى علمت الوزارة لأول مرة بوجود هذه الوثائق، وما إذا كانت قد أخفت هذه المعلومات بنشاط عن الجمهور عشية الانتخابات"، النصفية. وحددوا يوم 27 يناير الحالي موعداً نهائياً للاجتماع مع غارلاند لبحث القضية في مجلس النواب.

دور هانتر بايدن

بدوره، وجّه رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب جيمس كومر، رسالة إلى البيت الأبيض، سأل فيها عما إذا كان هانتر بايدن، نجل الرئيس، قد تمكن من الوصول إلى هذه الوثائق. وذكر كومر أن "المنزل الذي تمّ العثور فيه على الوثائق، مسجل باسم هانتر بايدن"، مشيراً إلى أن "اللجنة تشعر بالقلق من أن الرئيس بايدن خزن وثائق سرية في نفس الموقع الذي أقام فيه ابنه أثناء مشاركته في صفقات تجارية دولية مع خصوم الولايات المتحدة".

ويتعلق الأمر بالتعاملات التجارية السابقة لهانتر في أوكرانيا، وهو موضع تحقيق قريب سيطلقه الجمهوريون. ولهانتر فضيحة أخرى، متعلقة بجهاز كمبيوتر محمول، نساه في ورشة إصلاح في ديلاوير، في إبريل/نيسان 2019، وكشفت عنه صحيفة "نيويورك بوست" في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020، قبل أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في حينه.

وعُثر في هذا الحاسوب، على عدد كبير من الرسائل الإلكترونية وصور ووثائق مالية تبادلها هانتر مع عائلته وشركائه، وهي تسلط الضوء على كيفية استخدام نجل جو بايدن نفوذه السياسي في ممارسة أعمال في دول أخرى، خصوصا أوكرانيا والصين.

وجمع مكتب التحقيقات الفيدرالي أدلة كافية لاتهام هانتر بايدن، بارتكاب جرائم ضريبية والإدلاء ببيانات كاذبة لشراء سلاح، مع خضوع هانتر لتحقيقات فيدرالية منذ عام 2018.

وليس بعيداً عن النكسات التي يتعرّض لها بايدن، فقد بدأ المعسكر الجمهوري في مجلس النواب تحقيقاً برلمانياً، مساء الجمعة، في الانسحاب الفوضوي للقوات من أفغانستان في عام 2021 والذي قتل خلاله 13 جندياً أميركياً جراء هجوم. وانتقلت نكسات بايدن إلى داخل الحزب الديمقراطي، مع إعراب حلفاء ديمقراطيين عن إحباطهم من نهج مسؤولي البيت الأبيض تجاه الوثائق السرية التي عثر عليها، داعين الإدارة إلى أن تكون أكثر انفتاحاً في تعاملها مع القضية.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)