النظام يحوّل السويداء إلى أمن الدولة: استرضاء قبل الانتخابات؟

01 مايو 2021
كان حسام لوقا مكلّفاً ملف درعا الأمني (فرانس برس)
+ الخط -

يظهر توجس النظام السوري من محافظة السويداء، جنوبي البلاد، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 26 مايو/ أيار الحالي، الأمر الذي ينعكس بتحركات جديدة في شكل وآليات وتعاطي النظام مع المحافظة، لتثير الجدل حول جدية النظام بضبط العصابات الخارجة عن القانون المرتبطة بالأجهزة الأمنية، وإيجاد حل للنزاع الدائر مع "الفيلق الثامن" والبدو المنتشرين على أطراف المحافظة الغربية.

وأفادت مصادر مطلعة في السويداء لـ"العربي الجديد"، بأن النظام وجّه بنقل ملف السويداء من إشراف رئيس شعبة الأمن العسكري اللواء كفاح الملحم، المكلف به منذ النصف الثاني من عام 2018 عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الشعبة، إلى رئيس شعبة المخابرات العامة (أمن الدولة)، حسام لوقا، المكلف بالملف الأمني في درعا، جارة السويداء الغربية. وبيّنت المصادر أن لوقا يحضّر عبر رئيس فرع أمن الدولة في السويداء العميد سالم الحوش، لعقد لقاء موسع مع المشايخ والوجهاء الاجتماعيين وعدد من المثقفين والناشطين، وعلى الأغلب سيكون اللقاء بعد عيد الفطر (في الأسبوع الثاني من شهر مايو). ومن المتوقع أن يعرض الأول خلال الاجتماع خطة أمنية لوقف الفلتان الأمني، خصوصاً حول عمليات الخطف والسلب والاتجار بالمخدرات.

يهدف النظام لتمرير الانتخابات من دون أن تعكر السويداء المسرحية الانتخابية

وأضافت المصادر أن كل تلك المظاهر تفشت في السويداء، والمسؤول عنها بشكل رئيسي هي مجموعات مسلحة تحمل بطاقات ولوحات لسياراتها المسروقة أو التي تدخل البلاد بطرق غير شرعية. ونتج هذا التفشي الأمني عن دعم الأفرع الأمنية، لا سيما فرع الأمن العسكري، مجموعات لصوص وخارجين عن القانون واحتوتها إلى صفها. ومنحت أفرادها امتيازات اقتصادية، منها بشكل شرعي وقانوني، كتسليمهم حماية محطات الوقود والوكالات التجارية، التي تدر الكثير من الأموال نتيجة الإتاوات، ومنها غير الشرعي، كالاتجار بالمحروقات في السوق السوداء وتجارة السيارات المهربة وتجارة وتهريب المخدرات.

ولفتت المصادر إلى أن الحوش عمل منذ تعيينه، منتصف عام 2019، على خلق شبكة من الخارجين عن القانون. وتجلى ذلك في أوضح صوره عندما ساند وأعطى غطاء أمنياً لمجموعة مسلحة تعمل في تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية، وتم استهداف مجموعة مسلحة حاولت قطع طريق المخدرات. وجنّد مجموعات أخرى، كمجموعات معتز مزهر ومهران عبيد وراجي فلحوط، وغيرها، ذات الروابط المزدوجة، بين الأمن العسكري وأمن الدولة. كما كان للحوش تدخل سلبي في التوتر الذي وقع بين الأهالي في بلدة القريا بريف السويداء الجنوبي وبلدة بصرى الشام المقابلة لها في ريف درعا، العام الماضي، والتي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، وذلك في إطار منافسته للأمن العسكري. كما عمل على تبني ودعم لؤي الأطرش، وهو وجيه اجتماعي يحمل لقب أمير، إضافة إلى شيخ العقل الأول للموحدين الدروز حكمت الهجري، وعمل على تشويه صورة أشخاص آخرين، مثل شيخي العقل الثاني يوسف جربوع والثالث حمود الحناوي والباشا عاطف هنيدي، وغيرهم من الشخصيات التي لم يستطع النظام الهيمنة عليها.

ويحاول النظام استرضاء السويداء قبل الانتخابات الرئاسية، وهي المحافظة التي بدأت حالة التململ والتذمر من النظام تتفشى فيها قبل أكثر من عامين لأسباب عدة، منها تلويح النظام لها بورقة "داعش" بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى زعزعة الأوضاع الأمنية لدفع الناس للمطالبة بدوره الكامل كحل. ووسط كل هذا تتردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي حملت أهالي المحافظة على التظاهر، منتصف العام الماضي، وحملت احتجاجاتهم شعارات نادت بإسقاط النظام وبشار الأسد. وتتحدث الجهات الأمنية عن وجود نحو ثلاثة آلاف شخص مطلوبين أمنياً، في حين يوجد أكثر من 30 ألف شخص مستنكف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية.

كان للحوش تدخل سلبي في التوتر الذي وقع بين الأهالي في بلدة القريا بريف السويداء الجنوبي وبلدة بصرى الشام

وقال أحد النشطاء لـ"العربي الجديد"، إنها "لم تكن المرة الأولى التي يحدث فيها حراك ما لوقف الفلتان الأمني، لكن المشكلة أن الأجهزة الأمنية هي غطاء للعصابات التي تتسبب بهذا الفلتان، ولو كان لديهم قرار حقيقي فيمكنهم خلال 24 ساعة إنهاء التهديدات المقلقة للمجتمع، لكن النظام يريد التعامل مع السويداء سلة واحدة بذريعة نسمعها من ممثلي النظام دائما أن القانون لا يتجزأ". وأضاف أن "هذا يعني أنهم يريدون تطبيق القانون على المستنكف عن الخدمة العسكرية قبل العصابات، فنجد عناصر العصابات يقفون إلى جانب الدوريات الأمنية والحواجز ويعتقلون الأشخاص المعارضين للنظام والمستنكفين عن الخدمة، أو من قاموا ببعض المخالفات الاقتصادية البسيطة بدافع البحث عن فرصة عمل".

واعتبر أن "النظام هدفه تمرير الانتخابات من دون أن تعكر السويداء المسرحية الانتخابية، خصوصاً أن كل المؤشرات تظهر أنها على صفيح ساخن ومهددة بالانفجار بأي لحظة، فيما لم يحصل النظام على تأييد من القيادات المجتمعية، بل هناك تسريبات تفيد بوجود رفض من قيادات دينية ومجتمعية إضافة إلى تيار واسع من المجتمع لطرح إعادة انتخاب الأسد". ولفت إلى أن "المحافظة شهدت أخيراً كتابات مناهضة للنظام، كما شهدت مدينة السويداء، منتصف العام الماضي، تظاهرات طالبت بإسقاط النظام على مدار أكثر من أسبوع، ثم انتهت بعدما استعان النظام بمجموعة من الشبيحة والعصابات المرتبطة مع الأمن، يتزعمهم عضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم حسن عبد الله الأطرش".

وكان النظام قد أطلق في مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، عملية تسوية في السويداء، بدأت خاصة بالمستنكفين عن الخدمة العسكرية وتوسعت لتشمل المطلوبين أمنياً، بحضور مندوبين عن الأجهزة الأمنية الأربعة وقاضي الفرد العسكري، الذي يمنح المتقدمين للتسوية ورقة تسمح لهم بالتجول في مناطق النظام لمدة ستة أشهر من دون أن يتعرضوا للاعتقال. وبعدها يلتحق العسكري بالفيلق الأول المنتشر في المنطقة الجنوبية من سورية، وتُمنح الفرصة للمطلوبين أمنياً لتسوية أوضاعهم ومراجعة الجهات الأمنية. لكن مع مرور قرابة الثلاثة أشهر لم تتم تسوية ملف أي ممن تقدموا إلى تلك التسوية، ما يثير إحساساً بأن فترة الستة أشهر ما هي إلا عملية شل أو تعطيل للمجتمع ليس أكثر.

ويستحضر العديد من الناشطين في السويداء تجربة أمن الدولة، وعلى رأسه لوقا في درعا، متحدثين عن فشله الكبير، إذ زادت نسبة الاغتيالات، وواصل النظام عمليات الاعتقال وأصر على رفض تسليم جثة من يموت في المعتقلات. وأعرب أحد النشطاء المقيمين في السويداء عن مخاوف شريحة واسعة من المهتمين بالشأن العام بأن "تدفع السويداء كما تدفع درعا بشكل ما ضريبة صراع الأجهزة الأمنية، خصوصاً عقب سحب الملف من يد الملحم، النافذ مع العصابات، لصالح لوقا، والذي غالباً سيتم العمل على تفشيله من قبل الأول، إذا افترضنا وجود جدية في وقف الفلتان الأمني".

المساهمون