النازحون والتعويضات والإعمار: وعود لكسب أصوات المدن العراقية المحررة

25 يونيو 2021
لا تزال الكثير من المدن المحررة مدمّرة (فرانس برس)
+ الخط -

تتنافس القوى والكتل السياسية في مدن العراق ومحافظاته الشمالية والغربية، على الشعارات والبرامج ذاتها. وأبرز تلك الشعارات متعلقة بالوعود المرتبطة بعودة النازحين إلى منازلهم، ودفع تعويضات لأصحاب المنازل المدمّرة، وإعادة إعمار المدن، والكشف عن مصير المختطفين والمغيبين، وصولاً إلى إطلاق فرص العمل ومعالجة أوضاع جيوش الأرامل والأيتام التي خلفتها صفحة احتلال تنظيم "داعش"، وما أعقبتها من معارك. وهي الشعارات والوعود نفسها التي رفعتها الكتل ذاتها خلال انتخابات 2018 ولم تحقق منها شيئاً لغاية الآن.

ووسط الاتهامات باستغلال القوى السياسية العربية السنّية لملفات إنسانية وأخلاقية ملحّة لكسب أصوات الناخبين، يغيب موقف الحكومة العراقية ومؤسساتها ككل عن تلك الملفات، تماماً مثل غياب البرامج السياسية لهذه القوى في المناطق ذاتها، والتي يخال الداخل لها أن محركات الدبابات توقفت للتو فيها وليس منذ قرابة الخمس سنوات، بفعل تنصل الحكومة من وعود الإعمار أو حتى محو آثار المعارك من تلك المدن.

تقيم مختلف القوى مؤتمرات عامة عبر تقديم حوافز بغرض جذب الجمهور  

وإلى جانب الحملات السابقة لتعبيد الطرق ونصب محولات الكهرباء ورفع النفايات وتوزيع السلال الغذائية، التي بدأت هذه المرة مبكراً جداً عكس الانتخابات السابقة، تجتهد القوى السياسية في إقامة المؤتمرات بالساحات العامة والحدائق في مناطق محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك وحزام بغداد. وتناقش هذه القوى ملفات النازحين والمختفين وتحصيل تعويضات للمتضررين وإطلاق سراح المعتقلين، والتي عادة ما يتم جذب الجمهور من خلال إقامة ولائم الطعام أو توزيع الهدايا.

لكن البعض يرفض هذا النوع من المؤتمرات، فيوم الإثنين الماضي وجّه رئيس "المشروع الوطني"، جمال الضاري، انتقادات حادة لما وصفها بـ"المتاجرة بمشاعر العراقيين"، موضحاً في إيجاز قدّمه للصحافيين في بغداد، أن "ملف النازحين والمهجرين واجب أساسي للحكومة، ولا ينبغي أن يكون موضعاً للمزايدات الانتخابية والمتاجرة الرخيصة بمشاعر العراقيين ومطالبهم العادلة". وطالب حكومة مصطفى الكاظمي، بـ"الإيفاء بوعودها للعائلات النازحة، والقيام بواجباتها، وعدم ترك الموضوع الإنساني والوطني نهباً للمصالح الشخصية والحزبية".

وإزاء ذلك تعلّل عضو البرلمان محاسن حمدون توجّه الكتل والقوى السياسية في المدن المنكوبة لملفات إنسانية وخدمية بـ"تقصير الحكومة"، مضيفة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المرشحين صاروا يستغلون ما قصّرت الدولة بتقديمه من خدمات وحقوق وواجبات كبرامج ووسائل للدعاية الانتخابية". لكنها في الوقت نفسه ترى أن "على الناخب ألا تنطلي عليه بعض الوعود من قبل المرشحين، لأن الدولة نفسها عجزت عن تلبيتها له".

وفي السياق يقرّ مسؤول عراقي بارز في بغداد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بما يصفه "ممارسة مهام وواجبات الدولة من قبل بعض القوى السياسية في ملفات على تماس بحياة المواطنين"، كاشفاً أن بعض الكتل تتبنى برامج ووعودا الحكومة نفسُها غير قادرة على الإيفاء بها في الوقت الحالي، لأسباب سياسية ومالية، كما يجري الآن في نينوى وصلاح الدين. ويضيف أن "الحكومة لا يمكن أن تدخل على خط تكذيب شعارات أو وعود الكتل والأحزاب السياسية حتى لا يفهم أنها تصطف مع طرف ضد آخر، لكن يجب على مفوضية الانتخابات أن تتولى دوراً رقابياً سريعاً خصوصاً في ما يتعلق باستغلال بعض رؤساء الكتل الذين يتولون مناصب وزارية أو برلمانية".

بدورها تشير المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جمانة غلاي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المفوضية لم تصادق لغاية الآن على الأسماء التي تقدّمت بالترشيح للانتخابات. وبالتالي لا يمكن للمفوضية أن تحاسب أحداً، إذ لا يكون الشخص مرشحاً للانتخابات إلا بعد مصادقة مجلس المفوضين"، في إشارة إلى أن الحملات الحالية غير رسمية وتجري على نطاق حزبي وشخصي ترويجي وليس انتخابياً.

لم تجد مفوضية الانتخابات مخالفات في حملات الكتل

وتضيف غلاي أنه "عند انطلاق الحملات الانتخابية سيتم تشكيل لجان للرصد ولمراقبة فعاليات وأنشطة الأحزاب والمرشحين. والآن إذا لاحظتم فإنه في أغلب البوسترات والفعاليات لم يكتب أي شخص منهم أنه مرشح عن هذه الكتلة أو هذا الحزب، بالتالي فهو ليس مرشحاً، بل متقدم للترشيح". لكنها أكدت في الوقت ذاته "إمكانية محاسبة من يثبت بالدليل أنه تحدث بصفته مرشحا عن حزب أو كتلة وساوم أو وعد الجمهور مقابل انتخابه، إذ ستكون هناك عقوبات بالتأكيد".

من جهته، يعتبر النائب عبود العيساوي، أن أغلب البرامج الحالية للكتل عبارة عن "استصغار لعقول الناخبين"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "على المرشح أن يركز على برنامجه انتخابي ويبتعد عن تعبيد الطرق وإصلاح الخدمات لأنها ليست مهمته وتمثل تجاوزاً على دوائر الحكومة ويدخل أيضاً في شراء الذمم ونخر مؤسسات الدولة واستغلال المناصب". ويرى أن "الناخب العراقي اليوم ذكي ويجب أن يعطي صوته بذكاء".

أما الباحث في الشأن السياسي العراقي مجاهد الطائي، فيعتبر أن الظاهرة الحالية التي تتصاعد في البلاد منذ أسابيع "تعبّر عن احتياجات حقيقية لفئات المجتمع السنّي الأكثر تضرراً من العمليات العسكرية والمليشيات وسياسات الحكومات العراقية المتعاقبة، الفاشلة والعاجزة حيناً والطائفية حيناً وغير المبالية أحياناً أخرى". ويرى في حديث مع "العربي الجديد" أن "تحقيق تلك الوعود التي يتم إطلاقها لسكان هذه المناطق نسبي ويكاد يكون معدوماً في كثير من الحالات، وبعضه يتوقف على العلاقات سياسية مع الجهات المسيطرة من المليشيات أو الجهات الحزبية المسيطرة داخل مؤسسات الدولة".

ويشدّد الطائي على أن "تحقيق هذه الشعارات يتطلب قوة وسيطرة على الأرض وإمساك ملفات سياسية وأمنية ومالية وإدارية في تلك المحافظات، ولم تصل القوى السياسية السنّية إلى هذا المستوى، وبالتالي سيبقى ما نسمعه الآن مجرد شعارات انتخابية لكسب أصوات الناس ما لم يثبت العكس، علماً أن بعض القوى قد جربت وأثبتت عجزها وعدم مصداقيتها في الانتخابات السابقة، وقد يتكرر ذلك بشكل كبير مع تراكم الفشل والعجز الذي يشمل الدولة العراقية ككل".

المساهمون